غزة بين سمساري عقارات... ترامب وهشام طلعت

09 فبراير 2025
ترامب وهشام طلعت يتنافسان على مشروع إعادة إعمار غزة/ العربي الجديد
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الخطط والمشاريع المقترحة: يسعى ترامب لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق" عبر تهجير السكان واستثمارات أمريكية، بينما يخطط هشام لإعادة الإعمار بتكلفة 30 مليار دولار دون تهجير، مع بناء 200 ألف وحدة سكنية وتطوير البنية التحتية.

- التحديات والانتقادات: يواجه كلاهما انتقادات لعدم فهمهما للقضية الفلسطينية كأزمة سياسية، وتجاهل واقع الاحتلال ورفض الفلسطينيين للتهجير.

- المصداقية والاتهامات: يواجه ترامب اتهامات بتزوير السجلات التجارية، بينما أُدين هشام في قضية قتل، مما يثير تساؤلات حول مصداقيتهما.

بات مستقبل غزة وإعادة إعمار القطاع المدمر محصوراً بين اثنين من كبار سماسرة العقارات في العالم والمنطقة العربية، الأول هو دونالد ترامب الرئيس الأميركي الحالي، وأحد أبرز مطوري العقارات داخل الولايات المتحدة والعديد من دول العالم، حيث يمتلك إمبراطورية عقارية ومشاريع سكنية ضخمة وفنادق شهيرة ومنتجعات فارهة وكازينوهات وملاعب غولف في دول عدة. إضافة إلى ثروة تتجاوز 10 تريليون دولار.

والثاني هو رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى الذي يمتلك واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في منطقة الشرق الأوسط، وتنتشر مشروعاته في العديد من دول المنطقة منها مصر والسعودية والإمارات وليبيا والعراق والأردن وسلطنة عمان. وقد اقترن اسمه بمشروعات عمرانية كبرى منها الرحاب ومدينتي في العاصمة المصرية القاهرة، وأخرى في التجمع والقاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية.

الاثنان، ترامب وهشام، يتصرفان بعقلية السمسار والمضارب وقناص الصفقات وتاجر العقارات تجاه قطاع غزة المحاصر وتجاهل مأساة سكانها المشردين والمحاصرين، وكأن غزة عقار خاص أو قطعة أرض مملوكة لشركاتهما، وينظران إلى القطاع المحاصر على أنه فرصة عقارية جذابة ومشروع استثماري بامتياز يمكن من خلاله حصد الصفقات الضخمة والسريعة، وتراكم الثروات الشخصية في البنوك، وزيادة القيمة السوقية للشركات التابعة لهما والمدرجة في البورصات وأسواق المال.

ترامب وهشام ينظران إلى القطاع المحاصر على أنه فرصة عقارية جذابة ومشروع استثماري بامتياز يمكن من خلاله حصد الصفقات الضخمة والسريعة

الرئيس الأميركي ترامب يرى صفقة مالية كبيرة وطويلة الأمد في القطاع، الذي تعرض لحرب إبادة جماعية من قبل جيش الاحتلال على مدى أكثر من 15 شهراً، يراه فرصاً ثمينة لحصد مزيد من الأموال لشركاته أولاً وللشركات الأميركية ثانياً من مشروع "ريفيرا الشرق" كما أطلق عليه، لا يهمه المتاجرة بآلام شعب يعاني الاحتلال والفصل العنصري والقتل والإبادة منذ عقود. المهم هو أن تنتعش أسهم شركاته في "وول ستريت".

ونظرة إلى التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي نجد أن ترامب وإدارته الجديدة يتعاملون مع غزة باعتبارها "صفقة عقارية" بحتة، حيث قال قبل أيام :"في الأساس، ستتعامل الولايات المتحدة مع الأمر على أنها استثمار عقاري، فغزة بالنسبة لنا هي صفقة عقارية، حيث سنكون مستثمرين في تلك المنطقة، ولن نتعجل في اتخاذ أي خطوة".

موقف
التحديثات الحية

وفي مناسبات عدة يؤكد ترامب خطته بشأن "الاستيلاء" على قطاع غزة وتحويله إلى ما أسماه "ريفييرا الشرق"، وينظر إلى المشروع القائم على جثث ما يزيد عن 46 ألف فلسطيني استشهدوا في الحرب الأخيرة على أنه صفقة سهلة مضمونة الربح والعائد، ويتم تنفيذها بدون معوقات كثيرة على الأرض.

