استمع إلى الملخص
- انتقد اقتصاديون زيادة واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل، مشيرين إلى أن ذلك يضر بالصناعة المحلية ويعزز التطبيع الاقتصادي، مع وجود فرص بديلة في الأسواق العربية والأفريقية.
- أظهرت البيانات الرسمية زيادة في عدد الشركات المصرية المصدرة لإسرائيل، رغم وجود اتفاقيات تتيح تصدير المنتجات بدون جمارك للأسواق الدولية، مما يعكس تأثير المصالح الاقتصادية.
دفعت الزيادة في حجم التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل عن المعدلات السائدة، خلال الفترة السابقة لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، إلى حالة من السخط بين القوى السياسية، التي رأت أن ارتفاع الصادرات من السلع الغذائية ومواد البناء ومنتجات الأقطان المصرية، يرقى إلى مستوى الخيانة للقضية الفلسطينية، ويتعارض مع المصالح الاقتصادية للبلاد.
ونظم نشطاء حملات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع المحلية، ترصد أسماء الشركات التي تتعاون مع نظيراتها في إسرائيل، مرفقة بالأرقام الصادرة رسمياً، داعية إلى محاسبة المسؤولين عن تصدير الأغذية والملابس ومواد البناء إلى دولة الاحتلال، في وقت تفرض تل أبيب حصاراً حول دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وندد اقتصاديون بتوجه الحكومة إلى زيادة واردات مصر من الغاز الطبيعي، واعتمادها على "غاز العدو المسلوب من المياه العربية" في تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء، وتشجيعها رجال الأعمال على المتاجرة مع الكيان الصهيوني، رغم وجود فرص بديلة أمام الصادرات المصرية، ووجود شكوك حول دور إسرائيلي في تخريب صناعة الغاز المحلية.
رصد جهاز الإحصاء الحكومي زيادة في عدد الشركات التي تصدّر منتجاتها إلى تل أبيب، خلال عام 2024 إلى 313 شركة، مبيناً ارتفاعاً في نوعية المنتجات وتعددها، بما يوفر للإسرائيليين الأغذية ومواد البناء وأجهزة التكييف والملابس القطنية، التي جفت من أسواقها.
تتضمّن قائمة الصادرات مواد كيماوية، وزيوتاً نباتية، وشاشات تلفزيون لشركة "سامسونغ" بني سويف، والسجاد، والألومنيوم، ومواد التعبئة والتغليف، ومواد البناء، على رأسها حديد التسليح. وشملت القائمة شركات "هارفست فودز" للأغذية، و"الزيوت المستخلصة ومنتجاتها"، و"النيل للزيوت والمنظفات"، و"ايفر جرو" للأسمدة المتخصصة، و"موبكو" للأسمدة، و"مصر للكيماويات"، و"الأمل للبلاستك" المملوكة جزئياً للقطاع العام، ومستثمرين إماراتيين ومصريين.
وتضمّنت القائمة: شركة "قطونيل ـ مصر" لصناعة الملابس والجوارب، و"قنديل" للزجاج، و"جرين لاند إنترناشيونال" للمنتجات الزراعية والغذائية، و"أورانج ويف" للعصائر والمشروبات، والمصرية الدولية للمنتجات الغذائية "جريت فروت"، و"المصرية لصناعة النشا والجلوكوز"، و"أثمار للاستيراد والتصدير"، و"السلام للجلاش الآلي"، و"مصر كافية"، و"أكواباك" للتغليف، و"الدلتا للطوب الرملي"، و"جرين هاوس" للصناعات الغذائية، و"المتحدة لعبوات ومستلزمات الدواجن"، و"إيجيبت للمشروبات الغذائية"، و"أ.خ.ي جروب إيجيبت" للمشروبات الغازية، بالإضافة إلى شركات مواد البناء التي يملكها رجال أعمال، ضمن تحالف "مستقبل وطن" المهيمن على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، منها "العتال للصناعات الهندسية" المتخصصة في صناعة حديد الإنشاءات، و"سيراميكا آرت"، و"إتش جروب الصناعية".
دفعت زيادة الصادرات المصرية إلى الكيان الإسرائيلي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، إيدي كوهين، إلى التباهي عبر صفحاته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي الصيف الماضي، بتصدير البرلماني السابق ورجل الأعمال المصري محمد فرج عامر منتجات أغذية وعصائر شركة "فرجللو" المملوكة له إلى أسواق تل أبيب.
وصف التحالف الشعبي لمقاومة التطبيع، زيادة حجم التبادل التجاري مع إسرائيل بأنه خروج على الإجماع الوطني الداعي إلى وقف أي مظهر من مظاهر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يحتل الأراضي، ويواصل عدوانه الوحشي على الشعوب العربية بفلسطين ولبنان وسورية، ويهدد باحتلال أراض جديدة في كل من العراق وسورية، مع تهديده الحدود المصرية، بسيطرته على معبر رفح ومثلث صلاح الدين.
