قناة السويس تنمو ببطء رغم توقف الحرب في غزة

17 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 07:18 (توقيت القدس)
سفينة تبحر في مجرى قناة السويس، 16 إبريل 2025 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه قناة السويس تحديات في استعادة حركة الملاحة الطبيعية بسبب المخاوف الأمنية في البحر الأحمر، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد المصري الذي يعتمد على إيرادات القناة.
- رغم جهود هيئة قناة السويس، تتردد شركات الشحن الكبرى في العودة الكاملة بسبب المخاطر المرتبطة بالحوثيين وارتفاع تكاليف التأمين، مما يدفعها لتبني سياسة العودة التدريجية.
- التحسن في حركة الملاحة قد يعزز الاحتياطي النقدي لمصر واستقرار سعر الصرف، بشرط استمرار الهدوء الأمني وتجنب التصعيد العسكري في المنطقة.

رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصرية في شرم الشيخ قبل أيام، والذي أنهى أكثر من عامين من الحرب الدموية في غزة، ترك عدم توصل الولايات المتحدة بصفتها راعية اتفاق غزة إلى مد اتفاق وقف القتال مع الحوثيين في البحر الأحمر، مخاوفَ لدى شركات الشحن العالمية، جعلت عودة حركة السفن إلى قناة السويس تجري بوتيرة بطيئة وتحت مراقبة حذرة من شركات التأمين والملاحة.
وتركت المخاوف لدى القاهرة -التي لعبت دور الوسيط لإيقاف الحرب وفتح الطريق أمام مرحلة سلام وإعمار جديدة- الاقتصاد المصري يواجه اختباراً صعباً يتمثل في استعادة واحد من أهم مصادر دخله الدولاري من إيرادات قناة السويس، التي فقدت ما يزيد على نصف قيمتها منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق تقديرات رسمية.
وبيّن أمين صندوق الاتحاد العام للغرف التجارية، محمد عطية الفيومي، أن اتفاق شرم الشيخ يضع نهاية لمرحلة من الصراعات التي عطّلت الاقتصاد الإقليمي وهددت طرق التجارة بين الشرق والغرب، مضيفاً أن أولى الإيجابيات الاقتصادية المتوقعة تتمثل في زيادة التدفقات الملاحية عبر قناة السويس، بعد أن سبَّبت الحرب خسائر تجاوزت 50% من الإيرادات نتيجة تحوّل السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وقال الفيومي لـ "العربي الجديد" إن شركات الشحن الكبرى ما زالت تتريث في العودة الكاملة للممر الملاحي المصري، بسبب المخاطر التي يشكلها الحوثيون في البحر الأحمر، رغم التهدئة الميدانية في غزة، مشيراً إلى أن هيئة قناة السويس اضطرت إلى خفض رسوم العبور لتشجيع السفن على العودة، إلا أن البيانات حتى الآن تشير إلى عودة تدريجية وليست كاملة. وقالت مصادر في غرفة الملاحة البحرية بالإسكندرية لـ "العربي الجديد" إن منطقة باب المندب والسواحل اليمنية ما زالت مصنفة منطقة حرب في وثائق التأمين البحري، بما يعني استمرار ارتفاع كلفة التأمين على السفن العابرة، في ظل غياب ضمانات أمنية كافية بعد توقف العمليات العسكرية.

