غلاء المعيشة يثقل كاهل اللبنانيين خلال رمضان

استمع إلى الملخص
- تشير ندى نعمة إلى استغلال التجار للظروف وغياب الرقابة الحكومية، حيث ارتفعت بعض السلع بنسبة 100%، مما يساهم في فوضى السوق.
- يؤكد محمد أبو حيدر على أهمية توسيع الرقابة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة، بينما يشير هاني بحصلي إلى استقرار الوضع التمويني وضرورة تفعيل الرقابة لمنع التجاوزات.
يتزايد قلق اللبنانيين في رمضان بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار، الذي يفاقم الأعباء الاقتصادية على الأسر، لا سيما في ظل الأزمة المعيشية المستمرة. وتشهد الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الأساسية، ولا سيما المواد الغذائية، ما يجعل تأمين مستلزمات الشهر الفضيل تحدياً كبيراً للكثير من العائلات. وبينما يُرجع بعض التجار هذا الارتفاع إلى تقلبات الطقس وزيادة الطلب الموسمي، يرى مستهلكون أنّ غياب الرقابة واحتكار التجار يسهمان في تضخم الأسعار بشكل غير مبرر.
وخلال شهر رمضان، تشكو مريم، وهي ربة منزل من بيروت، من الارتفاع الكبير في الأسعار، قائلة لـ"العربي الجديد": "كل سنة مع قرب رمضان، ترتفع الأسعار بشكل كبير، ما يشكّل عبئاً علينا، حيث أصبح سعر الخس دولارين، بينما كان قبل شهر رمضان نصف دولار فقط". وتوضح أنّ أسعار الخضار والفواكه ترتفع فجأة، وكأنّ هناك استغلالاً لفرصة الشهر المبارك. وتضيف: "أصبحنا نختار بعناية ما نشتريه ونتجنب بعض المنتجات التي باتت أسعارها خيالية"، لكنها تشير إلى أنّ بعض المنتجات أصبحت أسعارها غير منطقية، ما جعل من الصعب على العائلات المتوسطة تحمل تكاليفها.
ووفقاً لدراسة مؤشر أسعار الاستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، بلغ معدل التضخم السنوي في لبنان لعام 2024 نحو 45.24%. ومع تزايد الطلب على السلع الغذائية خلال شهر رمضان، هناك ارتفاع ملحوظ في الأسعار، مما يزيد الأعباء المالية على الأسر التي تعاني أصلاً من شحّ الموارد. في السياق ذاته، تلفت نائب رئيس جمعية حماة المستهلك، ندى نعمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ تكلفة صحن الفتوش خلال شهر رمضان تبلغ حوالي 285,000 ليرة لبنانية (أي ما يعادل 4 دولارات).
وتوضح أنّ الخَسّة وحدها بلغ سعرها 175,000 ليرة (أي حوالي 2 دولار)، مشيرة إلى أنه مع بداية شهر رمضان المبارك، تتغير أسعار السلع والمواد الغذائية ويبدأ الجشع عند التجار، حيث بدأ الارتفاع في الأسعار قبل أكثر من أسبوع من بداية الشهر. وتضيف أنّ الأسعار عادة ما تكون مرتفعة في الأسبوع الأول من الشهر، ثم تبدأ بالانخفاض بدءاً من الأسبوع الثاني.
وتفيد نعمة بأنّ "التجار يتذرعون بتأثير الطقس على المحاصيل الزراعية والخضار، ما دفعهم إلى رفع الأسعار، لكن هذا لا ينطبق على جميع السلع، حيث بقيت بعض المنتجات ثابتة في سعرها، فيما ارتفعت بعض السلع بنسبة 20%، وهي زيادة مقبولة مقارنة بسلع أخرى ارتفعت أسعارها بنسبة 60%"، وفق قولها. وتبيّن أنّ هذا الارتفاع يشمل السوبرماركت الكبرى التي تعتمد على كميات كبيرة، بالإضافة إلى الخضار الورقية التي ارتفعت أسعارها بنسبة 100%.
وتشير إلى أنّ "التجار اعتمدوا على استراتيجية ذكية، حيث بدأوا بزيادة الأسعار قبل أسبوع من بداية شهر رمضان، ليصبح الارتفاع تلقائياً بالنسبة للمواطنين مع بداية الشهر. وبذلك، لعب التجار على نفسية المواطنين، مما جعل الأسعار ترتفع منذ بداية الأسبوع". وتؤكد نعمة أنّ "التجار يستغلون كل أزمة أو حالة للتلاعب بالأسعار، وهؤلاء لا يخضعون لأي رادع طالما أنّ الدولة لا تراقب الأسعار ولا تضع قوانين لفرض الرقابة".
