غلاء واستغلال في مدينة حلب... وحيرة بين الليرتين السورية والتركية

10 ديسمبر 2024
سوق في حلب يوم 4 فبراير 2024 (جيوفاني ميرغيتي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه اقتصاد حلب تحديات كبيرة بسبب سيطرة فصائل المعارضة، مما أدى إلى تداول الليرة التركية بجانب الليرة السورية المتدهورة وارتفاع الأسعار، مما أثر سلباً على الحياة اليومية للمدنيين.

- يعاني السكان من غياب الرقابة على الأسعار، مما يسمح للتجار برفعها بشكل عشوائي، وأدى ذلك إلى نقص في المواد الغذائية وارتفاع أسعار الأدوية، مما أثر على صحة الأطفال والمسنين وزاد من معاناة الأسر.

- يطالب سكان حلب بحلول طويلة المدى مثل توحيد سعر الصرف وضبط الأسعار لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتخفيف معاناتهم اليومية.

يواجه اقتصاد مدينة حلب السورية تحولات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، نتيجة سيطرة فصائل المعارضة عليها بعد عملية ردع العدوان والتغيرات الاقتصادية والمالية المصاحبة لها.

ومن بين هذه التحولات كان التعامل بالليرة التركية المتداولة في المناطق المحررة شمال غرب سورية مع استمرار التعامل بالليرة السورية المتهاوية، ما خلق العديد من التحديات في التعاملات المالية اليومية للمدنيين في حلب سواء على مستوى الأسواق أو التعاملات النقدية.

تداول الليرة التركية

ومع دخول الليرة التركية للتداول في حلب شهدت الليرة السورية المزيد من التدهور أمام العملات الأجنبية، ما أفضى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير متوقع، وساهم في تعقيد عمليات البيع والشراء بين المناطق المختلفة، وسبّب مشكلات الاختلاف في أسعار المنتجات بين محل تجاري وآخر.
وبرزت قصص عديدة لأشخاص يكافحون يومياً للتكيف مع الواقع الصعب، فبينما يواجهون الغلاء والاستغلال، يشعرون بالعجز من عدم وجود حلول واقعية تساعد في التخفيف من معاناتهم اليومية.


وقال أحمد الأطرش وهو مدني يعيش في حي السكري بحلب إن "كل شيء أصبح أغلى، بدءاً بالمواد الأساسية مثل الزيت والأرز والطحين والسكر وليس انتهاء بالمحروقات ومواد التدفئة، وتباينت الأسعار بشكل غير طبيعي نتيجة لتغير التعاملات المالية، فبعد أن كان سعر كيس المعكرونة الصغير مثلاً بـ15 ألف ليرة سورية أصبح بـ25 ألف ليرة سورية".
 

غياب الرقابة

أضاف الأطرش أن تباين الأسعار وغياب الرقابة ساهم في تدهور أوضاعهم المادية المتدهورة في الأصل، حيث يعيش معظم المدنيين تحت خط الفقر والرواتب التي يحصلون عليها لا تكاد تغطي الأيام الأولى من كل شهر ليقضوا بقية أيام الشهر غارقين في الدين والحاجة، حيث لا يتجاوز راتب الموظف في أحسن أحواله الـ400 ألف ليرة سورية.
أما سهيلة الرماح المقيمة في حي صلاح الدين فتتحدث عن غياب بعض المواد الغذائية كالسكر من بعض المحلات ورفع التجار للأسعار كما يحلو لهم، مستغلين عدم وجود رقابة عليهم، كما أشارت إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية بشكل جنوني، ما ينعكس سلباً على صحة الأطفال الصغار والمسنين.
وتقول المواطنة السورية: "ما بنعرف (لا نعرف) نحسب بالليرة التركية، كل شي تغير علينا، كنا متعودين نحسب بالليرة السورية، وحتى لما تحولنا من السوري للتركي سعر الصرف يتغير كل يوم ولا نفهم ما هو السعر الحقيقي للسلع، صح قبل ما كانت رواتبنا تكفي لكن كنا نعرف الأسعار ونتسوق حسب إمكانياتنا، أما الآن تنفد المصاري (الأموال) ولا نشتري شيئاً يذكر بسبب عدم وجود رقابة ولا تسعير محدد".

غلاء فاحش في حلب

زينب الدرويش، وهي أرملة، تعاني بشدة الفقر ولم يعد في مقدورها شراء الطعام لأطفالها الأربعة بعد الغلاء الكبير في الأسواق لكل المواد الغذائية، مما يزيد إحساسها بالعجز المفرط، تشير بحسرة شديدة إلى أنها تسعى للحصول على دعم مالي من بعض المنظمات الإنسانية. وتضيف: "حتى لو حصلنا على مساعدات، لا تكون كافية لاحتياجاتنا اليومية، كل شيء يصعد بسرعة، ونعيش في قلق دائم".
وأوضحت أنهم في حاجة إلى "حلول طويلة المدى، وليس مجرد مساعدات عابرة، وبحاجة إلى آلية لتوحيد سعر الصرف بين الليرتين التركية والسورية، لأن أسعار الصعود والهبوط تؤثر بشكل مباشر على حياتنا، فلا بد من التوصل إلى طريقة لضبط الأسعار ومحاسبة التجار الذين يستغلوننا في ظل الفوضى القائمة".

من جانبه، قال نوفل الرسلان وهو صاحب محل تجاري صغير في أحياء حلب القديمة إنه ضائع بمعرفة أسعار المواد الغذائية التي اشتراها بالليرة السورية وكيف يمكن أن يحدد السعر بالليرة التركية؟ خاصة أن بعض الزبائن راحوا يشترون بالليرة التركية في الوقت الذي فقدت الليرة السورية قيمتها أمام العملات الأخرى في الآونة الأخيرة.

تقلبات الأسواق

ويحاول التاجر السوري أن يشرح لزبائنه أن الأسعار تتقلب يومياً تبعاً لتغيرات السوق، وأن مشكلة الغلاء متعلقة بسعر الصرف والتعامل بكلتا الليرتين التركية والسورية في آن واحد عقد عمليات البيع والشراء وفرض متابعة مستمرة لسوق الصرف.
وبين الارتفاع المستمر للأسعار، والاستغلال من قبل التجار، والافتقار إلى حلول إسعافية وشاملة، يواجه سكان مدينة حلب أزمة مالية تجعل من الصعب عليهم تأمين حتى الاحتياجات الأساسية.
وقفز متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص من 9.2 ملايين ليرة في سبتمبر/ أيلول العام الماضي إلى 12 مليون ليرة، في حين لم يقل الحد الأدنى لتكاليف المعيشة عن 7.534 ملايين ليرة، بحسب ما أورد مؤشر مركز "قاسيون" من دمشق، في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويشير المركز إلى أن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية شهد ارتفاعاً، في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بنحو مليونين و528 ألفاً و666 ليرة سورية عن متوسط التكاليف في سبتمبر/ أيلول الفائت، لتقفز التكاليف خلال الربع الأخير من عام 2023 بنسبة 26.5%.

المساهمون