قبلة الحياة لعملة البريكس: دول تقود المعركة ضد "دولرة" العالم وسط حرب التجارة

06 مايو 2025   |  آخر تحديث: 01:48 (توقيت القدس)
خلال اجتماع لمجموعة البريكس في برازيليا، 26 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراجع الدولار بنسبة 10% في مارس وأبريل أثار الحديث عن عملة موحدة للبريكس، مما دفع البنوك المركزية لزيادة حيازتها من الذهب وتقليل الاعتماد على الدولار.

- رغم تهديدات ترامب بفرض تعرفات جمركية، تواصل البريكس جهودها لتوسيع استخدام العملات المحلية، لكن الهند ترفض العملة المشتركة بسبب الاختلافات الاقتصادية والجيوسياسية.

- زعماء البريكس يدعون لتطوير عملة مشتركة لتسهيل التجارة وتجاوز نظام سويفت، لكن بناء عملة البريكس يتطلب اتحاداً مصرفياً ومالياً وقد يستغرق عقوداً.

تجدد الحديث عن أهمية الإسراع في إطلاق عملة موحدة لتكتل مجموعة البريكس الاقتصادي، وسط توقعات بمواصلة تراجع سعر الدولار الذي فقد زخمه وخسر نحو 10% من قيمته خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين وتراجع لأدنى مستوى في ثلاث سنوات، وحصلت العملة المقترحة على قبلة حياة وسط حرب تجارية شرسة تقودها الولايات المتحدة ضد دول العالم، وأدت إلى رفع مستوى المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية، واندفاع العديد من البنوك المركزية نحو حيازة مزيد من الذهب على حساب الورقة الخضراء التي تتراجع نسبتها في مكونات احتياطيات الدول من النقد الأجنبي.

وتحوّلت كتلة البريكس، التي تأسست عام 2009، إلى قوة اقتصادية تُثير قلق الولايات المتحدة الأميركية، خاصة مع إعلانها شن حرب واسعة ضد هيمنة الدولار على التعاملات المالية والتجارية الدولية. وأبرز ما يبعث على التوتر في أروقة الإدارة الأميركية ترويج الكتلة، خاصة منذ عام 2022، فكرة العملة الموحدة، والتي أصبحت أكثر واقعية بعد قمة البريكس في عام 2023، مع اقتراح اسم للعملة وهو "آر 5" (R5).

ويأتي هذا الاسم من صدفة أن جميع أعضاء البريكس يستخدمون عملات تبدأ بحرف الراء: الرنمينبي، والروبل، والروبية، والريال، والراند.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد هدد أكثر من مرة مجموعة البريكس إذا تخلت عن الدولار وأنشأت عملة جديدة، وحذر دول المجموعة من أنه سيطالبها بالتزامات بعدم التحرك لإنشاء عملة جديدة بديلاً للدولار في التعاملات البينية، مكرراً تهديداته بفرض تعرفات جمركية بنسبة 100% على الواردات من الدول الأعضاء بهذا التكتل إذا قررت التخلي عن الدولار في التجارة الدولية.

واللافت أن المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، خرج نهاية يناير/كانون الثاني الماضي بتصريح قال فيه، إن مجموعة البريكس لا تناقش إنشاء عملة مشتركة، بل إن النقاش يدور حول إنشاء منصات استثمارية جديدة.

البريكس كبديل دولي

والأحد الماضي، وفي عزّ أجندة إزالة "الدولرة" التي أطلقها تحالف البريكس، ألمح المستثمر الأميركي البارز والملياردير وارن بافيت في القمة السنوية الستين لمساهمي شركة بيركشاير هاثاواي، إلى أن ذراعه الاستثمارية تدرس اتخاذ مواقف دخول في العملات الأجنبية، وقال إن الدولار قد يتجه إلى "الجحيم". وانتقد السلوك المالي الأميركي، واصفاً إياه بأنه "مثير للقلق"، وشكك في قوة الدولار على المدى الطويل. ثم ألمح بافيت إلى أن بيركشاير هاثاواي قد تفتح مراكز استثمارية أولية في العملات الأجنبية.

والأسبوع الماضي أكّد وزراء خارجية دول مجموعة البريكس التزامهم بالتحول عن الاعتماد على العملات العالمية السائدة خلال اجتماع عُقد في ريو دي جانيرو. وشدّد البيان الرسمي الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول البريكس على توسيع نطاق استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية والمالية داخل المجموعة ومع الدول الشريكة، بالتزامن مع التركيز على البدائل التي تقودها مجموعة البريكس لأنظمة الدفع العالمية الحالية.

