قمة السبع: اتفاق على محاصرة "التنين الصيني" وخلافات حول الكيفية

قمة السبع: اتفاق على محاصرة "التنين الصيني" وخلافات حول الكيفية

14 يونيو 2021
بايدن يضع اللبنة الأولى للتحالف ضد الصين في قمة السبع (Getty)
+ الخط -

اختتمت قمة السبع اجتماعاتها في منتجع كورنويل، جنوب غربي إنكلترا مساء الأحد، على اتفاق متواضع لمحاصرة تمدد "التنين الصيني" في أسواق العالم. ووصف نادي الدول الغنية، الصادرات الصينية بأنّها تنفذ ممارسات غير عادلة في السوق العالمي، إذ إنها تباع بأسعار رخيصة مقارنة بنظيراتها الغربية، كما اتفق قادة مجموعة السبع على التنسيق بين الاقتصادات المتقدمة لتقديم حلول سلاسل الإمدادات التي عرقلت خروج بعض الاقتصادات الغربية السريع من جائحة كورونا، خاصة أزمة إمدادات الرقائق الإلكترونية التي عطلت العديد من خطوط إنتاج السيارات والآليات والأدوات المنزلية، وذلك، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي لقناة "سي إن بي سي" الأميركية.

كما وافق أعضاء مجموعة السبع على تقديم دعم مالي للدول النامية لمكافحة مخاطر التلوث البيئي، وكذلك منح تمويلات لمشاريع البنى التحتية في الدول الفقيرة والمتوسطة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية حتى تتمكن من رفض مشروعات "الحزام والطريق" الصينية.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنّ بلاده ترغب في إنشاء بنى تحتية ذات مستوى عال في العالم، مقارنة بما تنفذه بكين من بنى تحتية.

وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" قال البيت الأبيض إنّ خطة دعم البنى التحتية في العالم تستهدف جمع مئات المليارات من دول مجموعة السبع والقطاع الخاص وضخها في البنى التحتية بالدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وكذلك ضخ استثمارات في مجال البيئة وتدريب العمال ومكافحة الفساد وزيادة الشفافية المالية.

وهي خطة صممت لمكافحة مبادرة "الحزام والطريق الصينية" التي باتت مصدر قلق رئيسي لمستقبل النمو الاقتصادي في أوروبا وأميركا وفق مشاركين في القمة.
وتواصل الحكومة الصينية منذ عام 2013 ضخ تمويلات مباشرة تفوق تريليون دولار في مشاريع تعبيد الطرق العابرة للقارات وإنشاء الكباري وخطوط السكك الحديدية والموانئ ضمن خطة توسيع نفوذها التجاري ونقل بضائعها بسهولة لأسواق العالم.

خطة دعم البنى التحتية في العالم تستهدف جمع مئات المليارات من دول مجموعة السبع والقطاع الخاص وضخها في البنى التحتية بالدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط

وترى واشنطن أنّ "مشروع الحزام والطريق" يمثل خطراً على مستقبلها التجاري والاقتصادي ونفوذها السياسي، كما يهدد مستقبل النمو الاقتصادي بالدول الرأسمالية.

وتربط "مبادرة الحزام والطريق" اقتصادات أكثر من 60 دولة في العالم بالصين عبر تكبيلها بالقروض التي تقدمها مؤسسات وبنوك الدولة، كما تحتكر المبادرة أسواق هذه الدول بمنتجات "صنع في الصين".
وسعى بايدن في قمة السبع الصناعية الأخيرة إلى تحطيم التمدد الصيني عبر وضع اللبنة الأولى لإنشاء "تحالف الديمقراطيات الرأسمالية" ضد بكين، وهو تحالف اقتصادي سياسي يعمل على توسيعه في المستقبل عبر ضمّ الهند وأستراليا والنمور الآسيوية ودول استراتيجية في أفريقيا وأميركا الجنوبية.

وتنتقد واشنطن بشدة مبادرة "الحزام والطريق" التي ترى فيها خطراً على العالم، إذ إنّها ترفع من مستويات الدين السيادي فوق طاقة الدول الفقيرة، وبالتالي تهدد مستقبل العالم النامي الاقتصادي، وتدريجياً ترهن موارده للشركات الصينية عبر ضخّ القروض ذات الفوائد المتنامية.
لكن في المقابل، لا يستبعد محللون أن تتمكن بكين من شراء المشاريع الحيوية والثروات المعدنية في البلدان الغربية بما فيها أعضاء مجموعة السبع حينما تعجز عن التسديد. ويلاحظ محللون، أنّ بكين لا تستهدف فقط المصالح التجارية بهذه الدول، ولكن تعمل كذلك عبر عمليات الإقراض السهلة، على ضرب النفوذ الأميركي في العالم، وتدريجياً خلخلة الربط المالي للعديد من الدول الفقيرة بمؤسسات البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذين تستخدمهما واشنطن بكثافة كأدوات في بسط نفوذها في أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا.
وعلى الرغم من اتفاق رؤساء مجموعة السبع على الخطر الكبير الذي تمثله الصين على اقتصاداتهم ومستقبل النفوذ الجيوسياسي لدولهم، فإنّ مسؤولين أميركيين قالوا لـ"وول ستريت جورنال" إنّ جلسة القمة المغلقة التي عقدت مساء يوم السبت شهدت تبايناً في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع الخطر الصيني.
وبينما ترى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وبعض أعضاء المجموعة الأوروبية ضرورة تبني منظور إيجابي تجاه بكين، يرى كلّ من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ضرورة تبني قمة السبع لاستراتيجية "المواجهة الخشنة" ضد "التنين الصيني".

