قبل تجميدها 90 يوماً... خسائر كبيرة في أسواق المال والسندات بسبب الرسوم الجمركية

10 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 08:18 (توقيت القدس)
متداول في بورصة نيويورك، 4 إبريل 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 104% على السلع الصينية، مما أدى إلى تفاقم الحرب التجارية العالمية وتأثيرها السلبي على الأسواق المالية، حيث تراجعت البورصات الآسيوية والأوروبية بشكل ملحوظ.

- تضررت سندات الخزانة الأميركية بشدة نتيجة لقرارات ترامب، مما أدى إلى ارتفاع عائد السندات لأجل 10 سنوات وانخفاض الدولار، مما يعكس تراجع الثقة في الاقتصاد الأميركي.

- تهدد الحرب التجارية بتقويض الاقتصاد العالمي، مع تحذيرات من ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة، وتراجع الطلب الأجنبي على سندات الخزانة الأميركية.

قبل تعليق غالبيتها لمدة 90 يوماً في وقت متأخر أمس، دخلت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عشرات الدول حيز التنفيذ، الأربعاء، بينها رسوم ضخمة بنسبة 104% على السلع الصينية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الحرب التجارية العالمية ويحفز عمليات البيع واسعة النطاق في أسواق المال، حيث شهدت يوماً عاصفاً جديداً لترتد التداعيات على الولايات المتحدة نفسها التي شهدت تحولاً لافتاً هذه المرة قد يهدد الوضع المالي لأكبر اقتصاد في العالم، إذ تضررت سندات الخزانة بشدة وسط عمليات بيع من جانب المستثمرين، الأمر الذي اعتبره محللون بداية لحقبة جديدة يسودها عدم الثقة في الاقتصاد الأميركي، ما يقوض هيمنة الدولار، حيث لم تعد "الاستثنائية الأميركية" هي المسيطرة.

وسبق تعليق غالبية الرسوم الإضافية مقابل زيادتها على الصين، معاودة البورصات الآسيوية والأوروبية التراجع الحاد، وشهدت الأسهم التايوانية مزيداً من الانخفاض، حيث أغلق مؤشر "تايكس" القياسي منخفضاً بنسبة 5.8% عند أدنى مستوى له في 15 شهراً. وخسر المؤشر 18.3% حتى الآن هذا الأسبوع، وهو أسوأ مؤشر أسهم أداءً لعام 2025. وهبط المؤشر "ستوكس 600 الأوروبي" 2.5 خلال التعاملات ومحا مكاسب الجلسة السابقة. وخسر المؤشر الرئيسي الألماني شديد التأثر بحركة التجارة 2.1%.

بينما قلبت السوق الصينية الأكثر استهدافاً برسوم ترامب اتجاهها من الهبوط الحاد بنحو 4% في بداية التعاملات إلى الصعود بنسبة طفيفة لدى الإغلاق في مشهد لافت يعكس تدخل المؤسسات لدعم السوق وامتصاص الضربة الأميركية، ولا سيما بعد أن نشر البيت الأبيض، الثلاثاء، مرسوماً رئاسياً "معدلاً" رفع الرسوم التي ستفرضها واشنطن على الواردات الآتية من بكين من 34% إلى 84%، تضاف إلى 20% مفروضة بالأساس عليها، ما يرفع التعرفة الإجمالية إلى 104% اعتباراً من صباح أمس.

وردت الصين على الفور فأعلنت وزارة التجارة أن بكين لديها "إرادة حازمة ووسائل وافية" "و"ستتخذ بحزم تدابير مضادة وتقاتل حتى النهاية إن أصرت الولايات المتحدة على مواصلة تصعيد التدابير الاقتصادية والقيود التجارية". وأعلنت أنها ستزيد رسومها الجمركية الانتقامية على المنتجات الأميركية إلى 84%، بدلاً من 34% كما كان مقرراً. وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان إن "نسبة الرسوم الجمركية الإضافية" سيتم "رفعها من 34% إلى 84%" اعتباراً من اليوم الخميس.

