غلق مركز صيانة المستشفيات بمصر لصالح شركات الجيش

غلق مركز صيانة المستشفيات بمصر لصالح شركات الجيش

02 نوفمبر 2020
الأزمة تتصاعد في المستشفيات المصرية (Getty)
+ الخط -

جاءت شكاوى العاملين بالمركز الإقليمي لصيانة الأجهزة بالمستشفيات في مصر من قرار غلق المركز بمثابة جرس إنذار يؤكد ترسيخ فكرة الاستحواذ التي أمر بها الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى يتحكم ضباط الجيش في جميع مفاصل الحياة المصرية ضمن كتالوغ عسكرة الدولة بالكامل.

ومن المعروف أن صيانة الأجهزة الطبية وغير الطبية بالمستشفيات تعتبر من أهم التحديات الخطيرة التي تحفظ أمن وسلامة المواطنين، من خلال ضمان تقديم خدمة صحية سليمة وبكفاءة عالية، وتحافظ على صلاحية الأجهزة لأطول مدة ممكنة، وهذا يصون المال العام، ويوفر من الجهد والوقت للفريق الطبي.

وبقرار من وزير الصحة المصرية عام 1996 فقد تم إنشاء المركز الإقليمي لصيانة الأجهزة بالمستشفيات ليتبع ديوان عام وزارة الصحة ويكون مقره في مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية شمال القاهرة باعتبارها جغرافيا تتوسط منطقة الدلتا وشمال مصر كلها. بحيث يكون المركز مؤسسة صحية خدمية غير ربحية، ويتم تمويله ذاتيا من خلال عائد أنشطة الصيانة الدورية للأجهزة بالمستشفيات وإصلاح الأعطال الطارئة لضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحية.

وتم توفير الكوادر البشرية للعمل في المركز من خلال التعيينات المؤقتة، ويتم صرف الأجور حسماً من الرصيد المالي للمركز من حصيلة نشاطه الذاتي في خدمة جميع المحافظات.

ولكن وكما هو الحال في الحكومة المصرية بصورة عامة؛ فإن كل وزير أو حتى مسؤول يقوم بالاهتمام بما يقتنع به وفقط دون وجود خطة استراتيجية عامة للدولة، ولهذا السبب فقد بدأ المركز يتعثر حين تغير وزير الصحة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبقي المركز يعمل ولكن وسط صعوبات مالية وإدارية متكررة وإهمال متعمد من الحكومة، حيث تفاقمت المشكلة مرة أخرى، مع عدم وجود عقود صيانة حقيقية للأجهزة الطبية وغير الطبية بالمستشفيات، واستمر الحال هكذا حتى جاءت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وتغير وزراء الصحة أكثر من مرة إلى أن جاءت حكومة د. هشام قنديل في عام 2012 زمن حكم الرئيس مرسي رحمه الله، وتم الاهتمام بالمركز الإقليمي لصيانة أجهزة المستشفيات من جديد، وأصدرت وزارة الصحة وقتها تعليمات واضحة إلى جميع المستشفيات باعتبار أن المركز الإقليمي هو المسؤول الأول عن الصيانة الدورية لجميع الأجهزة حسب خطة شاملة، ويتم التواصل معه بصورة مباشرة حسب الاحتياج.

ولضمان الاستقرار الوظيفي بالمركز فقد صدر قرارات وزارية لتثبيت بعض العاملين على درجات وظيفية حكومية، وإن كانت غير ممولة وقتها، وذلك كخطوة أولى لحين إعداد الموازنة الجديدة والتي كان مقررا العمل بها مع بداية شهر يوليو 2013، ولكن حدث الانقلاب العسكري في مصر وانتهت جميع تلك الطموحات.

في عام 2015 تحدث السيسي عن شركة "كوين سرفيس للخدمات" التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وأعلن أنها موجودة لتقديم الخدمات في جميع المجالات. بعدها بدأت شكاوى العاملين بالمركز من الركود وعدم وجدود أية استدعاءات من المستشفيات، وبالتالي بدأ نقص السيولة المالية، وتأخر الحصول على المستحقات المالية للعاملين.

وجاءت تصريحات الفنان المقاول محمد على عام 2019 لتؤكد دخول شركات عسكرية أخرى في مجال توريد وصيانة أجهزة المستشفيات مثل الشركة العربية للبصريات والتي استحوذت على تجهيزات المستشفيات بعدد من مستشفيات محافظات جنوب مصر....

ورغم صيحات الاستغاثة المتكررة من العاملين بالمركز، ورغم طلبات الإحاطة من نواب مجلس النواب منذ عام 2016، فقد استمرت سياسة الحكومة مستمرة نحو إفشال تلك المؤسسة الطبية بهدف تصفيتها تماما،

وفى بداية عام 2020 صدر قرار إنشاء "هيئة الشراء الموحد" ليكون بمثابة رصاصة الرحمة في صدور جميع العاملين بالمركز الإقليمي لصيانة المستشفيات.

وهيئة الشراء الموحد تلك هي مؤسسة عسكرية تتبع إدارة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة المصرية، وتم تكليفها بكامل المسؤولية عن كل ما يخص الصحة من توريد التجهيزات وصيانة المستشفيات واستيراد وتخزين وتوزيع أدوية وغيره وكل ما يخص احتياجات الصحة بصورة عامة. ثم صدر قرار اللواء مساعد وزيرة الصحة بغلق المركز الإقليمي لصيانة أجهزة المستشفيات حيث إن دوره قد انتهى واقعيا.

وجاء قرار الغلق معبرا عن التوجيهات الرئاسية بشأن عسكرة الدولة، وما يترتب على ذلك من إهدار حقوق العاملين المدنيين بالدولة في حياة كريمة وأمان وظيفي واستقرار مجتمعي، ويتم الاستحواذ على الاعتمادات المالية لوزارة الصحية وإعادة توجيهها لخدمة مصالح حفنة من كبار العسكريين التابعين للنظام المصري الحاكم.

ومن المثير للأسى أن يقوم العاملون بالمركز الإقليمي لصيانة أجهزة المستشفيات بوزارة الصحة بالطواف على العديد من الفضائيات المصرية منذ أكثر من عامين وحتى الآن، لعرض مشكلتهم وطلب التدخل من السيسي شخصيا لإنقاذهم من الضياع، ويبدو أنهم في تلك الاستغاثات كانوا كـ"المستجير من الرمضاء بالنار".

المساهمون