استمع إلى الملخص
- الأدوية التركية المهربة، التي تشكل 90% من السوق، تثير قلق الصيادلة بسبب فعاليتها المنخفضة وتاريخ صلاحيتها المشكوك فيه، رغم أنها أرخص بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بالأدوية المستوردة بطرق شرعية.
- في ظل غياب سياسة صحية واضحة، يبقى السوق مفتوحاً للأدوية المهربة، مما يضع المرضى في موقف صعب، ويثير تساؤلات حول تحسين الوضع عبر استيراد الأدوية رسمياً وفرض رقابة جودة.
وسط أزمة اقتصادية تزداد تفاقماً، يجد السوريون أنفسهم أمام خيارات صعبة في ما يتعلق بالرعاية الصحية، إما شراء الأدوية المحلية بأسعار باهظة تفوق قدراتهم المالية، أو اللجوء إلى الأدوية رخيصة الثمن وذات فعالية علاجية مشكوك في أمرها، معظمها أتى عن طريق تركيا. وخلال الأسابيع الماضية؛ غزت الأدوية التركية صيدليات كثيرة في محافظات الجنوب السوري، حيث تشير المعلومات التي توفرت لـ"العربي الجديد " وتقارير بعض الوسائل الإعلامية المحلية إلى أن 90% من هذه الأدوية تدخل البلاد عبر التهريب.
وتوضح إيناس، إحدى الصيدلانيات في محافظة درعا، التي فضلت إخفاء اسمها: "لن أشارك في أمر كهذا ولن أبيع الأدوية المهربة في صيدليتي، خاصة الأدوية التركية، لأن فعاليتها منخفضة ومشكوك في تاريخ صلاحيتها". وبحسب إحدى الصيدلانيات في مدينة جرمانا في ريف دمشق، فإن أصناف الأدوية التركية التي دخلت السوق السورية هي أدوية الإنفلونزا الموسمية والرشح، والأدوية المضادة للالتهابات والوذمة، وبعض المسكنات.
وبالرغم من التحذيرات، فإن الإقبال على شراء الأدوية مجهولة المنشأ والتركية بات الخيار الأفضل لشريحة واسعة من الناس نتيجة ضيق الحال الاقتصادي، حيث تقل أسعارها بنسبة 40% عن بعض الأدوية السورية، ويصل بعضها إلى نسبة 80% عن الأجنبية المستوردة بطرق شرعية. وتقول عبير الحسين من ريف السويداء لـ"العربي الجديد": "اشتريت مضاد وذمة تركياً بسعر 41 ألف ليرة، بينما الوطني يكلف 70 ألف ليرة. لم أشعر بأي تحسن، لكننا مجبرون على شراء الأرخص فأسعار الأدوية التي تحتاجها ابنتي ضعف راتب زوجي".
من جانبه، قال الشاب محمد خير الله من ريف دمشق الجنوبي الشرقي لـ"العربي الجديد": "اضطررت لشراء هذا الدواء لأنه أرخص من الدواء الوطني بحوالي نصف الثمن"، مشيراً إلى أنه يعاني من أعراض التهاب الكلى: "الدواء الوطني حافظ على سعره رغم انخفاض سعر الصرف والمحروقات، ما يجب أن يؤثرا طرداً بالمنطق، لكن ذلك لم يحدث، ولذلك جاء الدواء التركي حلاً مؤقتاً رغم أن مدة فعاليته أقل".
وحول عامل رخص أسعار الأدوية التركية، تقول الصيدلانية همسة ناصيف من السويداء؛ إن تكلفة إنتاج الدواء السوري مرتفعة بسبب الحاجة إلى الوقود بكميات كبيرة وارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة بالدولار، أما الأدوية التركية، فتُنتج بمواد أولية قد تكون أقل جودة، أو لأن تاريخ الأدوية المهربة قد يكون معدلاً، عدا تهربها من الرسوم الجمركية، ما يجعلها أرخص. لكن هذه الميزة تأتي على حساب الفعالية، حيث تشير إلى أن الأدوية التركية قد تحتوي على نسبة أقل من المادة الفعالة، ما يقلل من تأثيرها العلاجي. وقبل سقوط نظام الأسد، كان بيع الأدوية غير النظامية ممنوع رسمياً، لكنه كان يحدث على نطاق واسع بعيداً عن أعين الرقابة. اليوم، ورغم تصريحات مسؤولي الصحة، لا تزال الصيدليات تبيع الأدوية المهربة من دون رادع.
وفي تصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة الصحة ونقابة الصيادلة للإعلام الرسمي أيام نظام الأسد، أكدوا جميعهم أن الأدوية الأجنبية المسموح بها هي المستوردة بشكل نظامي من قبل الوزارة. ودائماً ما كانت تزعم تلك التصريحات بأن الأدوية الوطنية تغطي الحاجة الصحية للسوريين. وأنه لا حاجة لاستيراد جميع أصناف الدواء الأجنبي. لكن معاناة السوريين من نقص حاد في العديد من الأدوية الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة كأدوية القلب والتنفسية والسرطان، كانت تجبر الناس على شراء الأجنبي حتى المهرب منه.
يعيش السوريون في دوامة لا تنتهي؛ أدوية وطنية بأسعار مرتفعة، أو أدوية مهربة رخيصة لكنها قد لا تنفع، في ظل غياب سياسة صحية واضحة وانهيار القدرة الشرائية لليرة السورية، ما يضطر المرضى للمخاطرة بصحتهم لأنهم ببساطة لا يملكون خياراً آخر. ويتساءل صيادلة ماذا لو أن الأدوية التركية والمهربة دخلت البلاد عبر قنوات رسمية ومن دون جمارك، على أن تكون خاضعة لرقابة جودة أعلى؟ معتبرين أن غياب الاستيراد النظامي يجعل السوق مفتوحةً أمام الأدوية المغشوشة وغير ذات فاعلية علاجية.