قطاع الطاقة في إيران.. لهذه الأسباب يؤثر على الإمدادات العالمية

13 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 20:54 (توقيت القدس)
النفط الإيراني منخفض التكلفة - الخليج العربي 29 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شنت إسرائيل غارات جوية على إيران استهدفت منشآت نووية ومصانع للصواريخ الباليستية، مع التركيز على منع طهران من امتلاك سلاح نووي، بينما لم تتأثر منشآت النفط الإيرانية بشكل مباشر.
- تعود العقوبات على إيران إلى عام 1979، حيث فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية شاملة، خاصة على صادرات النفط، مما حد من قدرتها على التصدير رغم مرونتها الإنتاجية.
- شهدت صادرات النفط الإيراني انتعاشاً بفضل الطلب القوي من الصين، مما جعل إيران لاعباً مهماً في سوق الطاقة العالمية رغم العقوبات والتحديات الجيوسياسية.

شنّت إسرائيل، فجر اليوم الجمعة، سلسلة غارات جوية على إيران استهدفت منشآت نووية ومصانع للصواريخ الباليستية وعدداً من القادة العسكريين الإيرانيين، في ما وصفته بأنه بداية "عملية مطوّلة" تهدف إلى منع طهران من امتلاك سلاح نووي. ورغم المخاوف من استهداف البنى التحتية الحيوية، أعلنت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط أنّ منشآت تكرير النفط وتخزينه لم تتعرض لأي أضرار مباشرة خلال الهجمات، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.

وفي ظل هذه التطورات، تعود الأنظار مجدداً إلى قطاع الطاقة الإيراني، أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الإيراني، والمحرّك الرئيسي لعلاقاته الدولية. كما يثير هذا التصعيد تساؤلات حول تأثيره المحتمل على إمدادات الطاقة العالمية، خصوصاً في ظل استمرار العقوبات الغربية وتنامي الطلب في الأسواق الآسيوية.

العقوبات على إيران.. تاريخ من التقييد والتحايل

وفقاً لبيانات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، بلغ إنتاج النفط الإيراني ذروته في سبعينيات القرن الماضي، حيث سجّل في عام 1974 مستوى قياسياً بلغ 6 ملايين برميل يومياً، ما كان يعادل حينها أكثر من 10% من الإنتاج العالمي. لكن هذا الأداء لم يدم طويلاً، إذ فرضت الولايات المتحدة أولى حزم العقوبات على طهران عام 1979 عقب الثورة الإسلامية واحتجاز الرهائن في السفارة الأميركية وأصبحت إيران منذ ذلك الحين هدفاً للعقوبات الأميركية والأوروبية.

وتوالت العقوبات على مدى العقود، وبلغت ذروتها في عام 2018، عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب (خلال ولايته الأولى) من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات اقتصادية شاملة، بما في ذلك قيود صارمة على صادرات النفط الإيراني. ونتيجة لذلك، تراجعت الصادرات إلى ما يقرب من الصفر في بعض الأشهر، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. ورغم العقوبات، لم تُخضع إيران لقيود أوبك المفروضة على الإنتاج نظراً إلى ظروفها الاستثنائية، ما منحها مرونة نسبية في مستويات الضخ، وإن كانت محدودة بسبب العقوبات اللوجستية والمالية.

  • الطلب الصيني واستمرار تدفق النفط رغم الحصار

شهدت صادرات إيران من النفط الخام انتعاشاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، حيث وصلت إلى 1.8مليون برميل يومياً – وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2018. يعود ذلك إلى الطلب القوي من الصين، التي تُعد اليوم الزبون الرئيسي للنفط الإيراني، وبشكل خاص من قبل مصافي التكرير الخاصة غير المملوكة للدولة.

