غذاء الخليج رهن المورّدين... والغلاء العالمي يزيد الأعباء

غذاء الخليج رهن المورّدين... والغلاء العالمي يزيد الأعباء

14 يونيو 2021
متجر للسلع الغذائية في الكويت (الأناضول)
+ الخط -

جاء إعلان منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، في 3 يونيو/ حزيران الجاري، عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية في مايو/ أيار الماضي، بأسرع وتيرة شهرية في أكثر من عشر سنوات، مسجلة زيادة للشهر الثاني عشر على التوالي، بمثابة ناقوس خطر ينذر بأزمة عالمية قادمة ستطاول أهم مصادر الحياة، في الوقت الذي تعاني فيه الدول الكبرى والصغرى من التداعيات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا.

ويشير مؤشر "الفاو" لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغيرات الشهرية لسلة من الحبوب وزيوت الطعام ومنتجات الألبان واللحوم والسكر، إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 39.7%، خلال الشهر الماضي.

وسبّبت وتيرة الأسعار المتسارعة تحذيرات جراء هذا الوضع في الدول المنتجة للمواد الغذائية الأساسية، من الحبوب والأرز والزيوت، بينما كانت الأصداء أكثر قلقاً في الدول المستوردة، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، التي تستورد بالأساس ما بين 70% و95% من احتياجاتها من الغذاء.

قال الخبير الاقتصادي القطري، عبد الله الخاطر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التوقعات تشير إلى حلول أزمة اقتصادية عالمية، ومن أبرز أسبابها عودة الاستهلاك إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وكذلك عودة المصانع والمعامل ووسائل الإنتاج إلى مستوياتها الطبيعية، ترافقها زيادة الطلب على المواد الأولية، ما يثير المخاوف من التضخم عامة.

وأوضح الخاطر أن تكاليف المواد الغذائية الأساسية ستتأثر سلباً، لأسباب عدة، منها ارتفاع كلفة النقل جراء زيادة أسعار الطاقة والنفط التي ارتفعت أخيراً بنحو 75%، ما يعني أن معدلات التضخم ستكون مرتفعة على المدى المتوسط، مضيفاً أن قطاع الغذاء في دول الخليج تأثر وسيستمر في التأثر في ظل الاختناقات في مختلف القطاعات.

وسجلت دول الخليج مراكز متقدمة عربياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2020، الصادر عن مجلة "إيكونوميست"، والذي يتناول القضايا الأساسية المتمثلة بتكاليف الغذاء وتوافره وجودته في 113 دولة، وتصدرت الكويت الدول العربية واحتلت المركز الـ 33 عالمياً، تلتها سلطنة عُمان في المركز الـ 34، وقطر في الترتيب الـ 37، السعودية في الترتيب الـ 38، الإمارات في الترتيب الـ 42، ثم البحرين في المركز الـ 49.

وتضاعفت تكلفة استيراد الغذاء في دول مجلس التعاون خلال عشر سنوات، من 25.8 مليار دولار في عام 2010 إلى 53.1 مليار دولار عام 2020، حيث تزايدت في قطر من 1.3 مليار دولار إلى 3.3 مليارات دولار، والبحرين من 700 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار، والكويت من 2.3 مليار دولار إلى 5.3 مليارات دولار، وعُمان من 2.1 مليار إلى 4.8 مليارات دولار، والسعودية من 16.8 ملياراً إلى 35.2 مليار دولار، والإمارات من 3.6 مليارات دولار إلى 8.4 مليارات دولار، بحسب تقرير حديث لمركز "تريندز للبحوث والاستشارات".

ويشير مؤلف كتاب "النموذج الاقتصادي القياسي للقطاع الزراعي في دولة قطر"، محمد الكبيسي، عبر بيانات نشرها عبر حسابه الشخصي على موقع "تويتر"، إلى تضاعف تكاليف المعيشة في قطر لأكثر من 200% في غضون عشر سنوات. فقد قفزت التكلفة الإجمالية للمعيشة من 6150 ريالاً في 2011 إلى 15850 ريالاً في عام 2021، أي إن التكلفة زادت خلال عشر سنوات قرابة 258%، وارتفعت التكلفة الشهرية للمواد الغذائية الأساسية 215% من 2000 ريال عام 2011، إلى 4300 ريال العام الجاري، وكذلك التكلفة الشهرية للمواد الغذائية الثانوية زادت من 800 إلى 2100 ريال بنسبة 263%، خلال 10 سنوات.

