فرنسا 2025: هشاشة اقتصادية تحت أنظار صندوق النقد الدولي

26 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 13:21 (توقيت القدس)
وزير الاقتصاد والمالية إريك لومبارد، باريس، 25 أغسطس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه فرنسا أزمة سياسية واقتصادية معقدة، حيث تهدد حكومة الأقلية برئاسة فرانسوا بايرو بالإطاحة بسبب خطط تخفيضات الميزانية، مع ارتفاع الدين العام إلى 114% من الناتج المحلي الإجمالي.

- تعاني فرنسا من نمو اقتصادي ضعيف وارتفاع الدين العام والخاص إلى 7.65 تريليونات يورو، مع تزايد تكاليف خدمة الدين والتهرب الضريبي، مما يضغط على الطبقة الوسطى والشركات.

- اجتماعياً وسياسياً، تشهد فرنسا احتجاجات متزايدة وتراجعاً في النفوذ الدولي، مع تحديات في مجال الطاقة وانخفاض الصادرات العسكرية.

قال وزير المالية الفرنسي إيريك لومبار، اليوم الثلاثاء، إن ثمة تهديداً بتدخل صندوق النقد الدولي في الاقتصاد إذا سقطت حكومة الأقلية برئاسة فرانسوا بايرو. وتواجه حكومة رئيس الوزراء بايرو تهديداً متزايداً بإطاحتها، بعدما قالت ثلاثة أحزاب معارضة رئيسية إنّها لن تدعم تصويتاً على الثقة من المقرر إجراؤه في 8 سبتمبر/ أيلول بسبب خططه لتطبيق تخفيضات كبيرة في الميزانية، بحسب "رويترز".

وقال لومبار لإذاعة فرانس إنتر "نحن في خضم المعركة"، مضيفاً أنه بالتأكيد لن يستسلم لاحتمال خسارة حكومة بايرو التصويت على الثقة. وردّاً على سؤال حول تعليقات سياسيين آخرين قالوا إن انهيار حكومة بايرو قد يؤدي إلى تدخل صندوق النقد الدولي في الشؤون المالية الفرنسية، أجاب لومبار "هذا خطر قائم أمامنا". وأضاف هذا خطر نود تفاديه، وينبغي علينا أن نتفاداه، لكن لا يمكنني الادعاء بأنه غير موجود.

ومن المقرّر أن يدعو رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو البرلمان إلى تصويت على منح الثقة لحكومته، في ظل جدل حاد بين النواب حول ميزانيتها التقشفية. وقال بايرو، يوم الاثنين، إنه اتفق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إجراء التصويت في 8 سبتمبر/ أيلول. وللتأكيد على مسألة المالية العامة الهشة، قال إن تكاليف الفوائد سترتفع من 60 مليار يورو في عام 2024 إلى 66 ملياراً في عام 2025، وهي قفزة كبيرة من 36 ملياراً دُفعت قبل خمس سنوات فقط. وقال: "إن عبء الدين سيصبح هذا العام أهم بنود الميزانية الوطنية"، مضيفاً أن تكاليف سداد الدين ستتجاوز الإنفاق المخصص للدفاع والتعليم.

وبحسب "أسوشييتد برس"، تتضمّن خطط حكومة يمين الوسط لميزانية العام المقبل خفضاً للإنفاق بمقدار 43.8 مليار يورو (51.1 مليار دولار) بسبب العجز الكبير في الميزانية الذي تواجهه فرنسا، الذي بلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، أي ما يقرب من مثلي الحد الرسمي للاتحاد الأوروبي البالغ 3%. وقد ارتفع معدل الدين العام الفرنسي إلى 114% من الناتج المحلي الإجمالي، ما جعل البلاد تسجل واحداً من أعلى معدلات الدين في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة من دول الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت الأحزاب اليسارية في الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان) بالفعل عن تصويت بسحب الثقة من حكومة بايرو، في حين تزايدت الدعوات إلى إضراب عام في 10 سبتمبر/ أيلول، احتجاجاً على مشروع الميزانية. ونجا رئيس الوزراء آخر مرّة من تصويت بحجب الثقة في يوليو/ تموز الماضي، بعد أن رفض حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان دعم الاقتراح الذي قاده الاشتراكيون. ولا يزال من غير الواضح كيف سيصوّت الحزب اليميني المتطرف على هذا الإجراء الأخير.

وأدت هذه الحالة إلى انخفاض الأسهم الأوروبية، اليوم الثلاثاء، بضغط من الخسائر التي سجّلتها الأسهم الفرنسية، وسط تفاقم حالة عدم اليقين السياسي في البلاد، في حين أدّت المخاوف المتزايدة إزاء استقلالية مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى تراجع الإقبال على الأصول الأعلى في المخاطر حول العالم، وفق "رويترز".

