قصة صمود الروبل: 30% زيادة منذ بداية الحرب... ومخاوف على الصادرات

قصة صمود الروبل: 30% زيادة منذ بداية الحرب... ومخاوف على الصادرات والإيرادات

25 مايو 2022
مواطنون في موسكو أمام الصراف الآلي (فلاد كاركوف/ Getty)
+ الخط -

يتواصل ارتفاع قيمة الروبل الروسي أمام العملات الأجنبية، وتحديداً الدولار واليورو، ليسجل مستويات قياسية لم تعرفها عملة الدولة التي غزت أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي، منذ سنوات.

وفيما كانت التوقعات تشير إلى انهيار العملة الروسية تحت ضربات العقوبات الغربية الشديدة والمكثفة التي طاولت الاقتصاد وأثرياء موسكو ومن ضمنهم الرئيس فلاديمير بوتين والمحسوبون عليه، إلا أن تدخلات البنك المركزي إضافة إلى دفع الروبل مقابل الحصول على الغاز والنفط الروسيين، غيّرت في المعادلات.

وبحسب البيانات فقد ارتفعت قيمة الروبل بنسبة تقارب 30% منذ بداية حرب أوكرانيا، ومع تلك القفزة تحولت إلى رمز لصمود الروس الاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية.

لكن في المقابل تتخوف مصادر روسية من قوة الروبل خاصة من ناحية تأثيره السلبي على الصادرات الخارجية وتدفق الاستثمارات الأجنبية. وكان الروبل عرف انهياراً بعد غزو أوكرانيا إلى 120 روبل للدولار في مارس/آذار الماضي، وبعد سلسلة من القرارات أبرزها تثبيت المصرف المركزي الروسي سعر صرف الروبل بأقل من 64 للدولار، بدأت سلسلة الصعود، ليسجل الروبل الثلاثاء ارتفاعاً بنسبة 2.5 في المائة مقابل الدولار عند 56.36 لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات.

قفزة الروبل تحوله إلى رمز لصمود الروس الاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية

ومقابل اليورو، ارتفع الروبل بنسبة 3 في المائة إلى 58.24، وهو أقوى سعر له في سبع سنوات. وقال "سبير بنك" الروسي في مذكرة نقلتها وكالة "رويترز" أمس الثلاثاء إن "العملة المحلية قد تواجه مشكلة في إطالة أمد ارتفاعها الأخير، حيث قد يبدأ نشاط البيع بين المصدرين في الانخفاض".

ولفت إلى اقتراب الموعد النهائي الأربعاء لدفع 600 مليار روبل (10.43 مليارات دولار) مدفوعات ضريبة استخراج المعادن وتحويل مدفوعات صادرات الغاز إلى الروبل.

وكان فلاديمير بوتين أعلن في مارس/ آذار الماضي أنه سيتعيّن على المشترين الأجانب شراء الغاز بالروبل الروسي، بدءاً من الأول من أبريل/نيسان، وقام بقطع الإمدادات عن دول أوروبية لم تلتزم بهذا القرار.

وجاء ارتفاع الروبل حتى بعدما خففت روسيا يوم الإثنين ضوابط رأس المال عن طريق تقليص كمية العملات الأجنبية المطلوب تحويلها من قبل المصدرين. و

أكدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن العملة الروسية تعتبر إلى حد بعيد الأفضل أداءً على مستوى العالم هذا العام، حيث حققت مكاسب بنحو 30 في المائة مقابل الدولار. "لكن تعافي العملة منذ غزو أوكرانيا كان سريعاً للغاية لدرجة أن الاقتصاديين يحذرون من أن الارتفاع سيضر بالميزانية ويعيق القدرة التنافسية للمصدرين".

ارتفاع الروبل المفاجئ والكبير أثار مخاوف واسعة طاولت حتى حلفاء بوتين، حيث قال رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو ساخراً في اجتماع مع الرئيس الروسي يوم الإثنين: "الروبل يتعزز بوتيرة مجنونة، نحن بحاجة إلى أن نكون حريصين على عدم المبالغة في ذلك". وأضاف أنه في حين أن المكاسب حيرت الدول الغربية، إلا أنها كانت متوقعة من قبل روسيا البيضاء وروسيا وأن "هذا سيكون فرصة لاقتصاداتها".

"بلومبيرغ": العملة الروسية تعتبر إلى حد بعيد الأفضل أداءً على مستوى العالم هذا العام، حيث حققت مكاسب بنحو 30 في المائة مقابل الدولار

وبحسب محللين، فإن ارتفاع سعر الروبل إلى هذه المستويات يخفض من تداعيات التضخم وارتفاعات الأسعار على المواطنين، إلا أنه يثير المزيد من المخاوف من تعميق الإضرابات في الاقتصاد الروسي، فإلى جانب انهيار الواردات وسط العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على روسيا، تواجه موسكو تراجعاً شديداً في الطلب على العملات الأجنبية، فيما يتدفق الدولار واليورو بسبب ارتفاع أسعار صادرات الطاقة غير الخاضعة للعقوبات إلى حد كبير.

ودفع ارتفاع قيمة الروبل يوم الاثنين إلى صدور قرار من البنك المركزي بالسماح للمصدرين بتحويل 50 في المائة من الإيرادات بدلاً من 80 في المائة إلى الروبل، وهو إجراء طارئ تم تقديمه كجزء من ضوابط رأس المال بعد الغزو لحماية العملة المحلية. وسبق ذلك فرض المصرف المركزي، في مارس/آذار الماضي، قيودا شديدة على تداول العملات الأجنبية في روسيا.