ووفق خبراء ومراقبين فإنّ المصالح الاقتصادية المتنامية للكتلة الأوروبية مع الصين ومنافع شركاتها في التجارة والاستثمار التي باتت تقارب المصالح الأميركية تقف وراء الموقف الأوروبي المتصالح تجاه الصين.
من جانبها تنتقد بكين قمة الدول الغنية، وتقول إنها مجموعة صغيرة ولا يمكنها مواصلة حكم العالم.

في هذا الشأن، قال السفير الصيني في لندن، تشنغ تسه قوانغ: "مضت الأيام التي كان القرار العالمي تتحكم فيه مجموعة صغيرة" وذلك بحسب ما ذكرت قناة "بي بي سي" البريطانية.

وفي مقابل خطة التحالف الرأسمالي ضد الصين، استبقت بكين الخطة وقلبت الطاولة على بايدن عبر إجازة تشريعات مضادة لأيّ قوانين حظر منسق بين أميركا وأوروبا ضد شركاتها في المستقبل. وتستهدف التشريعات الصينية الجديدة حماية المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في البلاد من قوانين الحظر الأميركي.

وينص القانون الصيني الجديد على حظر الشركات الأميركية والأوروبية التي تلتزم بقوانين الحظر الأميركي، من دخول السوق الصيني.
وتشتمل تشريعات بكين الجديدة على رفض إصدار تأشيرات لمسؤولي الشركات الغربية ومنعهم من الدخول والطرد من البلاد وتجميد ومصادرة ممتلكات الأفراد والشركات التي تنفذ أيّ حظر أميركي ضد الأعمال التجارية الصينية أو مسؤولين صينيين.
وهذه الإجراءات في حال تنفيذها ستكون مؤلمة تجارياً للمصارف والشركات الغربية التي لديها مصالح ضخمة في الصين متمثلة في الإنتاج بالكلفة الرخيصة في الصين، والتجارة في أدوات المال والأسهم الصينية التي تكسبها مئات المليارات.

سعى بايدن في قمة السبع الصناعية الأخيرة إلى تحطيم التمدد الصيني عبر وضع اللبنة الأولى لإنشاء "تحالف الديمقراطيات الرأسمالية" ضد بكين

 

ومعروف أنّ المصارف الأميركية تجني أرباحاً هائلة من السندات السيادية الصينية التي يرتفع العائد عليها مقارنة بالسندات الأميركية والأوروبية.

وربما يشكل هذا الحظر في حال تنفيذه عقبة أمام إدارة بايدن في محاصرة تجارة "التنين الصيني" أو ربما سيجد معارضة من مجموعات مصرفية كبرى مثل "جي بي مورغان" و"سيتي بانك" و"غولدمان ساكس" وشركات التقنية الكبرى والهواتف النقالة التي تصنع في الصين.
ويرى محللون في موقع "زيرو هيدج" الأميركي، أنّه على الرغم مما يقال عن أجندة مناخية ومساعدات لتحديث البنى التحتية وحقوق الإنسان، فإنّ الواقع الفعلي هو أنّ قمة مجموعة السبع التي أنهت أعمالها أمس الأحد، تمحورت حول البحث عن أدوات الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على "النظام العالمي" وسط محيط اقتصادي وتجاري متغير تواصل الصين فيه الصعود نحو القمة عبر النمو الاقتصادي السريع وزيادة الطبقة الوسطى وارتفاع عدد الأثرياء. وباتت الشركات الصينية تؤدي إلى الرعب إذ تملك التقنيات الغربية وتنتج بأسعار رخيصة تفرض واقعاً جديداً في السوق العالمي.

وبينما ترتفع الأصوات المحذرة في الغرب الرأسمالي من صعود الصين التي يحكمها الحزب الشيوعي اسماً ومجموعة من الأثرياء حقيقة ويصعب توصيف النظام الاستبدادي الرأسمالي الذي يحكمها، يرى منتقدون أنّ قمة السبع، أو نادي الدول الغربية الذي يتألف من أميركا والدول الأوروبية إلى جانب اليابان مسؤول بشكل مباشر عن الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية العميقة التي يعيشها العالم حالياً.
ومنذ إنشاء مجموعة الدول الغنية في عام 1976، لم يتمكن أعضاؤها من بناء تعاون حقيقي لنشر مبادئ السلام والعدل الاقتصادي والاجتماعي في توزيع الثروة والدخول وإنهاء النزاعات الدولية وأنّ الرأسمالية خلقت مشاكل عرقية وطبقية معقدة أكثر مما تساهم في حلّ مشكلات العالم.

وبالتالي، بدلاً من المساهمة في حلّ قضايا السلم الاجتماعي والطبقي في بلدانها والعالم فإنّها ساهمت بشكل مباشر في خلق النزاعات والحروب وفق محللين. وذلك ببساطة لأنّ أعضاء مجموعة السبع، هم الدول الاستعمارية التي ما زالت تواصل الثراء على حساب استغلال ثروات العالم الفقير والتجارة فيها عبر تحديد أسعارها في الأسواق العالمية وفقاً لما يتناسب مع اقتصاداتها.