فرنسا تعلق إصلاح نظام التقاعد لتجنب أزمة حكومية جديدة
استمع إلى الملخص
- أعلن رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو أن التعليق يهدف لتهدئة الأوضاع السياسية، لكنه سيكلف الخزينة 400 مليون يورو في 2026 و1.8 مليار يورو في 2027، مما يتطلب وفورات موازية.
- تسعى الحكومة لتمرير موازنة 2026 وسط انتقادات، مع دعوات لفرض مساهمة استثنائية على الأثرياء لتحقيق العدالة الضريبية، في ظل برلمان منقسم وتراجع شعبية ماكرون.
علقت الحكومة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، العمل بإصلاح نظام التقاعد الذي أقر عام 2023، في خطوة مفاجئة تعكس عمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها فرنسا. وجاء القرار الذي أعلنه رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو بعد أسابيع من التوتر البرلماني وضغوط المعارضة، خصوصا الحزب الاشتراكي، لتجنب حجب الثقة عن الحكومة. ويعد هذا الإصلاح أحد أهم ركائز السياسة المالية للرئيس إيمانويل ماكرون، إذ كان يستهدف رفع سن التقاعد إلى 64 عاما لخفض العجز في صناديق الضمان الاجتماعي. لكن تعليقه حتى عام 2027 يفتح الباب أمام نقاشات أوسع حول مستقبل المالية العامة في فرنسا، في وقت تجاوزت فيه المديونية 3.3 تريليونات يورو والعجز المالي نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال لوكورنو، في خطابه أمام الجمعية الوطنية، إنه سيقترح رسميا على البرلمان تعليق الإصلاح حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة عام 2027، مؤكدا أن القرار يأتي في سياق الحاجة إلى تهدئة سياسية وضمان استقرار المؤسسات. وأوضح أن تعليق القانون سيكلف الخزينة العامة 400 مليون يورو عام 2026 و1.8 مليار يورو عام 2027، ما يستدعي تحقيق وفورات موازية في بنود الإنفاق الأخرى.
ويعد قانون التقاعد أحد أكثر الملفات حساسية في ولاية ماكرون الثانية، بعدما تم تمريره عام 2023 دون تصويت في البرلمان باستخدام المادة 49.3 من الدستور، الأمر الذي أثار موجة احتجاجات واسعة وإضرابات شلت قطاعات حيوية في البلاد. ومع تعهد رئيس الوزراء بعدم استخدام هذه المادة مجددا، اعتبر القرار الأخير محاولة لاستعادة الثقة بين الحكومة والمعارضة، وخصوصا الاشتراكيين الذين لوحوا بتقديم اقتراح بحجب الثقة في حال تجاهل مطالبهم.
وجاءت الخطوة في وقت تسعى فيه حكومة لوكورنو الثانية إلى تمرير مشروع موازنة عام 2026 قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول، وسط انتقادات متزايدة من المجلس الأعلى للمالية العامة الذي وصف تقديرات النمو المدرجة في المشروع بأنها متفائلة أكثر من اللازم. وتشير بيانات المجلس إلى أن الدين العام الفرنسي بلغ 3.3 تريليونات يورو، أي ما يعادل 115% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تستهدف الحكومة خفض العجز المالي إلى 4.7% خلال العام المقبل عبر توفير 30 مليار يورو من الإنفاق.
وبينما حذر رئيس الوزراء من أن فشل البرلمان في إقرار الموازنة سيزيد اضطراب الأسواق، اتخذت الحكومة بادرة سياسية جديدة تجاه الاشتراكيين، تمثلت في دعوة لوكورنو إلى فرض مساهمة استثنائية على أصحاب الثروات الكبرى ضمن الموازنة المقبلة، بهدف تحقيق قدر أكبر من العدالة الضريبية. واعتبر مراقبون أن هذه الإشارة تمثل محاولة لإرضاء اليسار واحتواء الغضب الشعبي من السياسات المالية التقشفية. وتزامن الإعلان مع دعوة الاقتصادي الفرنسي فيليب أغيون، الحائز حديثا على جائزة نوبل في الاقتصاد، إلى وقف كل ما يتصل بإصلاح نظام التقاعد حتى عام 2027، معتبرا أن الاستقرار الاجتماعي شرط أساسي لاستعادة الثقة في الديمقراطية الفرنسية.
وقالت مصادر برلمانية لوكالة فرانس برس الثلاثاء إن حزبي "فرنسا الأبية" (اليسار الراديكالي) والتجمع الوطني (اليمين المتطرف) قدما اقتراحات لحجب الثقة ستناقش الخميس في الجمعية الوطنية. لكن فرص اعتماد الاقتراحات المذكورة ضئيلة، إذ أشار الحزب الاشتراكي إلى أنه لن يصوت على نصوص هذين الحزبين. وحذر رئيس الوزراء من أنه في حال فشل البرلمان الفرنسي في إقرار ميزانية عام 2026، فإن "الوحيدين الذين سيسرون بالأزمة ليسوا أصدقاء فرنسا".
وفي ظل برلمان منقسم بين اليسار ويمين الوسط واليمين المتطرف منذ حل الجمعية الوطنية عام 2024، تبدو حكومة لوكورنو أمام معادلة صعبة بين تهدئة الجبهة السياسية وضبط العجز المالي. ومع استمرار تراجع شعبية ماكرون وتزايد الدعوات إلى انتخابات مبكرة، يرى مراقبون أن تعليق إصلاح التقاعد، رغم كلفته المالية، قد يكون محاولة لتأجيل الانفجار السياسي أكثر منه حلا دائما للأزمة الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الفرنسي.
(العربي الجديد، فرانس برس)