غزة: الاحتلال يختتم 2020 بغارات التجويع

غزة: الاحتلال يختتم 2020 بغارات التجويع

28 ديسمبر 2020
جانب من الدمار الذي تعرض له القطاع بسبب قصف طائرات الاحتلال (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أيام من نهاية العام 2020 الذي كان قاسياً على الاقتصاد الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، أضافت إسرائيل بصمتها الخاصة كالعادة ليختتم العام بمزيد من الاستهداف المباشر للاقتصاد الغزّي الذي يقترب من الانهيار يوماً بعد يوم.

واستهدفت طائرات حربية إسرائيلية ليل الجمعة وفجر السبت الماضيين، محيط منشآت اقتصادية شرقي مدينة غزة محدثة دماراً كبيراً في أكبر مصنع للنايلون ومصنع للبلاستيك وشركة للمشروبات الغازية، ما أدى لتعطل عشرات العمال عن أعمالهم نتيجة الدمار الذي حل بالمنشآت التي يعملون بها.

ونددت وزارة الاقتصاد في غزة بالقصف الإسرائيلي، وأشارت إلى خسائر كبيرة لحقت بعدد من المصانع والمنشآت الاقتصادية، والتي يأتي استهدافها في إطار "تشديد الحصار على القطاع وتدمير المنشآت الاقتصادية".

ويقول المتحدث باسم وزارة الاقتصاد في غزة التي تديرها حركة حماس، عبد الفتاح أبو موسى، إن الاستهداف الإسرائيلي الأخير للمنشآت الاقتصادية أدى لتعطل 35 عاملاً بشكل كامل كانوا يعيلون قرابة 250 فرداً من أسرهم.

ويوضح أبو موسى لـ "العربي الجديد" أن الرواية الإسرائيلية بشأن استهداف منشآت عسكرية كاذبة وغير صحيحة، إذ إن المنشآت المستهدفة هي مصانع ومنشآت اقتصادية بحتة ذات طابع مدني تشكل مصدراً للرزق لعشرات الأسر في غزة.

تدمير مصانع

ووفقاً للمتحدث باسم وزارة الاقتصاد في غزة، فإن المنشآت المتضررة بفعل القصف الإسرائيلي هي مصنع للمشروبات الغازية ومصنع لصناعة النايلون بالإضافة إلى منجرة للأثاث عدا عن عشرات المحال التجارية القريبة من هذه المنشآت.

ويشير إلى أن هناك حرصا إسرائيليا متواصلا على تدمير كل مقومات الاقتصاد في غزة إما بالقصف المركز بالغارات أو بعرقلة إدخال المواد الخام والمعدات اللازمة للمنشآت الصناعية تحديداً تحت الغطاء الأمني وذريعة استخدام المواد في الصناعات العسكرية. وقال عمر الرملاوي، وهو مالك مصنعين لإنتاج "النايلون والبلاستيك"، إن خسائر كبيرة لحقت بمصنعيه، تقدّر بنحو 300 ألف دينار أردني (نحو 410 آلاف دولار أميركي).

وتابع الرملاوي لوكالة الأناضول: "مصنع البلاستيك أصابته أضرار كبيرة جدا، وهو شبه مدمر، بينما طاول الضرر الجزئي مصنع النايلون".

وأوضح أن القصف الإسرائيلي تسبب بحرمان نحو 60 عاملا من وظائفهم في المصنعيْن.

وتأتي التطورات الأخيرة وعمليات القصف لتزيد أوجاع القطاع الصناعي الذي تدهورت أوضاعه بسبب تداعيات جائحة كورونا. وكان اتحاد الصناعات الإنشائية في قطاع غزة، أعلن الأسبوع الماضي أن أنشطة القطاع تقلصت إلى أدنى مستوى لها نظراً لحالة التدهور الاقتصادي وغياب المشاريع الدولية وتفشي فيروس كورونا على نطاقٍ واسع خلال الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى أن الطاقة الإنتاجية العاملة تراوح حاليا بين 5 و7 في المائة فقط في أفضل الأحوال.

وقال أمين سر الاتحاد محمد العصار، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إن هناك ندرة في المشاريع الدولية المتعلقة بالإنشاءات عدا عن عدم استكمال عملية إعادة الإعمار وقلة السيولة النقدية، بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية المتخذة لمواجهة انتشار كورونا مثل الإغلاق الجزئي.