وسمحت الصين بتخفيض قيمة عملتها لليوم الخامس على التوالي، في أحدث مؤشر على استعدادها لقبول انخفاض تدريجي في قيمة العملة لمواجهة حملة دونالد ترامب للرسوم الجمركية وتعزيز صادراتها. فقد تراجع اليوان إلى أدنى مستوى في 19 شهراً مقابل الدولار، أمس، ونزل اليوان بنحو 0.2% إلى 7.3498 مقابل الدولار.

وبدت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن معركة تكسير عظام. وباستثناء التعرفة الطائلة المطبقة على الصين، تراوح الرسوم الجديدة المفروضة على حوالي 60 شريكاً تجارياً للولايات المتحدة ما بين 11 و50%. ويخضع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول لأميركا، لنسبة 20% من الرسوم، وفيتنام لنسبة 46%. ودعا أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعتبر الولايات المتحدة السوق الرئيسية لصادراتها، الأربعاء إلى "التحرك بجرأة" رداً على مخاطر الحرب التجارية.

وبمواجهة الهلع الذي سيطر على العالم، سعى ترامب للطمأنة، فوعد بإبرام "اتفاقات مصممة على المقاس" مع الشركاء التجاريين مع إعطائه الأولوية للحلفاء الآسيويين وفي طليعتهم اليابان وكوريا الجنوبية. وتهدد الحرب التجارية التي يشنها ترامب بتقويض الاقتصاد العالمي ودفعه إلى الركود وحذر محللون بأنها قد تسبّب ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وتراجع النمو. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن "قلقه الكبير حيال الدول النامية الأكثر عرضة" مشددة على أن "التبعات عليها ستكون كاسحة".

سندات الخزانة الأميركية تتضرر بشدة

وبينما يستهدف ترامب تقويض الاقتصاد الصيني بالدرجة الأولى، وإن كان يعلن أن هدفه هو تقليص عجز الميزان التجاري مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن عشرات الشركاء التجاريين على رأسهم الاتحاد الأوروبي وكندا، ترتد قرارات ترامب بقوة على سوق المال الأميركية التي شهدت خسائر فادحة منذ إعلان ترامب "الرسوم المتبادلة" يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. وتكبد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أكبر خسارة منذ إطلاقه في خمسينيات القرن الماضي. ويقترب المؤشر الآن من أن يصبح من الأسواق التي تسودها الرهانات على الهبوط والتي تتحدد بتراجع بنسبة 20% عن أعلى مستوى بلغته في الآونة الأخيرة.

كما تضررت سندات الخزانة الأميركية بشدة، أمس، حيث قفز عائد السندات لأجل 10 سنوات، وهو معيار عالمي لتكاليف الاقتراض، إلى 4.51% قبل أن يتراجع إلى 4.37%. وحذر المستثمرون والاقتصاديون من أن رسوم ترامب الجمركية قد زادت من خطر الركود في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى موجة جديدة من التضخم.

كذلك انخفض الدولار بنسبة 0.75% مقابل سلة من عملات الشركاء التجاريين. وارتفع الين الياباني بنسبة 1.2% مقابل الدولار. وقال بن ويلتشير، استراتيجي أسعار الفائدة لمجموعة العشرة في مجموعة "سيتي" المصرفية لصحيفة فاينانشال تايمز: "قد تشير عمليات البيع المكثفة إلى تحول في النظام، حيث لم تعد سندات الخزانة الأميركية ملاذاً آمناً عالمياً للدخل الثابت". وصرح كارل شاموتا، كبير استراتيجيي السوق في شركة المدفوعات العالمية "كورباي" بأن: "عائدات السندات لأجل 10 سنوات تتجه نحو الانخفاض... لا بد من حدوث انهيار".

