غزة في قبضة السوق السوداء... والأسعار تقفز 40% خلال شهر

17 ابريل 2025
فلسطينيون يتسوقون في سوق بين مبانٍ مُدمرة (محمود عيسى/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاوت الأسعار وارتفاعها: يشهد سوق غزة تفاوتاً في أسعار السلع الأساسية بسبب الحصار والحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023، مما يؤدي إلى عدم استقرار الأسعار وتأثرها بالأحداث الميدانية والسياسية.

- رواج السوق السوداء: ندرة السلع وغياب الإمدادات بسبب إغلاق المعابر أدى إلى ازدهار السوق السوداء، حيث تباع السلع بأسعار مضاعفة، مما يؤثر على الاقتصاد المحلي ويستنزف جيوب المواطنين.

- تحديات اقتصادية وحلول مقترحة: تعاني غزة من غياب سلطة النقد، مما يترك السوق تحت سيطرة السوق السوداء. الحلول تشمل فتح المعابر، إنشاء نظام توزيع عادل، وعودة الجهات الحكومية لضبط الأسواق.

 

في سوق مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، يقف أحد الباعة ينادي على سلعة السكر بسعر 40 شيكلاً للكيلو الواحد، وعلى بعد أمتار قليلة يقف بائع آخر، ينادي على السلعة نفسها بسعر 45 شيكلاً للكيلو (الدولار = 3.8 شواكل)، في مشهد بات مألوفاً بين المواطنين بتفاوت أسعار السلع الأساسية في السوق نفسه وبين بائع وآخر.

ويأتي ذلك في وقت كشفت فيه إحصائية رسمية، ارتفاعاً حاداً للأسعار، خلال شهر مارس/ آذار في قطاع غزة بنسبة 40.58%، مقارنة بشهر فبراير/ شباط 2025، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أول من أمس الأربعاء.
وهذه الحالة يمكن وصفها بأنها نتيجة حالة "التشوّه الاقتصادي" التي أفرزتها فترات الحصار والحرب المستمرة على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي يقصد بها عدم قدرة الأسواق على العمل بكفاءة وبصورة عقلانية، بحسب مراقبين.
وقال الفلسطيني حمدي سعدة (58 عاماً) إنّ اختلاف سعر السلعة الواحدة في السوق نفسه بات دارجاً، "فقد نجد نفس السلعة تُباع بأسعار متعددة". وقال سعدة لـ"العربي الجديد": "من الصعب أن تبقى نفس السلعة ثابتة في الأسواق، فهي تتحرك صعوداً وهبوطاً بناءً على جملة من الأحداث الميدانية والسياسية التي تتعلق بالحرب على غزة".

وأضاف: "اعتاد المواطنون على تغيّر دراماتيكي وسريع في الأسعار، فيحدث أن نحصل على أكثر من سعر لنفس السلعة في ساعة واحدة". وهذا التغير في الأسعار ناتج عن حالة القلق والترقب من الباعة والمشترين للأحداث الميدانية التي تشتد ساعة وتهدأ أخرى. ويمكن لخبر عن قرب فتح المعبر أنّ يخفض سعر كيلو السكر من 45 شيكلاً إلى 15 شيكلاً، وفق حديث سعدة.

رواج له أسباب

والمعروف أن السوق السوداء تعمل في الخفاء بعيداً عن تحركات السوق الرسمية وعمل الحكومة، فهي الاستثناء، ولكن في غزة الأمر على النقيض تماماً. فخلال عام ونصف العام من الحرب، راجت السوق السوداء في غزة، حتى حلّت بديلاً عن السوق المنظمة، بعدما عمَدت إسرائيل إلى تدمير جميع مقومات الاقتصاد الفلسطيني.

ولعل ندرة السلع وغياب الإمدادات، أحد أبرز الأسباب التي دفعت إلى رواج السوق السوداء، فمع إغلاق المعابر والتحكم في السلع التي تدخل إلى أسواق القطاع، باتت الأسواق تفتقر إلى عديد السلع الأساسية.
وقال تاجر البقوليات في سوق الشيخ رضوان محمود جبر لـ"العربي الجديد" إن أسعار عديد السلع ترتفع تدريجياً مع شحّها في الأسواق وعدم وجود كميات تغذي طلب المواطنين عليها. وأضاف جبر: "هناك الكثير من السلع التي يقل عرضها بالأسواق في وقت يزداد الطلب عليها، وهو ما يعتبر سبباً في ارتفاع سعرها".
ولفت إلى أن ضخ كميات من السلع في الأسواق بصورة مستمرة، سيدفع نحو خفض الأسعار وسيقضي على السوق السوداء.
شح الوقود والسيولة.