ويقدر إجمالي الخسائر المباشرة خلال الفترة الأخيرة لقطاع الصناعات الإنشائية في غزة بنحو 1.56 مليون دولار شهرياً، في الوقت الذي يزيد فيه إجمالي الخسائر غير المباشرة عن 3 ملايين دولار شهرياً.

ويبلغ العدد الإجمالي للمنشآت في قطاع الصناعات الإنشائية في غزة حوالي 820 منشأة موزعة على كافة القطاعات، فيما يقدر حجم رأس المال العامل والمتغير لهذه الصناعات بنحو 120 مليون دولار، وفقاً لإحصائيات الاتحاد.

ضرب بنى تحتية

وقالت بلدية غزة، إن الطائرات الإسرائيلية قصفت، فجر السبت الماضي، "خط المياه الرئيسي، المغذّي للأحياء الشرقية من المدينة، ما أدى إلى تدمير جزء كبير منه".

وتابعت، في بيان صحافي، أن الأضرار لحقت بالخط بطول "نحو 50 مترا، كما تعرّض الشارع لأضرار كبيرة".

وأوضحت البلدية أن "كمية المياه الواصلة إلى المناطق التي يغذّيها الخط الرئيسي، ستشهد تذبذبا إلى حين إصلاحه".

وطالبت البلدية "المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، بالوقوف عند مسؤوليتها وتجنيب المدنيين والمنشآت المدنية والإنسانية من الاعتداء".

وفي سياق آخر، قالت شركة توزيع الكهرباء بغزة إن "دمارا كبيرا طال شبكات الكهرباء، نتيجة القصف". وأضافت، في تصريح:" إن قيمة الأضرار في قطاع الكهرباء تقدّر بما يزيد عن 20 ألف دولار".

استهداف المنشآت الاقتصادية

وكثيراً ما تعرضت المنشآت الاقتصادية للدمار، خصوصاً في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، إذ بلغ عدد المنشآت التي تضررت حوالي (5427) منشأه اقتصادية، فيما قدرت خسائرها المباشرة وغير المباشرة بحوالي (284) مليون دولار.

ويتجه قطار الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة بخطى متسارعة نحو الانهيار الشامل رغم كل محاولات الصمود التي بذلت خلال السنوات الماضية، أمام الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ عام 2006 وجولات الحروب والتصعيد المتتالية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وضاعف انتشار جائحة كورونا داخل المجتمع الفلسطيني في غزة حالة الانهيار بعد توقف قطاعات كثيرة عن العمل بفعل الإجراءات الوقائية المتخذة وتأثر النشاط الاقتصادي وشح السيولة النقدية المتوفرة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. ويصنف مختصون ومسؤولون عام 2020 بالأسوأ مقارنة بالسنوات الأخيرة كونه ترافق مع دخول جائحة كورونا إلى القطاع بالإضافة إلى تعزيز الحصار الإسرائيلي وفشل كل محاولات تخفيفه من خلال التفاهمات التي جرت بوساطات عدة.

توقعات متشائمة

تبدو التوقعات الفلسطينية بشأن العام الجديد للاقتصاد في غزة أكثر تشاؤماً من الأعوام الماضية في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي وتأثيرات الإجراءات الوقائية المتبعة لمواجهة انتشار جائحة كورونا.

ويقول رئيس اللجنة الشعبية لكسر حصار غزة (غير حكومية)، جمال الخضري، إن عام 2020 يعتبر الأسوأ بين سنوات الحصار مجتمعة نظراً لاستمرار مختلف الأزمات وتفاقمها بالإضافة لتأثيرات جائحة كورونا.

ويوضح الخضري لـ "العربي الجديد" أن خسائر القطاعات الاقتصادية المختلفة بشكل مباشر وغير مباشر خلال عام 2020 تقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار أميركي، بفعل استمرار الحصار والقيود الإسرائيلية وتبعات جائحة كورونا.

ويرى أن استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الرابع عشر على التوالي وبقاء الإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا سيساهمان في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وسيلقيان بظلالهما على مختلف القطاعات الاقتصادية خلال العام الجديد.