وتعترف بأنّه "في ظل غياب الرقابة، لا يمكن إيجاد حلّ لهذه الأزمة وستظل الفوضى مستمرة"، مشيرة إلى أنّ "الوضع لم يتغير منذ 30 عاماً، ولا توجد مرجعية واضحة يمكن أن تحاسب التجار، حيث إنّ الاقتصاد في لبنان يُعتبر اقتصاداً حراً". سمير، وهو صاحب متجر للخضار والفواكه من طرابلس شمالي لبنان، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الأسعار في السوق مرتبطة بالعرض والطلب، ومع قدوم رمضان، تزداد الحاجة لبعض السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها. ويشير إلى أنه يحاول تقديم الأسعار المناسبة بقدر الإمكان، لكن هناك عوامل خارجة عن إرادته، مثل تقلّبات الطقس التي تؤثر على الإنتاج الزراعي، وهذا ينعكس على الأسعار.
من جهتها، تصف فاطمة، وهي طالبة جامعية، الوضع بالقول إنّ "شهر رمضان هذا العام صعب للغاية، خاصة مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أنّها لاحظت ارتفاع الأسعار بشكل لافت، حتى في السوبرماركت، مما دفع العائلات إلى البحث عن العروض التي تتناسب مع احتياجاتها. ويفيد مدير عام وزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ مديرية حماية المستهلك، ومع بدء شهر رمضان لدى المسلمين وكذلك شهر الصوم لدى المسيحيين، تشدد على دراسة 74 سلعة رئيسية في ألف متجر بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وهذه السلع هي الأكثر استهلاكاً خلال فترة الصوم.
ويشير إلى أنّ "الهدف الرئيسي اليوم هو توسيع نطاق الرقابة لتشمل أكبر عدد ممكن من المتاجر، مع التركيز أولاً على الخضار والفواكه والدواجن واللحوم، كما سيتم التنسيق مع الوزارات المعنية لتشديد الرقابة خلال فترة الصوم". ويضيف أنّ وزارة الاقتصاد اللبنانية بدأت بمتابعة الرقابة على المستوردين والموزعين ونقاط البيع؛ بهدف ملاحقة كل حلقات سلسلة الإمداد وتحرير محاضر بالمخالفين وتحويلهم إلى القضاء المختص.
ويوضح أبو حيدر أنه "لا يمكن إغفال موجة الصقيع الأخيرة التي أثرت قليلاً على بعض المنتجات والقطاع الزراعي بشكل عام، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الزراعية في الجنوب التي كان لها تأثير على العرض والطلب"، مشيراً إلى وجود بعض المخالفات في قطاع الخضار، حيث تم تحرير أكثر من 15 محضر مخالفة بحق المخالفين.
من جهته، يؤكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، هاني بحصلي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "موسم رمضان بالنسبة إلى الاستيراد والتجار يبدأ قبل شهر من موعده، حيث يجب أن تكون البضائع المخصصة للتوزيع في السوق جاهزة مسبقاً. وبالتالي، فإن عملية تموين رمضان قد أُنجزت بالفعل، إذ إنّ التموين يتم خلال أول 15 يوماً من الشهر".
ويرى بحصلي أنه "لا توجد ارتفاعات حادة في الأسعار، حيث إنّ الأسعار لم تشهد ارتفاعاً عشوائياً حتى في أصعب الأزمات خلال الشهرين الأخيرين من العام"، وفق قوله، موضحاً أنّ "العوامل التي كان من الممكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار سابقاً لم تتسبب في ذلك، ولن تؤدي إلى أي ارتفاعات حادة في الوقت الحالي"، معتبراً أنّ "تقلبات الأسعار طبيعية، إذ إنها ترتفع أو تنخفض بحسب توافرها في السوق". وأكد أنه "لا توجد أي مشكلة تموينية خلال شهر رمضان، فالبضائع متوفرة بكميات كافية".
وفي ما يتعلق بضبط الأسعار، يشدد بحصلي على أنّ "الوضع التمويني طبيعي"، لافتاً إلى ضرورة قيام أجهزة الرقابة في الوزارات المختصة، ولا سيما وزارة الاقتصاد، بواجباتها لمنع أي تجاوزات من بعض التجار الذين يسعون للاستفادة من الوضع. ويضيف أنه "لا يوجد سبب اقتصادي وتقني بحت يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي لا يمكن للتجار اتخاذ هذا الأمر ذريعة لزيادة الأسعار". ويبيّن أنّ "المراقبة ستكون ذاتية من جانب التجار والمواطنين، كما أنّ آلية المنافسة ستساهم في الحفاظ على استقرار الأسعار".
ويشير بحصلي إلى أنه "حتى خلال فترة الحرب، لم تكن هناك أي أزمة تموينية، بل لجأ بعض المواطنين إلى تخزين المواد الغذائية تحسباً لأي طارئ"، خاتماً بالقول إنّه "نظراً إلى توافر البضائع بكثرة في مستودعات التجار والمستوردين، من المرجح أن يعمد المواطنون إلى استهلاك المخزون الذي قاموا بتخزينه خلال شهر رمضان، بدلاً من تركه لفترات طويلة قد تؤدي إلى تلفه".