وحول مدى الزيادة في أسعار الغذاء على دول الخليج جراء الأزمة المتوقعة، قال الخبير الاقتصادي الخاطر، إن دول الخليج ستتأثر بشكل سلبي، خاصة أنها غير منتجة للمواد الغذائية الأساسية، وتستورد النسبة الكبرى من الغذاء، لكن مدى التأثر سيختلف من دولة إلى أخرى، مشيراً إلى أن قطر قد تكون الأقل تأثراً، لأنها استفادت من أزمة الحصار، فما زالت الحكومة وقطاع الأعمال يعملان على تعزيز ودعم ما تحقق من إنجازات اقتصادية في السنوات الأخيرة.

وأكد الخاطر أنه جاء الوقت لتتمكن دول المنطقة من إنتاج الحد الأدنى من الأمن الغذائي، ووضع رؤية للعمل في استراتيجية موحدة، وخاصة في سلسلة الاستيراد الغذائي والزراعي، وضخ استثمارات في البحث والتطوير الزراعي، خاصة في طرق الزراعة الحديثة، ولا سيما أن معظم دول مجلس التعاون شهدت تطورات في السنوات الماضية، وأصبح لدى قطاع الزراعة في دول الخليج مستوى تراكمي من التجارب الناجحة، وأثبت الكثير من أصحاب المزارع قدرتهم على استغلال الموارد وإنتاج سلع غذائية.

وأشار إلى ضرورة وضع استراتيجية واضحة، ومنها الاستثمار خارجياً في المناطق التي كانت تقليدياً تعتبر مناطق صالحة للزراعة، مثل السودان وأوكرانيا وروسيا وباكستان وغيرها، مشدداً على تنويع الرؤية الاستراتيجية الخاصة بالأمن الغذائي، ووضع نسب معينة للزراعة في الداخل والخارج، لدعم الأبحاث والتطوير الزراعي، خاصة لأساليب الزراعة بالتقنيات الحديثة.

وتظهر إحصاءات التجارة الخارجية عجزاً في الميزان التجاري لدول مجلس التعاون الست، في السلع الغذائية الأساسية بقيمة 27.6 مليار دولار، وعلى مستوى المجموعات السلعية، فقد سجلت دول المجلس أكبر عجز تجاري في مجموعة الحبوب بـ 7 مليارات دولار في عام 2018، وفقاً للتقرير الصادر عن المركز الإحصائي الخليجي في مايو/ أيار 2020.

وقال رجل الأعمال القطري، علي حسن الخلف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن دول مجلس التعاون التي تعتمد مداخيلها وموازناتها بشكل رئيس على النفط والغاز، مطالبة بالاستثمار في مصادر بديلة والالتفات إلى تحسين الإنتاج الغذائي وتنظيم القطاع الزراعي، والتصنيع الغذائي، وإعادة إحياء مقترح ربط دول المجلس بشبكة النقل البري وسكك الحديد، التي طرحت في مجلس التعاون قبل نحو 30 عاماً، لكنها لم ترَ النور.

ويسعى مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981 إلى تحقيق الأمن الغذائي على مستوى الإقليم. وفي إبريل/ نيسان 2020، اقترحت الكويت إنشاء شبكة أمن غذائي خاصة بدول المجلس الست، لضمان تأمين الإمدادات الغذائية الكافية، وتلبية الاحتياجات الغذائية وسد نقص الغذاء الأساسي في أوقات الأزمات، ودعت إلى وضع ترتيبات خاصة في مراكز مراقبة الحدود والجمارك لضمان الحركة السلسة للإمدادات الغذائية والأدوية الأساسية بين دول التعاون.

المساهمون