غلاء المعيشة يبدّل عادات السوريين الشرائية

غلاء المعيشة يبدّل عادات السوريين الشرائية.. وحكومة الأسد تتدخل في الوقت الضائع

04 اغسطس 2022
بدأ اليوم الخميس تنفيذ قرارات وزارة التجارة بتحديد هوامش الأرباح للجم الغلاء (فرانس برس)
+ الخط -

تفاعلت أخيراً وزارة التجارة في حكومة النظام السوري مع ارتفاع الأسعار والأسواق واستغلال التجار، فبعد فوضى واحتكار رافقهما غياب الرقابة التموينية، حددت حماية المستهلك في دمشق قوائم تتضمن الحدود القصوى للربح في الإنتاج والاستيراد، لرجال الأعمال والباعة والتجار، وبنسب وصفها مختصون "أقل من تبدلات سعر الصرف".

وبعد وصول كيلو السكر إلى نحو 6 آلاف ليرة، مرتفعاً بنحو 50% خلال شهر، ونفاد جلّ السلع المستوردة من الأسواق، كما تؤكد لـ"العربي الجديد" مصادر من العاصمة دمشق، حددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد عدد من المواد ولكافة حلقات الوساطة التجارية.

ويبدأ اليوم الخميس تنفيذ قرارات وزارة التجارة بتحديد هوامش الأرباح، بعد أن حذرت، الأسبوع الماضي، فئات التجار الذين يتعاملون بالمواد الغذائية، من أن البيع بسعر زائد سوف يعرضهم لضبوط وفق المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021 الذي يتضمن الحبس وإغلاق منشآتهم مدة لا تقل عن شهرين.

وتراوح هامش الربح الذي حددته الوزارة لحوالي 50 مادة مستوردة بين 4 – 10بالمئة للمستورد وتاجر الجملة، وبين 5% و13% لبائع المفرق، مخصصة الحد الأقصى للربح بـ9% لتاجر الجملة في حال أنتج أو استورد المواد التي تراجع عرضها بالسوق السورية، مثل (السمن والزبدة الحيوانية والزيت النباتي وزيت الزيتون والملح، والنشاء واللحوم والحليب المجفف كامل الدسم وخالي الدسم وحليب الأطفال ومستحضرات أغذية الأطفال، والمتة والمشروبات الغازية والكحولية، والطحين المنتج والخبز السياحي والصمون والكعك، والبقوليات والبرغل والفريكة ومكعبات الثلج والمخللات، وأنواع من الأسمدة والبذور الزراعية والمستورد من الألبسة المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5% و13%.

وحول السلع التي ارتفعت أسعارها بنسبة كبيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، حددت لها وزارة حماية المستهلك هامش ربح أقل (الأرز والسكر ومعلبات اللحوم والسمسم والطحينة والحلاوة، والشاي المستورد والبن بأنواعه والطحين المستورد والدفاتر المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5% و9%.

ويصف الاقتصادي علي الشامي خطوة وزارة التجارة بـ"المتأخرة جداً"، فالأسعار برأيه تتزايد في الأسواق من دون أي ضابط ورقابة منذ سنوات، لافتاً إلى أن آلية رقابة الأسواق وضبط الأسعار "أمر مستحيل"، فعناصر الرقابة بالوزارة لا تغطي سوقاً بدمشق، كما أن الحكومة عندما تحدد سقف أسعار "عليها أن تقدم البدائل وتدخل السوق كمنافس"، في حين انسحبت وزارة حماية المستهلك من الأسواق، بعد أن كانت منافساً ايجابياً من خلال مؤسسات التجارة الحكومية.

ويضيف الاقتصادي السوري لـ"العربي الجديد" أن تدخل الوزارة اليوم "لذر الرماد في العيون" ولن ينعكس على الأسعار وحياة المستهلكين، فإن حددت الوزارة من خلال قراراتها، أمس، سعر كيلو السكر بالسوق بـ4200 ليرة، في حين سعره مدعوماً "بالبطاقة الذكية" لا يتجاوز ألف ليرة، فهذا يعني "فلتان ومحاباة لتجار السكر المعروفين بدقة من السوريين".

ويتساءل الشامي: "هل سبق أن نظمت الوزارة ضبوطاً بحق التجار المحتكرين للاستيراد؟ أم تقتصر، وكل فترة، على تغريم بائعي المفرق وصغار الموردين بالداخل، لافتاً بالآن نفسه إلى ما أسماه الفردية في اتخاذ القرارات، إذ من المفترض برأيه، أن يتم التنسيق مع الجهات المعنية بالسوق والاستيراد ووزارة المالية، قبل أن تحدد وزارة حماية المستهلك الأسعار بالاعتماد على نشراتها (النظرية) السابقة أو تقارير مندوبيها بالأسواق".

