قصة انهيار الليرة السورية على مدار عقد ونصف

10 ديسمبر 2024
تراجع الليرة دمّر حياة السوريين (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت سوريا تحولات جذرية بعد تخلي الجيش السوري وحلفائه عن الرئيس بشار الأسد، مما أدى إلى فراره وزيادة الغموض حول مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، وتدهور قيمة الليرة السورية بشكل كبير منذ عام 2010.
- بين 2011 و2019، تدهورت الليرة السورية تدريجيًا بسبب العقوبات الدولية وتراجع الصادرات، حيث تجاوز سعر الصرف 600 ليرة مقابل الدولار في 2019، مع زيادة الضغوط الاقتصادية بسبب "قانون قيصر".
- منذ 2020، انهارت الليرة بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر الصرف إلى أكثر من 15 ألف ليرة مقابل الدولار بحلول 2024، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم ودخول أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.

مزق السوريون صور بشار الأسد، وتمكنوا من قواعد جيشه، واقتحموا السجون وأفرجوا عن السجناء السياسيين، في صورة مشابهة لما حدث قبل ما يقارب عقد ونصف من الزمن، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، حيث تخلى الجيش السوري وحلفاؤه الأجانب عن الرئيس بشار الأسد، ليفر من البلاد، ويزداد الغموض حول مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، وفي القلب منهما قيمة الليرة السورية التي يحتاج إليها المواطنون للحصول على لقمة العيش.

وشهدت العملة السورية تقلبات حادة منذ عام 2010 نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية وأمنية مرتبطة بالحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011، وتسببت في تدهور غير مسبوق في قيمتها أمام العملات الأجنبية. ويتتبع هذا التقرير انخفاض سعر الليرة السورية خلال 15 سنة كانت عصيبة على السوريين، مع تسليط الضوء على المراحل الرئيسية لهذا الانخفاض.

في عام 2010، كان سعر صرف الليرة السورية ثابتًا نسبيًّا عند مستوى 47 ليرة مقابل الدولار، حيث تمتعت سورية حينها بنوع من الاستقرار الاقتصادي، وكانت صادراتها النفطية والزراعية تساهم في دعم العملة المحلية، إلا أن الاقتصاد، كشأن أغلب الاقتصادات العربية وقتها، كان يعاني من تحديات ممثلة في ارتفاع معدلات البطالة والفساد، مما جعل الاقتصاد هشًّا أمام الصدمات.

ومع اندلاع الاحتجاجات في 2011 وتطورها إلى صراع مسلح، بدأت الليرة السورية تفقد قيمتها تدريجيًّا. وبحلول عام 2014، وصل سعر الصرف إلى حوالي 150 ليرة مقابل الدولار، حيث تأثرت العملة بالعقوبات الدولية على الحكومة السورية التي أجهضت الاحتجاجات الشعبية بعنف غير مسبوق، وكذلك بانخفاض الصادرات. وساهم النزاع في تدمير البنية التحتية وانخفاض الإيرادات الحكومية بشكل حاد.

وخلال الفترة من 2015-2019، شهدت الليرة السورية انخفاضًا أسرع بسبب اشتداد الصراع العسكري وانهيار الثقة في الاقتصاد. وفي عام 2019، تجاوز سعر الصرف 600 ليرة مقابل الدولار لأول مرة، متأثرًا بتراجع النشاط الاقتصادي وفقدان الحكومة السيطرة على معظم المناطق الغنية بالنفط والزراعة، خاصة في شمال شرق البلاد. وساهمت أيضًا العقوبات الدولية الإضافية، مثل "قانون قيصر" الذي فرضته الولايات المتحدة في 2019، في زيادة الضغوط على الاقتصاد السوري.

ومنذ عام 2020، شهدت الليرة انهيارًا غير مسبوق، حيث وصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى حوالي 3 آلاف ليرة مقابل الدولار بحلول نهاية العام. وواصل الوضع التدهور ليصل في الربع الأخير من 2024 إلى أكثر من 15 ألف ليرة مقابل الدولار، وأكثر من ذلك خارج دمشق، وفقًا لتقارير نشرتها بعض المواقع السورية عن السوق السوداء. وأرجعت التقارير ذلك إلى استمرار فرض العقوبات، وتراجع الاحتياطات الأجنبية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الصراع المستمر وانعدام الإصلاحات الاقتصادية.

وبعد تذبذبات كبيرة طاولت سوق صرف الليرة السورية غير الرسمية، بالتزامن مع الإعلان عن انهيار نظام بشار وفراره إلى موسكو، ووصلت بسعر العملة إلى أكثر من 20 ألف مقابل كل دولار، وانعكست التطورات على الليرة السورية التي سجلت أمس الاثنين، بحسب موقع "الليرة السورية"، من دمشق 17 ألف ليرة. 

واليوم الثلاثاء، عاودت بعض المصارف السورية والمؤسسات الحكومية العمل والتواصل مع الكوادر لتعود إلى مواقع عملها لتسيير أعمال المواطنين، من سحب وإيداع وحوالات، بعد أن دعت إدارة العمليات التي تقود البلاد خلال الفترة الانتقالية، ورئيس حكومة الأسد المخلوع، محمد غازي الجلالي، القطاعات الإنتاجية والخدمية إلى العودة إلى العمل.

 وبحسب مصادر من داخل دمشق فقد فتحت البنوك السورية أبوابها اليوم، ودعت وزارة النفط جميع العاملين في القطاع إلى التوجه إلى العمل الثلاثاء، مضيفة أنه سيجري توفير الحماية لهم لضمان سلامتهم. وأشار موقع الليرة السورية إلى أن سعر العملة ارتفع ليكون في حدود 14,500 ليرة لبيع الدولار، و15,500 لشرائه.

ورغم الانتعاش الأخير، فقد أدى تدهور سعر الليرة السورية إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم، مما جعل القدرة الشرائية للمواطنين السوريين شبه معدومة. ووفقًا لتقرير صادر عن المركز السوري لأبحاث السياسات، فإن أكثر من 90% من السكان دخلوا تحت خط الفقر بحلول 2024، كما تسبب ضعف العملة في ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأساسية، مما زاد من معاناة السوريين في الحصول على الغذاء والدواء، وتتعلق الأنظار حالياً بالتطورات السياسية، داخل وخارج البلاد، على أمل أن يستعيد السوريون بعضًا مما فقدوه من طيب العيش، بعد انهيار عملتهم وفشل اقتصادهم، على يد الرئيس الهارب.

المساهمون