ويحذر أعضاء التحالف، الذي يضم نخبة من شخصيات ليبرالية ويسارية، النظام من دعمه شركات تتعاون مع إسرائيل، مشيرين إلى اختيار الأجهزة الأمنية، مسؤولاً سابقاً في اتحاد الصناعات لإدارة شركة "دولفينوس" المكلفة بنقل إمدادات الغاز الطبيعي المستخرج من آبار تامار وليفياثان في كيان الاحتلال، لتصبح المورد الأول للغاز المستورد، لتشغيل محطات الكهرباء والمصانع المحلية، عبر صفقات بقيمة 19.5 مليار دولار خلال الفترة من 2020 إلى 2035.
ويبدي طلعت خليل، عضو التحالف، دهشته من خروج الشركات الداعمة للتطبيع عن الإجماع الشعبي، الداعي للمقاطعة الشاملة للكيان الإسرائيلي وجميع الشركات ومنتجات الدول الداعمة للعدوان الوحشي على غزة والأراضي العربية، مشيراً إلى وجود جماعات مصالح تهتم بجمع المال على حساب الأمن القومي للدولة، ومشاعر المواطنين الذين يصيبهم القتل الوحشي للفلسطينيين بغضب عارم، والخوف من امتداد خطورته على الأراضي المصرية.
وتركز تل أبيب على تعاونها مع الشركات المصرية المتخصصة في النسيج التي تحتاج القطن المصري الفاخر والعمالة الكثيفة رخيصة الأجر، مقابل إغراءات بمنحها مميزات دخول الأسواق الأميركية، بدون جمارك ولا حصص إنتاجية، ضمن اتفاقية "الكويز" التي أسسها الكونغرس الأميركي عام 1996، لدفع التطبيع الاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب، والتي انضمت إليها الأردن عام 1997، بهدف تشكيل كيانات اقتصادية ومؤسسات أعمال، تدعم بالتدريج التقارب بين الشعبين العربي والإسرائيلي. وتنص الاتفاقية على منح المنتجات التي تساهم شركات دولة الاحتلال بنسبة 10.5%، معاملة تفضيلية، عند دخولها الأراضي الأميركية. وعملت السلطات الأميركية على دمج كل الصادرات المصرية ضمن اتفاقية "الكويز"، وتجاهل تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع مصر، عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1980.
ويقول خليل إن بعض الشركات تبيع منتجات الشعب للعدو بحجة زيادة الصادرات والحصول على الدولار، بينما تتجاهل إمكانية تصدير المنتجات نفسها إلى الأسواق العربية والأفريقية التي تتطلع إلى زيادة الواردات المصرية، من الأغذية والملابس والمنتجات الكهربائية والبلاستك والأدوية، بدون تحميل الشركات أية جمارك أو حدود للحصص التصديرية، عدا ما يحتاجه السوق المحلي من تلك المنتجات بخاصة الأسمدة.
ويضيف أن مصر لديها اتفاقات واسعة مع الاتحاد الأوروبي، تضمن لها سهولة تصدير المواد الغذائية والملابس بتسهيلات جمركية واسعة، مع الدفع الفوري لقيمة الشحنات باليورو، بما لا يبرر توجيه الأقطان ومزروعات الفلاحين الذين استشهد منهم الآلاف في صراع وجودي مع الاحتلال، على مدار عقود بعدة حروب، مشدداً على أن الصادرات إلى الكيان الإسرائيلي ظاهرة مستفزة للشعب صاحب الحق في توجيه ثرواته إلى الدول والشركات بما يتوافق مع رغباته وقيمه.
وحذر من تشجيع الحكومة التطبيع مع إسرائيل، من أجل ضمان حصولها على الغاز المستخرج من آبار الأراضي المحتلة، لخطورة أن تقع مصر أسيرة للغاز الإسرائيلي، الذي أصبح يمثل نحو 30% من احتياجات شركات إنتاج الكهرباء ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات، ويشغل محطتي الإسالة في مصنعي "إدكو" ودمياط شمال مصر.
وأشار خليل إلى أن الحكومة مطالبة بأن تتذكر دوماً بأن التعاون مع إسرائيل في ملف الغاز أمر غير مرغوب شعبياً منذ كانت مصر مصدرة للغاز في تسعينيات القرن الماضي، مبيناً خطورة تجاهل وضع الملف الشائك في يد عدو للدولة، وفرض حالة من التعتيم على الاتفاقات المرتبطة به، بما يزيد من الاحتقان الشعبي، وعدم ثقة الناس في إدارة الحكومة ملف أزمة الطاقة بأثره.
