قرارات أميركية تسرّع نمو الاقتصاد السوري وجذب الاستثمارات
استمع إلى الملخص
- تخفيف العقوبات وتحفيز الاستثمارات: إزالة العقوبات تتيح لسورية التعامل مع الولايات المتحدة وحلفائها، مما يخفض كلفة إعادة الإعمار ويشجع الاستثمارات في قطاعات الطاقة والاتصالات والطيران المدني.
- التحديات والفرص المستقبلية: تواجه سورية تحديات إدارية ولوجستية، وتتطلب تطوير أطر تشريعية وتحسين بيئة الاستثمار، مع إعادة تأهيل القطاع الخاص لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة وضمان شراكات مستدامة.
من المتوقع أن يؤدي قرار وزارة التجارة الأميركية، بتخفيف ضوابط التصدير المفروضة على سورية، إلى فتح أفق أوسع للاستثمار والنمو والدمج بالاقتصاد العالمي. ويمثل القرار الذي سيسمح لسورية باستيراد المواد ذات الاستخدام المدني في القطاعات الحيوية والمصنفة تحت بند (EAR99)، تحولاً مهماً يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي وإعادة الإعمار.
واعتبر الخبير الاقتصادي السوري خالد التركاوي، أن القرار خطوة محورية نحو إعادة دمج الاقتصاد السوري بالمنظومة العالمية. وأوضح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن السماح باستيراد وتصدير السلع الاستهلاكية والتكنولوجية سيسهم في تقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية وفتح أفق أوسع للاستثمار والنمو. وأضاف أن القرار يمكن أن يعزز قدرة الشركات السورية على استيراد المعدات والمواد الأساسية بشكل أسرع وأكثر فعالية، ما يدعم جهود إعادة الإعمار ويحفز النشاط التجاري المحلي.
الاقتصاد السوري يستفيد من التكنولوجيا الأميركية
وأشار التركاوي إلى أن الأهمية الكبرى تكمن في فتح الباب أمام التكنولوجيا الأميركية الحيوية، حيث ستتمكن الشركات والأفراد من استخدام أنظمة تشغيل مثل "ويندوز" و"أندرويد" إلى جانب برامج هندسية متخصصة مثل "أوتوكاد"، وهو ما سيساعد في تسريع وتيرة إعادة الإعمار وتطوير قطاع الاتصالات. وأوضح أن القرار قد يسهم كذلك في جذب استثمارات أجنبية جديدة، خاصة في مجالات الطاقة والطيران المدني.
ولفت إلى أن صفقات مثل إعادة تطوير مطار دمشق الدولي مثال على عودة الثقة التدريجية في السوق السورية، وأضاف أن الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب إصلاحات تشريعية وإدارية لتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، إلى جانب تحديث القطاع الخاص المحلي لقدراته التقنية عبر الاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية والمنصات الرقمية العالمية التي لم تكن متاحة بشكل كامل سابقاً، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن التحديات ما تزال قائمة، خاصة في ما يتعلق بتجهيزات البنوك والطيران والقطاعات الأساسية الأخرى التي تحتاج إلى تحديث عميق لتتمكن من الاستفادة الكاملة من القرار.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية يوم الاثنين الماضي، إزالة لوائح العقوبات المفروضة على سورية من مدونة القوانين الفيدرالية، فيما أصدر مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة، مساء الخميس، قاعدة تسهل متطلبات ترخيص الصادرات المدنية إلى سورية.
خفض كلفة التعاملات مع سورية
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي يونس الكريم، أن القرار الأميركي يعد تحولاً استراتيجياً في السياسة تجاه سورية ويمثل سابقة بإنهاء حالة الطوارئ الخاصة بالبلاد، واعتبر أن ذلك يعكس تخفيفاً جوهرياً في مستوى التدقيق والرقابة الأميركية. وقال للوكالة ذاتها، إن القرار يفتح المجال أمام الحكومة السورية للتعامل المباشر ليس فقط مع الولايات المتحدة بل مع حلفائها في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك دول المعسكر الشرقي مثل الصين وروسيا، موضحاً أن العقوبات كانت ترفع كلفة التعاملات مع سورية وتجعل التعاون محفوفاً بالمخاطر، في حين أن رفعها سيؤدي إلى خفض الكلفة وإتاحة توقيع عروض تنافسية لصالح الاقتصاد السوري.
وأضاف أن القرار يشير أيضاً إلى مرونة سياسية من جانب واشنطن يمكن أن تتيح للحكومة السورية الاستفادة من مساعدات عربية وأوروبية، فضلاً عن إمكانية الحصول على منح ومساعدات من منظمات إنسانية أميركية على شكل معدات أو أموال، كما أكد أن رفع القيود على المواد والتكنولوجيا الأميركية سيخفض كلفة إعادة الإعمار بنحو 30 %، مشيراً إلى أن سورية قد تستفيد مباشرة من التكنولوجيا الأميركية في إعادة بناء الحقول النفطية ومعالجة مشكلات المياه، وهما قطاعان بالغا الأهمية للاقتصاد الوطني.