إلا أن تحركات البنك المركزي من غير المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على سعر الروبل. إذ شرح محلل شركة "آي تي آي كابيتال" الاستشارية إسكندر لوتسكو، أنه "نظراً لانخفاض السيولة في سوق العملات، فإن المصدرين يبيعون بالفعل ما لا يزيد عن 50 في المائة من العملة من عمليات التصدير. في البيئة الحالية، من الصعب للغاية على البنك المركزي وضع تدابير لتحفيز الطلب على العملة بسبب القيود المفروضة على مشتريات العملات من قبل الأفراد وتراجع الواردات".

وتوقع أن يتم تداول الروبل في نطاق 60 إلى 65 للدولار على المدى القريب، قبل أن يتراجع إلى ما بين 65 إلى 75 مقابل الدولار بحلول بداية الربع الثالث مع تراجع الطلب الموسمي على صادرات الطاقة الروسية.

البنك المركزي الروسي سمح للروس وغير المقيمين بإرسال ما يصل إلى 50 ألف دولار إلى الخارج، ارتفاعاً من 10 آلاف دولار

وسبق أن شرح كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول، مارك غويخمان لـ "العربي الجديد" أن سعر الصرف الحالي للروبل مصطنع وناجم عن الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها السلطات المالية الروسية لخفض الطلب على العملات الأجنبية وزيادة معروضها في بورصة موسكو.

وحذّر غويخمان من التداعيات السلبية لدعم الروبل بصورة اصطناعية، قائلا إن "الروبل القوي يقلل من قيمة عوائد ميزانية الدولة والشركات عن الصادرات بما يعادلها بالعملة الوطنية، ويعرقل استبدال المنتجات المستوردة بأخرى وطنية.

وقالت وزارة الاقتصاد الروسي في وقت متأخر من يوم الاثنين إن ارتفاع قيمة الروبل وصل إلى ذروته، وإن تدفقات رأس المال والواردات سوف تتكيف. وشرحت الوزارة في بيان أن التخفيضات المستقبلية لأسعار الفائدة ستخفف الضغط على العملة لتعزيز قوتها.

وكان البنك المركزي الروسي سمح أخيراً للروس وغير المقيمين بإرسال ما يصل إلى 50 ألف دولار من العملات الأجنبية إلى الخارج، ارتفاعاً من 10 آلاف دولار.

كذلك، استأنف المصرف الإثنين عمليات شراء العملة الأجنبية لمنع العملة الروسية (الروبل) من التعافي الخارج عن السيطرة، بعد انخفاض سعر صرف الدولار إلى ما دون 60 روبل لأول مرة منذ ربيع عام 2018.

ونقلت صحيفة "فيدوموستي" الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، عن مصدرين مقربين من الحكومة الروسية وآخر مقرب من المصرف المركزي قولهم، إن المصرف لا يشتري سوى عوائد بالعملة الصعبة من المصدرين.

استأنف المصرف المركزي عمليات شراء العملة الأجنبية لمنع الروبل من التعافي الخارج عن السيطرة، بعد انخفاض الدولار إلى ما دون 60 روبل لأول مرة منذ 2018

ومع ذلك، لا يجري المصرف المركزي عملية الشراء بشكل مباشر، وإنما بواسطة لاعبين آخرين بالسوق المالية، من دون أن تكشف مصادر "فيدوموستي" عن آلية محددة للاعبين.

وتشير توقعات المحللين الدوليين إلى أن تجار العملات قد يتوقفون عن استخدام سعر الصرف الداخلي لبعض المعاملات، لأن ضوابط رأس المال قد خلقت فرقاً أكبر في الأسعار مقارنة بالمعدلات الخارجية.

ودق لوبي الشركات الكبيرة في روسيا ناقوس الخطر بشأن ارتفاع سعر صرف الروبل، وقال الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال في بيان على موقعه على الإنترنت: "يجب تجنب الأعباء التنظيمية المفرطة على الشركات في مجال تنظيم ومراقبة العملة".

تعتبر قوة الروبل أيضاً أخباراً سيئة بالنسبة للميزانية، التي تحصل على جزء كبير من الإيرادات من ضرائب الطاقة المقومة بالعملة الأجنبية، ولكنها تُنفق بالعملة المحلية.

وتأتي هذه المؤشرات في ظل كشف ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي منذ أيام، أن حوالي نصف الشركات الأجنبية التي أبرمت عقود تزود بالغاز مع شركة "غازبروم" الروسية العملاقة فتحت حسابات بالروبل لتسديد مدفوعاتها، مشيرا إلى أن هناك 54 شركة مرتبطة بعقود مع "غازبروم إكسبورت".

كما أفاد نوفاك بأن الأرقام تشير إلى أن حوالي نصف تلك الشركات الأجنبية فتحت حسابات خاصة بالعملات الصعبة والروبل في المصارف الروسية لإفساح المجال أمام التحويلات بالعملات الصعبة وتحويلها إلى العملة المحلية.

وردا على تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية التي تملكها روسيا في الخارج، صادق الكرملين الشهر الماضي على مرسوم يدخل إجراء جديدا للدفع لقاء الغاز على مرحلتين، مع دفعة في حساب غازبروم بنك أولا باليورو أو الدولار، ثم التحويل إلى الروبل في حساب ثان يفتح في نفس البنك.

المساهمون