غذاء مصر والجزائر ضمن الأكثر تضرراً عالمياً من أزمة أوكرانيا

مأزق إمدادات الغذاء في الدول العربية: مصر والجزائر ضمن الأكثر تضرراً عالمياً من أزمة أوكرانيا

21 فبراير 2022
مخاوف من غلاء خبز الفقراء بسبب ارتفاع أسعار القمح عالمياً (Getty)
+ الخط -

كشفت الأزمة الأوكرانية عن تهديدات كبيرة للأمن الغذائي العربي، إذ تتعرض إمدادات السلع الضرورية لمخاطر كبيرة وخاصة في ما يتعلق بواردات الحبوب في وقت تعد فيه المنطقة أكبر مستورد للغذاء في العالم.
وتشمل قائمة أكثر 10 دول استيرادا للقمح في العالم دولتين عربيتين وهما مصر والجزائر، حيث تعد مصر أكبر مستورد ومستهلك للقمح في العالم، كما جاءت الجزائر ضمن القائمة.
وشهدت أسعار القمح قفزات إلى مستويات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن تصاعدت التوترات السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بشأن أوكرانيا والمخاوف من اندلاع حرب في هذه المنطقة، ما أثار مخاوف حيال الشحنات المستقبلية للحبوب. وتُمثل روسيا وأوكرانيا فقط أكثر من 35% من ثلث شحنات القمح والشعير العالمية، حسب تقارير حديثة.

الدول الأكثر استيراداً
ووفق بيانات وزارة الزراعة الأميركية، استوردت مصر خلال 2020، نحو 9.6 ملايين طن تشكل 5.8% من واردات العالم من القمح في ذلك العام، كما استوردت الجزائر حوالي 7 ملايين طن، تمثل 4.3% من الاستيراد العالمي في العام ذاته.

وتحل العديد من الدول العربية في مراكز تالية، إذ يأتي المغرب بعد الجزائر بواردات تبلغ نحو 4.8 ملايين طن، العراق 3.3 ملايين طن، اليمن 3.3 ملايين طن، السعودية 3.2 ملايين طن، السودان 2.7 مليون طن، الإمارات 1.8 مليون طن، وتونس 1.6 مليون طن.
ووفقاً للخبير الاقتصادي، عبد التواب بركات، بحديث لـ"العربي الجديد" فإنّه بينما تشكل الدول العربية نحو 5% من سكان العالم، تستورد 20% من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، ولا تنتج سوى 2.5% من الإنتاج العالمي للحبوب.
وحسب بركات "تستورد الدول العربية نحو 60% من احتياجاتها من القمح اللازم لصناعة رغيف الخبز من روسيا في أقصى شمال شرق أسيا ومن أوكرانيا وفرنسا ورومانيا في أوروبا. وتستورد 65% من احتياجاتها من زيوت الطعام من ماليزيا وإندونيسيا".
وقال بركات: "هكذا، تهدر الحكومات العربية الأمن الغذائي وتضع أمن المواطن العربي واستقراره رهن الاستقرار السياسي واعتدال المناخ في تلك الدول المصدرة للأغذية".

مصر تستعجل رفع سعر الخبز
سادت في مصر مخاوف من أزمة كبيرة ستتعرض لها نتيجة تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية وخاصة أن هاتين الدولتين هما أكبر مصدر للقمح إلى القاهرة، ما سينعكس حتمًا على سعر رغيف الخبز المدعم المخصص للفقراء ومحدودي الدخل، إذ إن مصر تستورد نحو 10 ملايين طن قمح سنوياً، منها 6 ملايين طن للخبز المدعم.
وقال وزير التموين المصري علي المصيلحي، إنّ المناوشات بين كبريات الدول المصدرة للقمح والحبوب في العالم تزيد الشكوك في الأسواق، وذلك في إشارة إلى روسيا وأوكرانيا، إذ تعد مصر واحدة من كبرى الدول المستورة للقمح عالمياً.