وتشير تقارير شركات التأمين على الشحن البحري، إلى أن أسعار التغطية التأمينية للسفن المارة بالبحر الأحمر لا تزال أعلى بنسبة تراوح بين 200% و300% مقارنة بمستويات ما قبل أكتوبر 2023، ما يعكس استمرار القلق من أي عمليات منفلتة أو هجمات محتملة حتى في ظل التهدئة.
ويرى خبراء مصريون في النقل البحري أن هذه المخاوف مرتبطة بما تثيره إسرائيل من مخططات لمحاربة إيران والحوثيين خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يبقيهم "فاعلاً عسكرياً غير منضبط"، وقد يستخدم تهديد الملاحة ورقة ضغط في أزمات مستقبلية تتجاوز غزة.
من جانبه، قال أمين عام شعبة المصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد زكي، لـ "العربي الجديد" إن اتفاق "شرم الشيخ للسلام" لا ينعش الأوضاع السياسية فقط، بل يفتح الباب أمام تعافٍ اقتصادي واسع يشمل الصادرات المصرية وقناة السويس، مبيناً أن استقرار الأوضاع في البحر الأحمر انعكس مبدئياً على حركة السفن بالقناة في الأيام الأخيرة، مع وجود انخفاض في بوالص (فواتير) الشحن وتكاليف التأمين الذي بدأ يظهر تدريجياً في تعاملات الشركات الكبرى، خصوصاً بين موانئ آسيا وأوروبا.
أضاف زكي أن "العودة إلى مستويات ما قبل الحرب ستحتاج إلى وقت واستقرار فعلي على الأرض، مؤكداً أن العام 2025 سيكون عام استعادة الثقة في الملاحة الدولية بشرط استمرار الهدوء الأمني في البحر الأحمر وباب المندب.
ورغم التفاؤل الرسمي، الذي يبديه مسؤولو هيئة قناة السويس، يبقى الواقع الميداني أكثر حذراً، فبحسب بيانات Bloomberg Shipping Tracker، لم تعلن شركات الشحن الكبرى مثل Maersk وMSC وHapag-Lloyd عن استئناف كامل لخطوطها عبر البحر الأحمر حتى الآن، واكتفت بتسيير رحلات تجريبية محدودة للتأكد من أمان المسار قبل العودة النهائية. يرى عضو في غرفة الملاحة البحرية المصرية في اتصال مع "العربي الجديد" أن هذه الشركات تعتمد سياسة العودة التدريجية حتى تتأكد من أن التهديد العسكري في مدخل باب المندب والبحر الأحمر، لم يعد قائماً فعلياً، خاصة أن العديد من الهجمات التي وقعت في 2024 جاءت بعد فترات من الهدوء المؤقت، ما جعل شركات التأمين تصنف البحر الأحمر منطقة "خطر متذبذب".

وبحسب بيانات البنك المركزي، تراجعت الإيرادات من القناة من 9.4 مليارات دولار في عام 2023 إلى نحو 4.8 مليارات دولار فقط في 2024، وهو أكبر انخفاض في تاريخ هيئة قناة السويس، منذ عام 2015.
من ناحيتها كثفت هيئة قناة السويس جهودها لاستعادة ثقة الأسواق منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، فإلى جانب خفض رسوم العبور بنسبة تصل إلى 25% لبعض الخطوط، أعلنت تحديث الخرائط الملاحية وإضافة الممر المزدوج الجديد في البحيرات المرّة الصغرى بطول عشرة كيلومترات، الذي تم تشغيله بالكامل خلال الربع الأول من عام 2025، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية وتحسين الأمان الملاحي
ومع وقف الحرب في غزة، تتوقع المؤسسات المالية الدولية أن تتحسن التدفقات عبر القناة تدريجياً، ما قد يضيف بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار جديدة إلى الاحتياطي النقدي خلال النصف الأول من عام 2025، إذا عادت حركة المرور إلى نصف مستواها السابق على الأقل.
ووفقاً لتقديرات "بلومبيرغ إيكونوميكس" (Bloomberg Economics)، فإن هذا التحسن قد يدعم استقرار سعر الصرف حول مستوى 49 إلى 50 جنيهاً للدولار، ويحد من الضغوط التضخمية التي تجاوزت 30% خلال ذروة الأزمة في الربع الأول من العام الجاري. مع ذلك يحذّر الخبراء من أن هذا السيناريو الإيجابي مشروط باستمرار الهدوء الأمني في البحر الأحمر.

المساهمون