Skip to main content
قرض صندوق النقد طوق نجاة للسندات التونسية
إيمان الحامدي ــ تونس
أزمات عدة تحاصر الاقتصاد التونسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)

تتجه تونس إلى استغلال موافقة صندوق النقد الدولي على منحها قرضاً جديداً، من أجل الحصول على تمويلات أخرى للخروج من عنق الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعاني منها البلاد. ويأتي قرض الصندوق لينقذ السندات التونسية (أدوات دين) من تهاوٍ قياسي تعرضت له خلال الفترات السابقة.

وأوصى تقرير لبنك جي بي مورغان للخدمات المالية، بالاستثمار في السندات التونسية قصيرة المدى، مرجحاً تحسن العائد على هذه السندات مع توصل البلاد إلى اتفاق مالي بقيمة 1.9 مليار دولار. وقال البنك في تقرير له إنّ الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، مع إجراءات الإصلاح التي تعتزم السلطات تنفيذها، يفتح مصادر تمويل أخرى بما يجعل الاستثمار في السندات قصيرة المدى لعامي 2023 و2024 مهماً.

في المقابل، اعتبر تقرير "جي بي مورغان" أنّ الرؤية لا تزال غير واضحة بالنسبة لسندات الدين طويلة المدى، مشيراً إلى أنّ العائد على هذا الصنف من الديون مرتبط بالتزام سلطات تونس بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في شكل تسهيل التمويل الممدد بقيمة قدرت بـ1.9 مليار دولار على أربع سنوات.

انتشال السندات من تهاوٍ قياسي
يقول الخبير المالي معز حديدان لـ"العربي الجديد" إنّ تقرير "جي بي مورغان" يبعث برسائل إيجابية للمستثمرين في السندات قصيرة المدى التي تراجع عائدها إلى مستويات قياسية. وأكد حديدان أنّ المخاطر التي كانت تحيط بالدين الخارجي تسبب هبوطاً قياسياً للسندات الدولارية التونسية على الأسواق المالية العالمية، مرجحاً أن تستفيد السندات قصيرة المدى من توصيات مؤسسة الخدمات المالية الأميركية "جي بي مورغان" وأن ترتفع قيمتها مع اقتراب توقيع تونس للاتفاق النهائي مع الصندوق في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

ويرى الخبير المالي أنّ تحسن المناخ الاستثماري في تونس مرتبط بقدرة البلاد على تنفيذ سياسات إصلاحية تعيد خلق النمو وتطمئن المتعاملين الاقتصاديين، مؤكداً أنّ الغموض ما زال يكتنف المرحلة المقبلة مع تواصل توتر الوضع السياسي في البلاد.

وتجري تونس في 17 ديسمبر انتخابات برلمانية، وفقاً لمقتضيات الدستور الجديد الذي صادق عليه التونسيون في 25 يوليو/ تموز الماضي بعد الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس قيس سعيد قبل سنة من ذلك.

محادثات صندوق النقد
أجرت تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج بقيمة 4 مليارات دولار منذ مايو/ أيار 2021 لتلبية احتياجاتها التمويلية بعد سنوات من العجز المزدوج الكبير، مما أدى في النهاية إلى وجود رصيد كبير من الدين العام لكن الاتفاق المبدئي انتهى بموافقة الصندوق أخيراً على منح تونس 1.9 مليار دولار فقط

وقفزت سندات تونس بالعملة الصعبة بنحو أربعة سنتات عقب إعلان الاتفاق مع صندوق النقد، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ مارس/ آذار.

ركزت مبادرات الإصلاح المقترحة مع صندوق النقد على ثلاثة مجالات وهي احتواء الأجور العامة وإلغاء دعم المواد الأساسية وإصلاح المؤسسات الحكومية.

ويؤكد "جي بي مورغان" أنّ حصة كبيرة من الدين الخارجي للحكومة العامة ذات طبيعة ميسرة، في حين أن الديون قصيرة الأجل تهيمن عليها التزامات مصرفية خارجية يمكن اعتبارها جامدة.

ديون كبيرة
ويستحوذ الدين العام لتونس، بحسب قانون الموازنة، على 82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (23.2 مليار دولار)، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار.

أجرت تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج بقيمة 4 مليارات دولار منذ مايو/ أيار 2021 لتلبية احتياجاتها التمويلية بعد سنوات من العجز المزدوج


كذلك، تبرز النشرة الخاصة بالدين العمومي التي تصدرها وزارة المالية أنّ خدمة الدين زادت بنسبة 55 بالمائة مقارنة بعام 2019، كما زادت بنسبة 33 بالمائة مقارنة بعام 2020.

ويقول خبراء اقتصاد إنّ الاتفاق مع صندوق النقد سيؤدي إلى فتح مصادر تمويل رسمية أخرى لتونس، مع توفير التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات الكبيرة قصيرة الأجل. مع ذلك، فإنّ مخاطر إعادة الهيكلة على المدى المتوسط مرتفعة إذا لم تحترم السلطات برنامج صندوق النقد.

ويؤكد وزير الإصلاحات الكبرى السابق توفيق الراجحي في تدوينة على صفحته الرسمية، أنّ التمويلات السابقة المقدرة بنحو 1.5 مليار دولار حصلت عليها البلاد من صندوق النقد الدولي دون شروط إصلاحية غير أنّها لم تساعد البلاد على الخروج من أزمتها المالية.

ويعتبر الراجحي الذي قاد مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي عام 2019 أنّ الحلّ واضح وهو القيام بالإصلاحات اللازمة، مؤكداً أنّ الإصلاحات التي كانت اختيارية في وقت سابق ستصبح مفروضة مستقبلاً. ويؤكد أن توزيع علامات النجاح واللوم سيكون حسب أداء السلطات، وأن الحصول على الأقساط سيكون رهين المراجعات.

واتخذت سلطات تونس بالفعل بعض الإجراءات المسبقة بشأن الرواتب والدعم، حيث جرى تجميد التوظيف في القطاع الحكومي، كما وقعت حكومة نجلاء بودن التزاما مع الاتحاد العام التونسي للشغل يقضي بعدم المطالبة بأي زيادة في الرواتب خلال السنوات الثلاث المقبلة.