عودة ترامب.. هل تستطيع برلين حماية اقتصادها من التعريفات الجمركية المحتملة؟

22 يناير 2025
تعريفات ترامب تربك شركاء الولايات المتحدة التجاريين، واشنطن، 20 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه ألمانيا تحديات اقتصادية معقدة مع احتمال عودة ترامب وفرض تعريفات جمركية على الاتحاد الأوروبي، مما يتطلب استراتيجية أوروبية موحدة لتجنب حرب تجارية.
- يشير الخبراء إلى أهمية الاستعداد لمفاوضات بناءة مع ترامب، مع اقتراح تعزيز الاستثمارات الألمانية في الولايات المتحدة وتوحيد الجهود الأوروبية لمواجهة سياساته.
- تتوقع مؤسسات الأبحاث الألمانية خسائر في الوظائف إذا فرضت تعريفات إضافية، مما يدفع المسؤولين لاقتراح ضرائب أعلى على شركات التكنولوجيا الأميركية وسط ضغوط لتعزيز المنافسة.

يُعَدّ نفوذ ألمانيا الاقتصادي مرهونًا باقتصاد السوق الحرة والتجارة الخارجية، ولكن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن تحديد المسار المستقبلي لبرلين سيواجه تحديات معقدة، خصوصاً إذا قرر الرئيس الأميركي فرض تعريفات جمركية إضافية على دول الاتحاد الأوروبي، حيث تبرز الحاجة إلى اتخاذ تدابير استباقية، بوضع استراتيجية أوروبية موحدة لحماية المصالح الأساسية لألمانيا، وتجنب حرب تجارية مع الاقتصاد الأكبر في العالم.

ويشير الخبراء إلى ضرورة الاستعداد لمفاوضات بناءة إذا ما قرر ترامب تنفيذ تهديداته بشأن الرسوم الجمركية. وصرحت مونيكا شنيتزر، رئيسة المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين، لشبكة أن تي ڤي NTV الإخبارية، بأن برلين بحاجة إلى التكيف مع سياسات ترامب وتعزيز حضور أوروبا من خلال التصرف بحزم وثبات. ويأتي ذلك في ظل معاناة الاقتصاد الألماني من مشاكل بنيوية وركود اقتصادي، وأزمات تعصف بقطاع السيارات نتيجة انخفاض المبيعات. ومن جانبه، دعا زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرتس، المرشح لمنصب المستشار، إلى توحيد الجهود الأوروبية لمواجهة سياسات ترامب، محذرًا من عواقب التشتت الأوروبي.

وعلى الرغم من التهديدات، يرى الباحث تيمو دوفيل، أن ترامب قد يمارس لعبة سياسية تهدف إلى الضغط دون تنفيذ التهديدات، موضحًا، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن فرض الرسوم الجمركية قد يضر بالمستهلك الأميركي الذي سيضطر إلى دفع أسعار أعلى، ما سيؤثر سلبًا بثقة المستثمرين والمستهلكين في الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر دوفيل، يمكن تبني نهج بديل يتضمن زيادة الاستثمارات الألمانية في الولايات المتحدة وتعزيز التعاون مع الشركات الأميركية الكبرى ذات الحضور القوي في السوق الألمانية.

وعلى صعيد الميزان التجاري، يكشف موقع "Statista" أن دول الاتحاد الأوروبي حققت فائضًا تجاريًا بقيمة 20.3 مليار يورو مع الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بلغت صادرات الاتحاد 47.9 مليار يورو مقابل واردات بقيمة 27.6 مليار يورو. وفي السياق نفسه، أظهر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني فائضًا تجاريًا لصالح ألمانيا وحدها مع الولايات المتحدة بقيمة 63.3 مليار يورو خلال عام 2023، ما يُعد مصدر قلق لسياسات ترامب الاقتصادية.

وأمام هذا المشهد، أشار الباحث رولف لانغهامر إلى ضرورة توحيد الموقف الأوروبي للتعامل مع تهديدات ترامب، محذرًا من استغلال الرئيس الأميركي للاختلافات بين دول التكتل لتنفيذ استراتيجية "فرّق تسد". وأكد لانغهامر أهمية استخدام النفوذ الألماني داخل الاتحاد الأوروبي لمنع فرض عقوبات اقتصادية أو إجراءات انتقامية، مع الإعداد لإجراءات مضادة تشمل تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية للاتحاد.

وتتوقع مؤسسات الأبحاث الألمانية خسارة تصل إلى 300 ألف وظيفة إذا فرض ترامب تعريفات جمركية إضافية، فيما تشير التقديرات إلى فقدان 200 ألف وظيفة إذا اقتصر الأمر على فرض الحد الأدنى من الضرائب. وفي ظل هذه التوقعات، دعا نائب المستشار ووزير الاقتصاد الفيدرالي روبرت هابيك إلى فرض ضرائب أعلى على شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل فيسبوك وأمازون ومايكروسوفت، مؤكدًا أن هذه الشركات تستفيد كثيراً من البيانات الأوروبية دون دفع مقابل عادل.

وفي الوقت ذاته، تواجه شركات التكنولوجيا الأميركية ضغوطًا متزايدة بسبب تطبيق الاتحاد الأوروبي لقانون الأسواق الرقمية الذي يهدف إلى تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار. وتخضع شركات مثل أبل وميتا وغوغل لتحقيقات مستمرة بموجب هذا القانون. وقد ناشدت هذه الشركات ترامب التدخل للحد من هذه التدابير التي تصفها بالمبالغ فيها.

ويُقدّر رئيس السياسة الاقتصادية الدولية في معهد الاقتصاد الألماني، يورغن ماتيس، أن الولايات المتحدة قد تخسر نحو 700 ألف وظيفة إذا أصرت على فرض تعريفات جمركية إضافية. لكنه يشير إلى أن هذه السياسات قد تعود بفائدة طويلة الأمد إذا نجح ترامب في إقناع الشركات الأوروبية بنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة.

وبينما تظل الأوضاع غير مستقرة، يبدو أن استخدام سياسة "العصا والجزرة" هو الخيار المطروح أمام ألمانيا والاتحاد الأوروبي، عبر تقديم تنازلات مثل شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال والمعدات العسكرية الأميركية، مع الاحتفاظ بخيارات الردع عبر تعريفات مضادة.

المساهمون