وأضاف المصيلحي في تصريحات يوم 13 فبراير/ شباط الجاري، أن احتياطيات القمح لدى مصر "آمنة وكافية لفترة 5.4 أشهر".
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية، عبد النبي عبد المطلب، لـ"العربي الجديد": بالتأكيد ستؤثر التوترات على واردات مصر من القمح، وخاصة أن القمح الأوكراني أصبح من أهم مصادر تصنيع الخبز المدعم في مصر، لكن لا أعتقد أن الواردات من القمح الروسي ستتأثر كثيرا، إلا إذا فرضت الأمم المتحدة حظرًا على حركة التجارة الروسية على المستوى العالمي.
وأوضح أنّ أسعار القمح شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بمجرد حدوث التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية، ما سوف يؤثر سلباً على ما تتحمله الموازنة العامة للدولة نتيجة دعمها لرغيف الخبز.
ولفت الباحث الاقتصادي إلى أن مصر قد تضطر للعودة إلى استيراد القمح من الولايات المتحدة أو من كندا أو من فرنسا رغم ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أنّ الأزمة الأوكرانية قد تكون مبرراً للحكومة لرفع أسعار الخبز المدعم كما حدث سابقاً مع السكر والزيت.
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، إلى أنّ الأزمة الأوكرانية ستعمق عجز الموازنة المصرية، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومنها القمح، بخلاف الارتفاعات السابقة على المستوى العالمي.
ويعتقد ذكر الله في حديثه لـ"العربي الجديد" أن هذا ما دفع الحكومة للإسراع في الإعلان عن رفع سعر الخبز المدعم خلال الفترة المقبلة، حتى تتجنب حدوث عجز في الموازنة العامة للدولة، وعدم مخالفة شروط صندوق النقد الدولي والتي تتطلب تخفيض العجز، متوقعاً حدوث زيادات متتالية في أسعار الخبز خلال الفترات المقبلة.
ويتوقع تقرير أميركي ارتفاع حجم واردات مصر من القمح خلال العام المالي الجاري 2021/ 2022 إلى نحو 12.4 مليون طن، فيما يبلغ الإنتاج المتوقع من القمح المحلي نحو 9 ملايين طن.
وكشف التقرير الذي أعدته وزارة الزراعة الأميركية، أن روسيا احتلت قائمة المصدرين الأجانب للسوق المصري خلال العام المالي الماضي ثم جاءت أوكرانيا ثانية والاتحاد الأوروبي ثالثاً.

قلق جزائري على الإمدادات
تنظر الجزائر على غرار العديد من الدول العربية، لتسارع الأحداث في الأزمة الأوكرانية بكثير من الترقب والقلق، على إمداداتها من القمح الروسي.

وتأتي بوادر انزلاق الأوضاع نحو الحل العسكري متزامنة مع مساعي الجزائر لتنويع ممونيها بالقمح وكسر هيمنة فرنسا، وجاء القمح الروسي كملاذ للدولة المنتجة للنفط.
ويأتي انقطاع الإمدادات المحتمل للقمح الروسي، في وقت سيئ بالنسبة للجزائر، وهي دولة مغاربية أخرى تعتمد بشدة على واردات الحبوب، لضمان خبز شعبها.
وتسبب شح الأمطار العام الماضي في انخفاض إنتاج الحبوب الجزائرية بنسبة 40%، بما في ذلك القمح، مما سيدفع السلطات الجزائرية لبذل جهد أكبر، وإنفاق مالي مضاعف لتعويض النقص من خلال زيادة الواردات.
وحسب الأرقام التي تحصلت عليها "العربي الجديد" من وزارة الفلاحة، أنتجت الجزائر 3.9 ملايين طن من الحبوب السنة الماضية، فيما استوردت نحو 7 ملايين طن.
وإلى ذلك، أكد مدير مركزي بديوان الحبوب الجزائري، نور الدين معطية، أن "الجزائر بصفتها أحد أكبر مستوردي القمح تتابع بقلق تطورات الأزمة الأوكرانية، لما لها من تأثير على قمح الجزائر المستورد.
وأضاف: يجب توضيح بعض النقاط، أولاً الجزائر لا تعتبر زبونا رئيسيا لروسيا وأوكرانيا، فعلاً هناك واردات من القمح الروسي الذي عادت إليه الجزائر السنة الماضية بعد انقطاع فاق 5 سنوات، إلّا أنّه يبقى ملاذاً للجزائر في سعيها لتنويع ممونيها بهذه المادة المهمة التي تعتبر عصب الأمن الغذائي لأيّ دولة، فيما تشتري الجزائر القمح الأوكراني عبر صفقات استثنائية سنوياً.
وتابع نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أنّ "المقلق اليوم هو ارتداد هذه الأزمة على أسعار القمح في الأسواق العالمية، كوننا نتحدث عن بلدين من أكبر المنتجين للقمح في العالم، أي أنّ أي تعقيد في المشهد الروسي-الأوكراني سيؤثر على العرض وسيرفع الطلب ويصبح هناك ارتفاع مبرر لأسعار القمح".

وتعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح اللين في العالم، وتعد فرنسا ممونها الرئيس بما قيمته 3 مليارات دولار من القمح سنويا، وتتعامل الجزائر لتوفير الكميات المطلوبة من القمح مع 20 دولة، في مقدمتها فرنسا، بالإضافة إلى الأرجنتين، وبولونيا وألمانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وكندا وروسيا.
وإلى ذلك، يرى باحث في مركز الدراسات الزراعية والمناخية بمرسيليا الفرنسية، عبد الهادي جردي، أنّه "لا خوف على حصة الجزائر في الأسواق العالمية، على الأقل حالياً، كونها مرتبطة بالقمح الفرنسي، حتى ولو تعقد المشهد الأوكراني.
وأضاف الباحث الجزائري لـ"العربي الجديد" أنّ "المخاوف تحوم حول ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية، ما سيدفع بدول كالجزائر التي تعاني من أزمتي جفاف ونقص الموارد المالية، لمدّ يدها أكثر في الخزينة واحتياطي الصرف لضمان خبز السكان".