في هذه الأثناء بدأ المستثمرون العالميون يكتشفون وجود بدائل موثوقة لسندات الخزانة الأميركية. ورغم أن عوائد السندات الحكومية في أوروبا واليابان لا تزال دون مستويات سندات الخزانة الأميركية، لكنها أصبحت تبدو أكثر جاذبية للمستثمرين الأوروبيين واليابانيين الذين يغطون تعرضهم للدولار عند شراء الأوراق المالية الأميركية. وقد يدفع ذلك هؤلاء المستثمرين إلى إعادة توجيه استثماراتهم إلى أسواقهم المحلية، حيث تبدو السياسة النقدية أكثر استقراراً.

وقال رئيس أبحاث أسعار الفائدة الأميركية لدى مصرف "دويتشه بنك" الألماني، ماثيو راسكن، لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "الفكرة التي تزداد رواجاً الآن هي أن بعض سياسات الإدارة الأميركية قد تقوّض الطلب الأجنبي على سندات الخزانة الأميركية". وأشار إلى أن كل ذلك يُسهم في تشكيل عالم لم تعد فيه "الاستثنائية الأميركية" هي الموضوع المسيطر، مما قد تترتب عليه آثار طويلة الأمد. وحذر "دويتشه بنك" من "أزمة ثقة" محتملة في الدولار، بينما يرى مصرف "يو بي إس" السويسري فرصة لتعزيز مكانة اليورو عملةً احتياطيةً عالمية.

ويُنظر إلى التراجع الذي شهدته أسعار سندات الخزانة الأميركية على أنه إشارة إلى تراجع جاذبية هذا الملاذ الآمن. وكتب بن ويلتشير، استراتيجي تداول أسعار الفائدة في مجموعة الدول العشر لدى "سيتي غروب"، في مذكرة: "ربما تشير موجة بيع سندات الخزانة الأميركية إلى تحول في النظام، بحيث لم تعد هذه السندات الملاذ الآمن العالمي في فترات تفادي المخاطر".

ومن جهته يحذر سيمون وايت، استراتيجي الاقتصاد الكلي، في لندن: "إذا لم يتم التخفيف من حدة الرسوم الجمركية بشكل ملموس، فإن العالم قد يواجه صدمة في النمو العالمي، وفي مثل هذه الحالات عادةً ما تكون سندات الخزانة ملاذاً آمناً... لكن القواعد التقليدية للتمويل الدولي باتت تتعرض لانقلاب... لم تعد سندات الخزانة ولا الدولار أدوات خالية من المخاطر كما كان يُعتقد سابقاً".

الأجانب يمتلكون نحو ثلث السندات الأميركية

والعزوف عن سندات الخزانة الأميركية يعرّض مالية الدولة لضغوط حادة. وتقليدياً، يموَّل العجز في الميزانية الأميركية جزئياً عبر تدفق رؤوس الأموال من مختلف أنحاء العالم إلى سندات الخزانة. وبحسب تحليل لتدفقات الأموال أجرته مؤسسة "باركليز" المصرفية، فإنّ الملكية الأجنبية لسندات الخزانة الأميركية تمثل نحو ثلث السوق، وكان الأجانب أكبر مصدر للطلب على السندات الأميركية العام الماضي، إذ بلغ صافي مشترياتهم 910 مليارات دولار، ذهب نحو نصفها إلى سندات الخزانة.

وتُظهر بيانات الحكومة الأميركية أن الغالبية العظمى من السندات التي يملكها الأجانب هي من فئة الاستحقاقات الطويلة. وهذا يعني أنه مع تراجع الطلب الأجنبي، قد تشهد منحنيات العائد الأميركية مزيداً من الانحدار، بحسب أليز كاوتني، رئيس قسم أسعار الفائدة العالمية في "فانغارد"، أي إن العوائد طويلة الأجل ترتفع مقارنة بقصيرة الأجل.