ومن المتوقع أن يُقدّم الوزراء مقترحات ملموسة لقادة البريكس لمراجعتها، وذلك في القمة المقبلة للمجموعة ستُعقد في مدينة ريو دي جانيرو يومي 6 و 7 من شهر يوليو/ تموز المقبل. وفيما ستكون العملة الموحدة جزءاً من النقاشات، أكدت الهند رسمياً رفضها فكرة العملة المشتركة لمجموعة البريكس، ووصفتها بأنها غير قابلة للتنفيذ بسبب الاختلافات الاقتصادية والجيوسياسية الكبرى بين الدول الأعضاء. أوضح مسؤولون حكوميون أن الهند لا ترغب في مشاركة عملة مع الصين، وشددوا على أهمية حماية سيادتها المالية.

كذلك أكدوا تركيزهم على الحفاظ على استقرار التجارة العالمية من خلال أنظمة العملات الوطنية. ويشير هذا القرار إلى صعوبات إضافية تواجه هذا المشروع. ويضم هذا التحالف المتوسع أربع عشرة دولة عضواً تمثّل معاً ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمي ونصف سكان العالم تقريباً، مما يجعل حربها ضد الدولرة تهديد فعلي لمنظومة السيطرة الأميركية على مسار التجارة والمال والعالمي. إلا أن تطورات جديدة تلوح في الأفق، وعقبات بدأت تزيد من صعوبة المهمة.

تطوير عملة مشتركة

وأقرّ محللو بنك جي بي مورغان الاستثماري الأميريكي بهذا التحول في تقاريرهم الأخيرة، مشيرين إلى أن "التنويع بعيداً عن الدولار هو اتجاه متزايد. ومع ذلك، لا تزال العوامل الداعمة لهيمنة الدولار راسخة وذات طبيعة هيكلية. إن دور الدولار في النظام المالي العالمي، ونظامه الاقتصادي والمالي لتوفير السيولة بالدولار، والشفافية المؤسسية، كلها تشير إلى أن أي تآكل ملموس لهيمنة الدولار من المرجح أن يستغرق عقوداً".

ودعت روسيا والصين بشدة وفي العديد من المناسبات إلى تطوير عملة مشتركة بين دول مجموعة البريكس. سيُسهّل وجود عملة مشتركة بين الدول الأعضاء التجارة، والأهم من ذلك، سيمكّن الدول من تجاوز نظام سويفت المصرفي المستخدم لفرض عقوبات مصرفية على الدول التي تعمل ضد المصالح الأميركية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وقال زعماء مجموعة البريكس إنهم يريدون استخدام عملاتهم الوطنية بشكل أكبر بدلاً من الدولار الذي ارتفعت قيمته بحدة العام الماضي، مع رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة وغزو روسيا لأوكرانيا، ما جعل الديون المقومة بالدولار والعديد من الواردات أكثر تكلفة. كذلك أدّى عزل روسيا عن الأنظمة المالية العالمية بسبب العقوبات في العام الماضي إلى تأجيج التكهنات بأن الحلفاء غير الغربيين سوف يبتعدون عن الدولار. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بويتن في القمة الأخيرة للتكتل "إن العملية الموضوعية التي لا رجعة فيها المتمثلة في إزالة الدولرة من علاقاتنا الاقتصادية تكتسب زخماً".

وانخفضت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية إلى أدنى مستوى لها في عشرين عاماً عند 58%، و47% عند تعديلها وفقاً لتغيرات سعر الصرف، بناء على بيانات صندوق النقد الدولي. مع ذلك، لا يزال الدولار يهيمن على التجارة العالمية. فهو يُمثل أحد طرفي ما يقرب من 90% من معاملات النقد الأجنبي العالمية، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية.

وشرح محافظ البنك المركزي في جنوب أفريقيا ليسيتيا كغانياجو، لمحطة إذاعية في يوليو/ تموز، إن بناء عملة البريكس سيكون "مشروعاً سياسياً". وقال كغانياجو "إذا كنت تريد ذلك، فسوف يتعيّن عليك الحصول على اتحاد مصرفي، وسوف يتعيّن عليك الحصول على اتحاد مالي، وسوف يتعيّن عليك الحصول على التقارب الاقتصادي الكلي".

وأضاف قائلا: "الأمر الأهم هو أنك بحاجة إلى آلية تأديبية للدول التي لا تلتزم بها. بالإضافة إلى أنها ستحتاج إلى بنك مركزي مشترك، ويجب تحديد موقعه". وأشار المسؤولون والخبراء الاقتصاديون إلى الصعوبات التي ينطوي عليها مثل هذا المشروع، نظراً للتفاوت الاقتصادي والسياسي والجغرافي بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وغيرها من الدول الأعضاء.

ويتوقع الخبراء أن أي تحول كبير سيستغرق عقوداً، تعمل دول العالم بنشاط على تطوير أنظمة دفع وترتيبات عملات بديلة للحد من تأثرها بالقوة المالية الأميركية.

المساهمون