وهبط المؤشر كاك 40 الفرنسي 1.4% وتكبّدت سندات البلاد خسائر، في وقت يبدو فيه من المرجح بشكل متزايد أن تُطاح حكومة الأقلية الشهر المقبل. وهوى سهما بنكي بي.إن.بي باريبا وسوسيتيه جنرال الفرنسيين 6.2% و5.2% على الترتيب. ونزل المؤشر ستوكس 600 الأوروبي الأوسع نطاقاً 0.7% بحلول الساعة 07:04 بتوقيت غرينتش مع تراجع جميع البورصات الرئيسية في المنطقة.

فرنسا على حافة أزمة سياسية – اقتصادية

تواجه فرنسا في 2025 وضعاً اقتصادياً بالغ التعقيد، يختبر مكانتها داخل الاتحاد الأوروبي ويكشف عن اختلالات عميقة تراكمت على مدى سنوات. النمو الاقتصادي يظهر في أدنى مستوياته منذ عقد؛ إذ لا يتوقع أن يتجاوز معدل النمو 0.6% هذا العام مقابل 0.8% في 2024، وهو أداء ضعيف قياساً بالاقتصادات الأوروبية الكبرى.

على صعيد المالية العامة، بلغ إجمالي الدين الفرنسي (العام والخاص) حتى منتصف 2025 حوالي 7.65  تريليونات يورو (8.87 تريليونات دولار)، أي أكثر من ضعفي الناتج المحلي الإجمالي البالغ 2.9 تريليون يورو (3.36 تريليونات دولار). بينما الدين الحكومي وحده ارتفع إلى 3.346 تريليونات يورو (115% من الناتج)، بعدما كان 1.59 تريليون فقط عام  (2010) 82.4%، ما يعني تضاعفه خلال 15 سنة. وأضيف نحو 900 مليار يورو (نحو 1.04 تريليون دولار) بين 2020 ومنتصف 2025 فقط.

أما تكاليف خدمة الدين تقارب 62 مليار يورو في 2025، مع توقع أن تصل إلى 100 مليار بحلول 2029، أي ما يعادل موازنات وزارات كاملة. والدين الخاص (شركات وأسر) فيبلغ نحو 4.3  تريليونات يورو (150% من الناتج)، بزيادة تفوق 1.3 تريليون يورو عن 2010 ( نحو 1.51 تريليون دولار)،  مدفوعة بسياسات نقدية توسعية وارتفاع تكاليف المعيشة. هذه الوتيرة تعني أن الدين الفرنسي يرتفع بمتوسط 6500 يورو في الثانية، أي نحو 562 مليون يورو يوميًا. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يتخطى إجمالي الدين بحلول 2029 مستوى 8.78 تريليونات يورو، أي ما يعادل 289% من الناتج المحلي.

ورغم أن فرنسا تحقق حصيلة ضريبية ضخمة تصل إلى 42.8% من الناتج المحلي (1.24 تريليون يورو في 2024)، إلا أن النظام الضريبي يُعد من الأكثر إرهاقاً عالمياً، من دون أن ينجح في تقليص العجز. الدولة تخسر سنوياً ما بين 80 و100 مليار يورو بسبب التهرب، إلى جانب 84 مليارًا أخرى نتيجة الإعفاءات، ما يفاقم الضغط على الطبقة الوسطى والشركات. والقطاع الخاص، الذي يمثل 84% من الناتج المحلي، يرزح تحت ركود متواصل، مع تسجيل مؤشر مديري المشتريات 48.6  نقطة في يوليو 2025، ما يعكس انكماشًا في كل من الصناعة والخدمات.

إلى جانب ذلك، تضغط التحولات السكانية؛ إذ يشكل من تجاوزوا 65 عاماً 21% من السكان في 2024 مع توقع بلوغ النسبة 25% بحلول 2040، بينما يعاني نظام التقاعد من عجز تجاوز 13 مليار يورو في 2023 مع إمكانية وصوله إلى 20 مليار في 2030.
اجتماعياً، شهدت فرنسا أكثر من 12 ألف احتجاج في 2023 (بزيادة 18% عن 2022)، ويُبدي 67%  من المواطنين عدم ثقة بقدرة الحكومة على تحسين أوضاعهم. سياسياً، يواجه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو تحدياً خطيراً مع تصويت على الثقة في سبتمبر/ أيلول، بعد معارضة واسعة لخطته التقشفية البالغة 43.8 مليار يورو.

في الوقت نفسه، ورغم امتلاكها اكتفاءً كهربائياً عالياً عبر 56 مفاعلاً نووياً، تبقى فرنسا معتمدة على الخارج لتلبية كامل حاجتها من النفط والفحم ونصف استهلاكها من الغاز، ما يسلّط الضوء على هشاشتها الطاقية.

أما على المستوى الدولي، فقد تراجع الدور الفرنسي بشكل لافت؛ إذ انخفضت حصتها في الأسواق الأفريقية من 11%عام 2000 إلى 5.5% فقط في 2017، كما تقلصت صادراتها العسكرية بأكثر من 22% خلال أربع سنوات، بالتوازي مع انحسار وجودها العسكري في الساحل الأفريقي من 5100 جندي عام 2020 إلى أقل من 2000 في منتصف 2025.