وبخلاف تداعيات الرسوم الجمركية، تبدو السياسات الأميركية في عهد ترامب بشكل عام أقل استقراراً، ما قد يضعف جاذبية سندات الخزانة، فإلى جانب حربه التجارية، سبّب ترامب إرباك السياسة الداخلية من خلال سعيه لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية بشكل كبير، كما أثار حفيظة حلفاء قدامى بإعلانه رغبته في شراء قناة بنما، وغرينلاند، وكندا.

انكماش حاد في التبادل التجاري يقلص عائدات الرسوم

وأظهرت توقعات جديدة أن الزيادات في الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب قد تسفر عن تراجع في حجم التجارة الأميركية، ما من شأنه أن يُقيد حجم الإيرادات الإضافية التي تتوقع الحكومة الفيدرالية تحصيلها. وبحسب تحليل أجرته وحدة "بلومبيرغ إيكونوميكس" فإن جميع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أو لوح بفرضها، منذ يناير/كانون الثاني، قد تُدر إيرادات سنوية تُقدر بنحو 300 مليار دولار في المتوسط. ويقع هذا الرقم في الحد الأدنى من التقديرات، بخاصة بعد طرح وزير الخزانة سكوت بيسنت احتمال أن تصل العائدات إلى 600 مليار دولار.

ويعكس هذا الرقم المنخفض توقعات بحدوث انكماش حاد في حجم التبادل التجاري، إذ تُشير "بلومبيرغ إيكونوميكس" إلى أنه يُتوقع هبوط إجمالي واردات الولايات المتحدة من السلع بنحو 30% نتيجة فرض الرسوم الجمركية. من جهتها، نشرت "مؤسسة الضرائب" وهي جهة غير حزبية، تحليلاً يُظهر أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب قد تولد إيرادات تُقارب 2.27 تريليون دولار على مدى عقد، أي ما يعادل نحو 227 مليار دولار سنوياً في المتوسط، وذلك بعد احتساب الآثار الاقتصادية المترتبة عليها، بينما قال ترامب، الثلاثاء الماضي، إن الرسوم الجمركية ستجلب ملياري دولار يومياً، بما يصل إلى نحو 720 مليار دولار سنوياً.

وفي تقدير مستقل، يرى مختبر الميزانية في جامعة ييل أن مجمل الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب حتى الآن قد تحقق نحو 2.49 تريليون دولار خلال عقد، بمتوسط يبلغ 249 مليار دولار سنوياً، مع احتساب آثار الرسوم الجمركية الانتقامية المعلنة اعتباراً من 2 إبريل، إلى جانب التأثير الاقتصادي الأوسع المتوقع.

وتطاول الانعكاسات السلبية الحادة لحرب الرسوم الجمركية كذلك أسواق السلع الفاخرة التي يقف وراءها عمالقة المال في العالم، إذ تراجعت أسهم شركات السلع الفاخرة الأوروبية بشكل أكبر، أمس، مع تزايد مخاوف المستثمرين من أنّ الركود العالمي الناجم عن رسوم ترامب سيؤثر سلباً على الطلب، حيث انخفضت أسهم شركة "بربري Burberry"المدرجة في بورصة لندن بنسبة 4.2% بعد فترة وجيزة من الافتتاح، بينما انخفضت أسهم منافسيها الفرنسيين "إل في إم اتش LVMH" و"كيرينغ Kering"، المالكة لعلامة "غوتشي Gucci" بنسبة تراوح بين 3 و4%. وانخفضت أسهم شركة "ريتشمونت Richemont" المالكة لعلامة "كارتييه CARTIER" ومقرها سويسرا، بنسبة 3.7%. وبذلك تتعمق خسائر الشركات التي تفقد مئات مليارات الدولارات من قيمها السوقية. فقد انخفضت أسهم "إل في إم اتش" بقيمة سوقية تقارب 260 مليار يورو (285 مليار دولار)، بمقدار الخُمس هذا العام. وانخفضت أسهم " كيرينغ" و"بربري" بأكثر من 30%.

المساهمون