ووفقاً لرئيس اللجنة الشعبية لكسر حصار غزة فإن عام 2021 سيكون أكثر سوءاً في ظل غياب التدخلات الدولية لوقف الحصار وافتتاح مشاريع تنموية تساهم في تغيير الواقع المعيشي وتعمل على خلق فرص عمل تحد من معدلات البطالة والفقر.

بطالة قياسية

شهدت الأعوام الأخيرة توقف 80 في المائة من مصانع القطاع فيما تعمل 20 في المائة من المصانع بقدرة إنتاجية تتراوح بين 30 و40 في المائة في أفضل الأحوال، عدا عن تعطل 350 ألف عامل عن العمل، وفقاً للجنة الشعبية لكسر حصار غزة.

في موازاة ذلك، يقول رئيس الاتحاد العام لعمال فلسطين في غزة، سامي العمصي، إن القطاع افتتح عام 2020 بنسبة بطالة تبلغ 53 في المائة وعدد متعطلين لا يقل عن 200 ألف عاطل عن العمل ومع بداية جائحة كورونا وصلت نسبة المتعطلين في صفوف العاملين إلى 80 في المائة وارتفع عددهم إلى ما لا يقل عن 300 ألف معطل عن العمل.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويضيف العمصي لـ "العربي الجديد" أن قرابة 160 ألف عامل في شتى القطاعات الاقتصادية في غزة تضرروا بفعل جائحة كورونا بين ضرر كلي وجزئي، عدا عن خسائر سجلت في الفترة الأولى للإغلاق في شهر أغسطس/ آب الماضي لا تقل عن 25 مليون دولار أميركي كانت تدفع كأجور في مختلف القطاعات.

وبحسب تقديرات الاتحاد العام لعمال فلسطين فإن نسبة 95 في المائة من العاملين في غزة يعملون بالنظام اليومي ولا يعملون بالعقد الشهري، وهو ما يجعل هذه الشريحة الواسعة أكثر هشاشة في التعامل مع المتغيرات الحياتية.

ويشير إلى أن الواقع اليومي للأجور لمختلف العاملين يجعل قدرتهم على مواجهة الإغلاق الشامل أو الجزئي صعبة خصوصاً أن متوسط الأجور اليومي في القطاع لا يزيد عن 35 شيقلا إسرائيليا للعامل وهو ما لا يتناسب مع الظروف المعيشية. (الدولار= 3.21 شيقلاً إسرائيلياً).

إلى ذلك، يقول المختص في الشأن الاقتصادي مازن العجلة إن 35 ألف أسرة فلسطينية في غزة دخلت إلى نظام الاعتماد على المساعدات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية عبر تضرر شريحة واسعة من العمال وفقدانهم أعمالهم.

ويبين العجلة لـ "العربي الجديد" أن تقديرات البنك الدولي تقول إن معدلات الفقر سترتفع إلى 60 في المائة في القطاع بعد أن كانت 52 في المائة، عدا عن ارتفاع معدل البطالة العامة إلى نسبة 60 في المائة بعد أن كان 53 في المائة سابقاً.

ويشير المختص في الشأن الاقتصادي إلى أن معدل النمو العام في غزة سيشهد تراجعاً بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة بالسالب، عدا عن ارتفاع جديد في انعدام الأمن الغذائي في ظل غياب التدخلات الحكومية والدولية.

ويشير إلى أن تأثر رواتب موظفي السلطة الذين يعتبرون المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في غزة ألقى بظلاله على القدرة الشرائية خلال الفترة ما بين مايو/ أيار ومطلع ديسمبر/ كانون الأول، حيث كان الموظفون يتلقون 50 في المائة من رواتبهم.

ويرى العجلة أنه حتى بعد صرف السلطة للرواتب والمستحقات المالية للموظفين فإن نسبة كثيرة منها ذهبت لتسديد أقساط البنوك المتراكمة على آلاف الموظفين أو لصالح تسديد الديون فيما لم تستفد الحالة الاقتصادية كثيراً من صرف هذه المتأخرات.

وتوقع أن يشهد الربع الأول من عام 2021 في ظل استمرار جائحة كورونا وحالة الحصار وعدم إتمام المصالحة الداخلية مزيداً من التراجع في النشاط الاقتصادي في غزة، والذي يتزامن مع تراجع الدعم الدولي والمشاريع التنموية.

المساهمون