ورغم أن وزارة الخزانة الأميركية في الآونة الأخيرة، أدرجت عدداً من تلك المصافي على قوائم العقوبات، فإن تأثير ذلك ظل محدودًا. وبحسب بيانات من "كبلر"، تمكنت إيران من مواصلة التصدير عبر أساليب التفاف متطورة، من بينها نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر، وتعطيل أجهزة التتبع، ما يصعّب تتبع حركة ناقلاتها. وتؤكد الصين، على لسان مسؤوليها، أنها لا تعترف بشرعية العقوبات الأميركية أحادية الجانب على شركائها التجاريين، وهو ما يعكس البعد الجيوسياسي للعلاقات الصينية الإيرانية، بحسب "رويترز".

البنية التحتية والإنتاج المحلي

تُعد إيران اليوم ثالث أكبر منتج للنفط ضمن أوبك، بإنتاج يبلغ حوالي 3.3 ملايين برميل يومياً، أي نحو 3% من الإمدادات العالمية. كما تنتج ما يقرب من 1.3 مليون برميل يومياً من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، والتي تمثل نحو 4.5% من الإمدادات العالمية. وفي مايو/ أيار الماضي، صدّرت إيران قرابة 1.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات، وهي أرقام تقترب من مستويات ما قبل تشديد العقوبات في 2018، بحسب بيانات "كبلر".

ويُعزى هذا النمو إلى تحسّن قدرات التكرير المحلية أيضاً، إذ تشير تقديرات "إف جي إي" للاستشارات إلى أن طهران تكرر محلياً نحو 2.6  مليون برميل يومياً، مع تصدير كميات مماثلة من النفط الخام والمكثفات ومنتجات التكرير. أما على صعيد الغاز الطبيعي، فتنتج إيران 34 مليار قدم مكعب يومياً – ما يعادل 7%من الإنتاج العالمي. إلا أن استهلاك الغاز يتم محلياً بالكامل، من دون تصدير يُذكر، بسبب الطلب الداخلي المرتفع وبطء تطور البنية التحتية الخاصة بالتسييل والتصدير. وتتمركز البنى التحتية الحيوية للطاقة بشكل رئيسي في الجنوب الغربي من البلاد.

وتقع المنشآت النفطية في إقليم خوزستان، في حين تتركز منشآت الغاز في إقليم بوشهر، ومكثفات الغاز تُستخرج من حقل بارس الجنوبي العملاق، وهو أحد أكبر الحقول المشتركة في العالم، وتتقاسمه إيران وقطر. وتُصدَّر الغالبية العظمى من النفط الخام نحو 90% جزيرة خرج الواقعة على الخليج العربي، ما يجعل هذه المنشآت ذات حساسية استراتيجية عالية.

السوق العالمية وقدرات التعويض

يرى محللون في قطاع الطاقة أن أي اضطراب في صادرات النفط الإيرانية، في حال تصاعد التوترات أو وقوع أضرار في البنى التحتية، قد يُحدث تقلباً في الأسواق العالمية، ولا سيما في حال اتساع رقعة النزاع. ورغم امتلاك السعودية وبعض دول أوبك الأخرى لقدرات إنتاجية فائضة، تواجه هذه الدول تحديات في رفع الإنتاج بسرعة، خصوصاً في ظل مشاريع تطوير معقدة وبنية تحتية مشغولة بالفعل. وتُقدّر الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى دول أوبك مجتمعة بحوالي 3 ملايين برميل يومياً، ولكن استخدامها بشكل دائم قد يُضعف استقرار السوق في المدى الطويل.

ورغم التصعيد العسكري الأخير، لا تزال البنية التحتية الإيرانية للطاقة، حتى اللحظة، في منأى عن الضرر المباشر، لكن أي تصعيد إضافي قد يُغيّر المعادلة. قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات، وطلب الصين المستمر على نفطها، يجعلان منها لاعبًا يصعب عزله تمامًا عن سوق الطاقة العالمية. إلا أن هامش المناورة الإيراني يبقى هشاً، ويعتمد بدرجة كبيرة على التطورات الجيوسياسية وعلى مرونة خصومها في تنفيذ العقوبات. وفي هذا السياق، ستبقى الأسواق تراقب بحذر تداعيات الضربات الإسرائيلية، ليس فقط على الملف النووي، بل على الأمن الطاقي العالمي أيضاً.

المساهمون