رواج الوقود في السوق السوداء

كما أن شح الوقود أدى إلى رواجه في السوق السوداء وبيعه بأسعار مضاعفة، مقارنة بسعره الرسمي، بحسب التاجر الفلسطيني، الذي أشار إلى أن ذلك يحدث في وقت يعتبر الوقود المحرّك الأساسي للتضخم، وانعكس الارتفاع في سعره على عديد السلع والخدمات المرتبطة به، كالارتفاع الملحوظ على أسعار المواصلات.

ووفق مصدر في وزارة الاقتصاد بغزة، فإن كميات الوقود التي دخلت إلى قطاع غزة خلال شهور الحرب على غزة لا تتعدى 20% من الكميات التي كانت تدخل قبل الحرب.

وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ "العربي الجديد": "خلال فترة وقف إطلاق النار، سمحت إسرائيل بإدخال 15 شاحنة يومياً في أحسن الحالات، في وقت كانت الاتفاقية تنص على إدخال 50 شاحنة".
ولم يتوقف ظهور السوق السوداء على السلع، لتنشط في سوق العملات في وقت تعاني فيه الأسواق شحّاً في السيولة وغياباً كاملاً لعمل سلطة النقد والبنوك عن أسواق قطاع غزة.
ويضطر المواطنون إلى التعامل في السوق السوداء ودفع نسبة من أموالهم تُقدّر بثلث المبلغ، مقابل حصولهم على النقد من حساباتهم البنكية. وراجت السوق السوداء على سحب الأموال، بعدما أغلقت البنوك العاملة في قطاع غزة أبوابها وتوقفت سلطة النقد عن إدخال النقص في السيولة كما كان معمولاً به قبل الحرب على غزة.

خسارة الأموال

ونتيجة لذلك، يضطر المواطنون إلى خسارة جزء من أموالهم مقابل حصولهم على النقد، وهو ما يستنزف جيوبهم، في وقت تسيطر فيه السوق السوداء بالكامل على سوق العملات. فالفلسطيني تامر رمضان من مخيم النصيرات وسط القطاع اضطر إلى الحصول على الكاش مقابل دفع 32% من قيمة المبلغ، في نشاط غير مسبوق للسوق السوداء على سحب الأموال.
وقال رمضان لـ"العربي الجديد": "فقدت قرابة ثلث المبلغ المالي للحصول على سيولة، لقد دفعت 32 شيكلاً مقابل الحصول على 100 شيكل من أموالي نقداً".

وتساءل عن سبب الغياب الكامل لسلطة النقد والبنوك الفلسطينية، والتي تركت سوق النقد للتجار في السوق السوداء يتلاعبون بنسب التكييش والحصول على عمولة مرتفعة. وتجدر الإشارة إلى أنه بجانب نقص السيولة، يوجد كميات ضخمة من الأموال التالفة والتي يرفض الباعة والمشترون التعامل بها، لتكون بمثابة "الشيكل الخامل" الذي يعقّد من أزمة السيولة.
ولعل ما يزيد الأزمة تعقيداً، رفض التجار التعامل بفئات معينة من النقد، خصوصاً فئة الـ 10 شواكل، ما يضاعف أزمة السيولة ويحجّم الكتلة النقدية في الأسواق.
وخلال شهور الحرب، استخدمت إسرائيل التجويع سلاحاً نفسيّاً، ما جعل المدنيين في حالة قلق دائم من فقدان السلع، ما يدفع الناس إلى تخزين المواد وشرائها بأي سعر، وهو ما تستفيد منه السوق السوداء.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن استهداف المباني الحكومية وتشتت الأجهزة الرقابية، واحتكار بعض التجار للسلع، سببٌ آخر في رواج السوق السوداء. فالجهات الحكومية فقدت القدرة على ضبط السوق أو التدخل الفعّال، في وقت يصعب إيجاد سياسات لدعم الفقراء، أو ضبط الأسعار، أو منع الاحتكار.
ووفق مختصين اقتصاديين فإن تحجيم عمل السوق السوداء يكمن في فتح المعابر بشكل كامل مع قطاع غزة من دون قيود على أي سلع تمنع السلطات الإسرائيلية إدخالها، بالتزامن مع إنشاء نظام توزيع عادل للسلع الأساسية، وعودة الجهات الحكومية إلى المتابعة وضبط الأسواق بشكل كامل.

المساهمون