فالقطاع سيتم تفريغه تماماً من سكانه الأصليين، أهالي غزة سيتم تهجيرهم إلى مصر والأردن ودول أخرى وفق خطة ترامب ووعوده المعلنة، ودول الخليج الثرية ستتحمل تكلفة إعادة إعمار القطاع المدمر تماماً. والمشروع سيكون جاذباً لاستثمارات ضخمة تفوق تريلوني دولار ستحصد الشركات الأميركية النصيب الأكبر منها.

أما المقاول المصري هشام طلعت مصطفى فقد ذهب إلى ما هو أبعد من الوعود والمقترحات حيث رسم بالفعل خطوات تنفيذية لإعادة إعمار غزة، فقد كشف قبل أيام عن خطة لإعادة الإعمار خلال ثلاث سنوات وبتكلفة 30 مليار دولار. ورسم ملامح الخطة التي تشمل تطوير البنية التحتية وبناء مساكن ومدارس ومستشفيات، بالتعاون مع شركات عربية ودولية.

ويبدو أن هشام لديه تفاصيل لمشروع عمل عليه بالفعل ويتضمن إقامة 200 ألف وحدة سكنية لتوفير مأوى لنحو 1.1 إلى 1.3 مليون فلسطيني، وبتكلفة إجمالية ستصل إلى 20 مليار دولار لبناء 20 مليون متر مسطح من المباني بمساحة 100 متر مربع لكل وحدة، وأن سعر المتر المربع لا يقل عن ألف دولار.

مشكلة السمسارين العقاريين أنهما لا يفهمان سياسة وقضايا مثل الأمن القومي للدول، ولا يعرفان أصل القضية الفلسطينية، وأنها قضية وجود وأزمة سياسية معقدة وليست فرصة استثمارية أو مالية

ووفق خطته: "نستطيع بناء 200 ألف وحدة سكنية خلال ثلاث سنوات على ست مراحل عن طريق تعاون 40 إلى 50 شركة مقاولات. كما أن قطاع غزة يحتاج أيضاً إلى بنية تحتية تشمل المياه والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الأخرى، بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار، بالإضافة إلى ثلاثة مليارات أخرى للخدمات الصحية والتعليمية والرياضية والتجارية والترفيهية؛ وبذلك، تصل التكلفة الإجمالية للخطة إلى 27 مليار دولار، إضافة إلى ثلاثة مليارات لمشروعات أخرى".

مشكلة السمسارين العقاريين، ترامب وهشام، أنهما لا يفهمان سياسة وقضايا مثل الأمن القومي للدول، ولا يعرفان أصل القضية الفلسطينية، وأنها قضية وجود وأزمة سياسية معقدة بالدرجة الأولى وليست فرصة استثمارية أو حتى أزمة مالية، ولا يرغبان في تحميل دولة الاحتلال نتائج جرائم حرب الإبادة الجماعية وسياسة الفصل العنصري والتمييز التي تمارس بحق الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، ويتجاهلان واقعاً يقول إن أصحاب الأرض يرفضون التهجير، أو تحويل بلدهم إلى مشروع سياحي فاخر أو متنزه لأثرياء ومليارديرات العالم، وإنه حتى لو تم تنفيذ تلك المشروعات الحالمة فمن يضمن عدم استهدافها مجدداً من قبل قوات الاحتلال كما جرى بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

صحيح أن سمسار مصر اختلف في بعض التفاصيل عن سمسار أميركا بشأن غزة حيث اقترح خطة بديلة لمقترح ترامب، تتمثل في إعادة إعمار القطاع من دون تهجير سكانه، بل أكد أن خطة سمسار أميركا بشأن تهجير سكان غزة وإعادة إعمارها، غير منطقية ومستحيلة التنفيذ على أرض الواقع، لكن ما يجمع الرجلين الكثير، منها مثلاً التعامل مع أعقد الملفات على أنها صفقة يمكن أن تدر المال الوفير، والعمل لصالح الكيانات الاقتصادية المملوكة لهما، ومنها أيضاً ارتكاب جرائم جنائية، فالمقاول المصري مدان في قضية قتل، ففي العام 2010 قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن لمدة 15 عاماً على هشام طلعت في قضية مقتل مطربة لبنانية بدلاً من الإعدام (حكم أول درجة).

وفي العام 2024 أُدين ترامب في 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير السجلات التجارية والتستر على مدفوعات مالية سرية لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية تدعى ستورمي دانيلز، والتي قالت إنها أقامت علاقة جنسية معه، مما يجعله أول رئيس أميركي يوصف بأنه "مجرم مدان".

المساهمون