وبشأن الاستثمارات الخارجية، رأى أن القرار يوفر عاملاً محفزاً، لكنه شدد على أن جذب الاستثمارات يتوقف على ثلاثة عناصر أساسية هي وجود رؤية اقتصادية واضحة ومؤسسات قادرة على التنفيذ، وتوافر الأمن والأمان، ورفع العقوبات. وأوضح أن المستثمرين يرفعون من توقعاتهم للأرباح لتغطية المخاطر في ظل غياب الرؤية والاستقرار الكامل، ما يجعل الكلفة مرتفعة جداً، غير أن رفع العقوبات يظل العامل الأهم في تشجيعهم على دخول السوق السورية، واعتبر أن نجاح العام الأول من تطبيق القرار من دون إشكالات أمنية سيشكل اختباراً حاسماً لجدية الاستثمارات الدولية.
كما أشار الخبير الاقتصادي يونس الكريم إلى أن الحكومة السورية تستطيع الاستفادة من هذه الفرصة عبر بناء مؤسسات اقتصادية قوية، وإعلان خريطة استثمارية واضحة تركز على القطاعات التي شملها رفع القيود، وتنظيم مؤتمرات دولية لدعوة المستثمرين والشركاء العرب والدوليين، لكنه حذر من أن التحديات ما تزال كبيرة على الصعيدين الإداري واللوجستي، إضافة إلى ضعف موارد القطاع الخاص السوري الذي انتقل قسم كبير منه إلى الخارج، ما يتطلب استراتيجية جادة لإعادة دمجه وتحفيزه على الاستثمار في الداخل.
إعادة إعمار سورية
من جهته، أكد الباحث في الاقتصاد الدولي والتمويل محمد غزال، أن القرار يمثل تحولاً مهماً في السياسة الاقتصادية الأميركية تجاه سورية، مشيراً إلى أن الاستثناءات الجديدة تسمح بتصدير السلع المدنية غير المحظورة من دون ترخيص مسبق، وهو ما يخفف القيود الإجرائية ويخفض تكاليف التوريد، وأوضح أن الانعكاس المباشر للقرار يتمثل في تحسين استمرارية الخدمات الأساسية وتسريع عمليات الصيانة والإنتاج في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، بما يؤدي إلى تحسين جودة المخرجات وتخفيف الأعباء على هذه القطاعات.
وأضاف أن فتح الباب أمام التكنولوجيا الأميركية يشكل عنصراً محورياً في إعادة الإعمار، حيث يسمح بإدخال معدات أكثر كفاءة وموثوقية تقلل من الاعتماد على بدائل أقل جودة وأعلى تكلفة، وهو ما يسرع إعادة بناء المرافق الحيوية ويسهم في تسريع التعافي الاقتصادي العام. وفي ما يتعلق بالاستثمارات، أوضح أن القرار يقلص من المخاطر التنظيمية أمام الشركات الأجنبية، الأمر الذي قد يشجع على تدفق استثمارات جديدة في قطاعات الطاقة والاتصالات والطيران المدني، لكنه شدد على أن حجم هذه الاستثمارات سيبقى مرتبطاً بقدرة النظام المالي السوري على توفير قنوات دفع وتأمين آمنة، إضافة إلى تقديم الحوافز المناسبة للمستثمرين.
ورأى أن القرار يمنح سورية فرصة لإعادة الاندماج التدريجي في الاقتصاد العالمي عبر التجارة والتكنولوجيا، معتبراً أن ذلك يتطلب تطوير أطر تشريعية وتنظيمية واضحة تتماشى مع القوانين الدولية وتحسين بيئة الاستثمار بما يضمن الشفافية والحوكمة. كما أكد أن التحدي الأكبر يكمن في الوصول إلى قنوات مالية وتأمينية فعالة، إذ قد تتردد المصارف وشركات التأمين في التعامل مع السوق السورية رغم التخفيف الحاصل، كما أن ضعف البنية الإدارية واللوجستية يستدعي إصلاحات عاجلة في أنظمة المشتريات والتعاقدات.
وأضاف أن القطاع الخاص السوري يحتاج إلى إعادة تأهيل وبناء قدراته الفنية والإدارية ليستطيع استيعاب التكنولوجيا الجديدة والعمل وفق المعايير الدولية بما يضمن شراكات ناجحة ومستدامة مع الشركات الأجنبية.
يذكر أن العقوبات الأميركية على سورية بدأت في عهد الرئيس جورج بوش عام 2004 بموجب "قانون محاسبة سوريا" وتوسعت لاحقاً لتشمل قطاعات النفط والمال والتجارة، وازدادت قبل أن يعلن الرئيس دونالد ترمب في 30 يونيو/حزيران 2025، رفعها والبدء برفع تدريجي لهذه العقوبات، عبر حزمة خطوات شملت إلغاء بعض القيود المصرفية وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، مع بقاء العمل على استكمال رفعها بشكل كامل خلال المرحلة المقبلة.
(قنا، العربي الجديد)