وزادت معاناة السوريين بعد ارتفاع الأسعار ونفاد السلع المستوردة من الأسواق، بعد تحديد حكومة بشار الأسد السلع المستوردة وانسحابها من تمويل المستوردات، بل وملاحقة التجار حول دولار الاستيراد والتصدير وفرض "إتاوات وغرامات" بحق كل من لا يكشف عن مصدر قيم المستوردات، أو فرض التصريف بشركات الصيرفة المقربة من الحكومة، وبأسعار منخفضة.

وبين مصاريف تزيد عن 3 ملايين ليرة، بحسب مراكز بحثية بدمشق، ودخل شهري لا يلامس 100 ألف ليرة سورية، يعيش السوريون جهنمهم وحرمانهم من دون أي آمال بانفراجات اقتصادية تلوح بالأفق، بحسب ما تقول الإعلامية "ح. م" من دمشق، بل تأتي انقطاعات الكهرباء لأكثر من 20 ساعة وتقنين المياه، اليوم، لتزيد "عصة قبر" السوريين على حسب وصفها.

وتقول الإعلامية، التي طلبت عدم ذكر اسمها صريحاً، إن الغلاء الفاحش بالأسواق و"الاستهتار" الحكومي وغياب الرقابة تزيد من مساعي السوريين للهجرة "بأي شكل ومهما بلغت التكاليف"، إذ أصبحت الحياة مستحيلة بواقع سعر صحن البيض (30 بيضة) 20 ألف ليرة وبيع الخبز بالسوق السوداء بسعر يتجاوز 1300 ليرة للربطة "أقل من كيلوغرامين".

وتضيف المتحدثة أن الخضر والفواكه الموسيمة، في بلد توصف بالزراعية ويفيض إنتاجها عن حاجة الأسواق، باتت صعبة المنال للأسر السورية، فسعر كيلو التفاح اليوم نحو 4500 ليرة وكيلو الدراق 5500 ليرة ويتراوح سعر الإجاص والخوخ بين 3500 و4 آلاف ليرة، "فماذا سيأكل السوريون؟".

وكانت مصادر متطابقة من العاصمة السورية قد أكدت اليوم، لـ"العربي الجديد"، نفاد سلع "بشكل كامل" من المحال، أهمها السكر والمتة والزيوت، الأمر الذي دفع التجار والباعة الذين يحتكرون تلك السلع لرفع الأسعار، فتعدى سعر كيلو السكر 6 آلاف ليرة سورية.

وتلفت المصادر إلى انتشار عادة شراء الخضر والفواكه بالحبة والبطيخ الأحمر بـ"الحز"، رغم أن البطيخ أرخص سلعة بالأسواق، إذ يتراوح سعر الكيلو بين 400 و450 ليرة سورية، في حين يزيد سعر كيلو البطيخ الأصفر عن 800 ليرة.

ولا يرى الاقتصادي السوري محمود حسين "أملاً بالانفراج"، بل على العكس: "للأسف ستزيد معاناة أهلنا" بواقع تثبيت الأجور عند 100 ألف ليرة وارتفاع الإنفاق الشهري عن 3 ملايين ليرة، مشيراً خلال تصريح لـ"العربي الجديد" إلى دور تهاوي سعر الليرة التي سجلت مقابل الدولار، اليوم الخميس، 4250 ليرة، بارتفاع أسعار السلع والمنتجات.

وبحسب دراسة أجراها مركز "قاسيون" الشهر الماضي، تجاوز المعدل الوسطي لتكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد حاجز ثلاثة ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى مليونا و881 ألفا و858 ليرة سورية، في حين لا يزيد متوسط الأجور والرواتب بسورية عن 100 ألف ليرة.

وكان مدير "مكتب الإحصاء المركزي" السابق شفيق عربش قد كشف، أخيراً، أن معدل الفقر في سورية بلغ 90% بين عامي 2020 و2021، مضيفاً خلال تصريحات لإذاعة "شام إف إم" المحلية أن "واقع الأمن الغذائي في البلاد مهدد حالياً، وكلما انخفض ساهم بزيادة معدل الفقر".

ويضيف عربش أنه وفقاً لإحصائيات أجريت بالتعاون بين "المكتب المركزي للإحصاء" وبرنامج الغذاء العالمي، فإن "نحو 8.3% من الأسر تعاني من انعدام شديد بالأمن الغذائي، و47.2% يعانون من انعدام متوسط، في حين يتمتع نحو 39.4% بأمن غذائي مقبول، ولكنهم معرضون لانعدامه مع أي صدمة تتعلق بارتفاع الأسعار".

في المقابل، ووفق "برنامج الأغذية العالمي"، يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 12.4 مليون سوري - من إجمالي عدد السكان المقدّر بحوالي 16 مليون - من انعدام الأمن الغذائي، وهي زيادة مقلقة بلغت 3.1 ملايين في عام واحد.

المساهمون