وأشار إلى ضرورة محاكمة المسؤولين المتورطين في تبديد ثروة مصر من الغاز الطبيعي، سواء بتصديرها لإسرائيل، أو التراجع الشديد لإنتاج آبار حقل "ظهر" للغاز في مياه البحر المتوسط (شمال) التي حدثت جراء أخطاء فنية بالتشغيل، دفعت إلى اعتماد الدولة على الغاز الوارد من إسرائيل في تشغيل مؤسساتها الصناعية والإنتاجية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة وتل أبيب 2.3 مليار دولار عام 2023. ويميل الميزان التجاري لصالح دولة الاحتلال، حيث بلغت قيمة الواردات 2.1 مليار دولار من الغاز الطبيعي ومستلزمات مصانع النسيج والملابس، بينما لم تتخط الصادرات المصرية 140 مليون دولار، تشمل الخضر والفاكهة والسجاد والألومنيوم والأسمدة.
وظلت قيمة الصادرات المصرية متفاوتة بين شهر وآخر، إلى أن وقعت الحرب على غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث توقّفت لعدة أشهر، إلى أن عادت بقوة في يونيو/حزيران 2024، متأثرة برغبة مصر في القيام بدور في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وسلطة الاحتلال، ومواجهة أزمة شح الغاز الطبيعي التي نتجت عن تراجع معدلات إنتاج الغاز بحقل ظهر، ودعوة الشركات الإسرائيلية لزيادة صادراتها من الغاز إلى مصر، بنحو مليار قدم مكعبة يومياً.
وقفز حجم التبادل التجاري في يونيو/حزيران 2024 بنسبة 29%، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023. وأظهر المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي نمواً في حجم التجارة خلال النصف الأول من العام الماضي، بلغ 246.6 مليون دولار، بنسبة 53% مقارنة بالفترة ذاتها من 2023، بخلاف صفقات الغاز التي حجبت أي معلومات عنها، من جانب الطرفين الإسرائيلي والمصري.
واستوردت مصر نحو 6.3 مليارات متر مكعب من الغاز الذي يستولي عليه الاحتلال من مياه فلسطين المحتلة عام 2023، بمتوسط 600 مليون قدم مكعبة يومياً، ارتفعت إلى 826 مليون قدم مكعبة يومياً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، مع اتفاق على زيادتها بنسبة تصل إلى 25% بنهاية 2025، بعد إضافة حقول ضخ جديدة للشبكة المصرية من حقل "كاريش" بالبحر المتوسط.
وتشير أستاذة الاقتصاد في جامعة عين شمس، يمن الحماقي، إلى وجود اتفاقية للتجارة الحرة موقعة بين مصر والولايات المتحدة، سابقة على اتفاقية "الكويز" تضمن دخول جميع المنتجات المصرية للسوق الأميركية، بلا جمارك ولا حصص كمية، مؤكدة أن وزراء سابقين في الحكومة ورجال أعمال، استغلوا رغبة الكونغرس الأميركي في دعم التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بتشجيع "الكويز" وعملوا على تحجيم العمل بالاتفاقية الأولى، وعدم إحيائها على مدار 3 عقود.
وتؤكد الحماقي أن الشركات المصرية يمكنها أن تستفيد أكثر في حالة تطبيق اتفاقية التجارة الحرة، لأنها غير مشروطة، بدخول منتجات مكون إسرائيلي، في الصناعات المصرية، بما يعفيها من مغالاة الطرف الإسرائيلي في قيمة المستلزمات التي يوفرها للجانب المصري، ويبعدها عن مخاوف المواطنين من التطبيع.
ويشير محللون إلى عدم وجود قواعد قانونية تجرم من يتعامل مع إسرائيليين في المشروعات التجارية والصناعية، أو تعليمات تحول دون رغبة الشركات المحلية في تصدير المنتجات المصرية إلى تل أبيب، في ظل تطبيع رسمي للعلاقات السياسية، وتعاون اقتصادي وسياحي وأمني على مستوى عال، تقوده الجهات الحكومية والأجهزة الإسرائيلية منذ سنوات طويلة.
ويؤكد محللون أن وجود مستثمرين إماراتيين وأجانب كشركاء في ملكية وإدارة شركات محلية، يعملون على زيادة المبيعات والصادرات إلى الأسواق الدولية، يضعون نصب أعينهم زيادة الصادرات المتجهة إلى الأراضي المحتلة بطريقة مباشرة، أو عبر نقلها إلى الإمارات، أو الأردن حالياً، ومن ثم إدخالها إلى الأراضي المحتلة عند وجود صعوبات لدخول تلك المنتجات عبر الحدود مباشرة من معبر رفح أو كرم أبو سالم.