استمع إلى الملخص
- فقدت تونس 288 ألف رأس من الأبقار بين 2015 و2022، مما أدى إلى تراجع العرض وارتفاع الأسعار، وانخفاض استهلاك الفرد السنوي من اللحوم الحمراء من 11 كيلوغرامًا في 2015 إلى 8.6 كيلوغرامات في 2021.
- الحلول المقترحة تشمل تبني استراتيجية وطنية لدعم صغار مربي الماشية وتسهيل التمويل، لزيادة العرض وخفض الأسعار، مما يسهم في استقرار القطاع الزراعي.
يفقد قصابو تونس القدرة على الصمود والاستمرار في ممارسة النشاط، بعد أن تسببت الأزمات الاقتصادية والمناخية في ضرب واحد من أهم المنظومات الغذائية في البلاد. وتسجل الغرفة الوطنية للقصابين في تونس انسحاباً مكثفا للمهنيين الذين أجبروا على إغلاق محالهم وتغيير أنشطتهم إلى قطاعات أكثر استقراراً تحت تأثير نقص السلع وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
وكان قطاع إنتاج وبيع اللحوم الحمراء من أبرز ضحايا أزمات الجفاف التي تسببت في هبوط قياسي في أعداد المواشي وتراجع قطيع الأبقار والخرفان إلى مستوى غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في زيادة في أسعار اللحوم قابلها انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. ووفق بيانات رسمية للغرفة الوطنية للقصابين، خسرت السوق خلال خمس سنوات ما يزيد عن ألفي محل جزارة أغلقت أبوابها أو انتقلت إلى تجارة لحوم الدواجن الأقل كلفة.
ويقول نائب رئيس الغرفة يحيى نصر إن الهياكل المهنية في تونس سجلت بوادر انسحاب مكثف للقصابين من نشاط إنتاج وبيع اللحوم الحمراء منذ عام 2018، وأطلقت حينها استراتيجية وطنية لإنقاذ القطاع وحماية منظومة غذائية مهمة في حياة التونسيين.
وأكد نصر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الغرفة أحصت خلال الفترة الممتدة ما بين 2019 و2024 إغلاق أكثر من 2000 محل لبيع اللحوم الحمراء، ما أدى إلى تراجع عدد القصابين من 8 آلاف و500 قصاب إلى أقل من ستة آلاف حالياً مع توقعات باستمرار نزيف الإغلاق مستقبلاً.
ويعتبر المتحدث أن أزمة الجفاف التي تسببت في انهيار قطاع تربية المواشي انعكست بشكل مباشر على قطاع إنتاج وبيع اللحوم الحمراء، بسبب نقص حاد في السلع وارتفاع أثمانها التي لم تعد تتلائم مع القدرة الشرائية للتونسيين المنهكين بآثار الغلاء والتضخم.
وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء خسارة تونس 288 ألف رأس من الأبقار خلال الفترة بين 2015 و2022 مع نزول العدد الإجمالي للقطيع من 671.2 ألف رأس إلى 388 ألف رأس. ويؤكد نائب رئيس غرفة القصابين أن صغار مربي الماشية كانوا يشكلون العمود الفقري لمنظومة اللحوم الحمراء، لكن أغلبهم أفلس وجرى التفريط في القطعان، ما أدى لاحقاً إلى تراجع العرض في أسواق الدواب وارتفاع أسعار اللحوم.
وزاد سعر لحم البقر بنسبة 9.2% بحسب بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي. لكن يحيى نصر يقول إنّ أسعار اللحوم سجلت زيادات تراكمية أعلى من النسب المعلنة خلال السنوات الماضية، ما تسبب في تراجع كبير للاستهلاك، حيث لم تعد اللحوم الحمراء من المكونات الغذائية الأساسية في موائد التونسيين وفق تقديره.
ووفق المدير العام لشركة اللحوم الحكومية طارق بن جازية، تراجع استهلاك التونسيين اللحومَ خلال السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار، حيث هبط معدل استهلاك الفردي السنوي من 11 كيلوغراماً في 2015 إلى 8.6 كيلوغرامات للفرد في 2021.
وتعد تجارة اللحوم الحمراء قطاعا تجارياً مهماً في أسواق تونس، لكن الصمود فيه أصبح يحتاج إلى إمكانيات كبيرة بحسب نصر، مشيرا إلى أن القصابين الذين انسحبوا من النشاط تفادوا الإفلاس وغيروا أنشطتهم نحو قطاعات ذات مردودية مالية أفضل.
ولا يرى نائب رئيس غرفة القصابين حلولاً لمنظومة إنتاج وبيع اللحوم الحمراء المأزومة خارج استراتيجية وطنية شاملة لإعادة بناء القطيع واستعادة الدور الرئيسي لصغار مربي الماشية في توفير الاحتياجات الوطنية من اللحوم والحليب بأسعار مقبولة.
وقال: "يجب أن تعمل السلطات على دعم صغار مربي الماشية وتسهيل نفاذهم إلى التمويلات ومواصلة دعم الأعلاف حتى يتمكنوا من استعادة قدراتهم على الإنتاج وتستفيد السوق من الوفرة". وأشار إلى أن وفرة عرض المواشي هي الحل الأمثل لخفض أسعار اللحوم والحد نزيف إغلاق محال الجزارة التي تشكل نسيجاً تجارياً مهماً وقطاعاً تتوارثه الأجيال في العديد من محافظات البلاد.
يلعب قطاع اللحوم الحمراء في تونس، الذي يشمل لحوم البقر والضأن والماعز، دوراً مهماً في الاقتصاد الزراعي في البلاد مع أكثر من 300 ألف شخص يشاركون في مختلف مستويات الإنتاج والتسويق، كما يمثل هذا القطاع حوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني. كذلك، تمثل تربية المواشي والأبقار المنتجة للحوم والحليب عاملاً من عوامل تثبيت السكان وتنمية الأرياف التونسية التي راهنت عليها السلطات منذ بداية الثمانينيات، وأظهرت تلك الاستراتيجية جدوى كبيرة لمدة عقدين من الزمن على الأقل.