استمع إلى الملخص
- تعاني العائلات من صعوبة تحمل تكاليف النقل، مما يبرز الحاجة لتدخل الجهات المختصة لتوفير وسائل نقل بأسعار معقولة أو مجانية، خاصة مع الظروف الجوية القاسية.
- يحاول المتطوعون تقديم المساعدة، بينما يوضح السائقون أن ارتفاع الأسعار يعود لنقص الوقود وتكاليف التشغيل، مما يستدعي حلولًا عاجلة لتخفيف العبء عن النازحين.
تحولت فرحة عودة النازحين الفلسطينيين إلى منازلهم في غزة أعقاب بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، من لحظة فرح إلى رحلة شاقة وقاسية ومكلفة، تضع النازح بين خيارين مريرين، إما أن يترك أمتعته التي قام بشرائها بأسعار مرتفعة وأن يعود مشيًا على الأقدام، أو أن يدفع ثمنها مجددًا لوسائل النقل التي تطلب أسعارًا مرتفعة، وصل بعضها إلى 6 أو 7 آلاف شيكل (1600 أو 1900 دولار).
وعانى الفلسطينيون في قطاع غزة من غلاء أسعار المواصلات منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أنها تعاظمت مع عودة النازحين إلى بعض المناطق في المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية، ومع بدء تجهيز النازحين في المناطق الوسطى والجنوبية للعودة إلى محافظتي غزة والشمال.
وقد تكشف حجم الأزمة مع محاولة المواطنين حجز الشاحنات ووسائل النقل التي من شأنها أن تقلهم مع أمتعتهم إلى مناطق سكنهم المدمرة. ويعود الارتفاع الجنوني في أسعار النقل والمواصلات إلى تزايد أعداد النازحين الراغبين في العودة، بشكل يفوق عدد وسائل النقل المتوفرة، ما دفع سائقي الشاحنات لاستغلال الوضع ورفع الأسعار بشكل كبير، إلى جانب ندرة الوقود وارتفاع تكلفته وتأثير ذلك على تكلفة تشغيل المركبات.
علاوة على ذلك، يواجه العديد من سائقي الشاحنات والمركبات صعوبات في تشغيل مركباتهم بسبب الأضرار التي لحقت بها خلال القصف أو نقص قطع الغيار. ولا تزال العديد من العائلات الفلسطينية عالقة في مدارس ومخيمات النزوح بسبب عدم قدرتها على تحمل تكاليف النقل، مما يعرضها لمزيد من المعاناة، خاصة مع اشتداد البرد والأمطار والتقلبات الجوية.
ويرى بعض السائقين في حاجة النازحين الماسة للعودة إلى مناطقهم السكنية فرصة لتعويض خسائرهم السابقة، مما دفع البعض لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه على حساب حاجة النازحين للعودة.
معاناة الأسر في غزة
وتقول الفلسطينية سعاد البغدادي، وهي من سكان حي النصر وسط مدينة غزة، إنها حاولت حجز شاحنة لنقل الأمتعة والأطفال إلى المنزل الذي لا تعلم مصيره حتى اللحظة، إلا أنها صدمت بالتسعيرة التي وصلت إلى 1500 دولار، وهو مبلغ لا تمتلكه العائلة. "نحن عائلة كبيرة، وليس لدينا خيار سوى الانتظار والمحاولة مرارًا، لكن الخوف يزداد من أن ترتفع الأسعار أكثر في الأيام المقبلة".
وتوضح البغدادي لـ "العربي الجديد" أنها اضطرت برفقة أسرتها إلى النزوح من مدينة غزة على وقع القصف والأحزمة النارية، وقد عاشت ويلات التنقل القسري والنزوح من منطقة إلى أخرى إلى أن تم الإعلان رسميًا عن اتفاق وقف إطلاق النار والسماح بعودة النازحين، مضيفة: "هربنا من الحرب، والآن لا نستطيع حتى العودة".
أما الفلسطينية نائلة الصفدي، وهي أم لخمسة أطفال، فتوضح أنها غادرت البيت تحت القصف والآن تريد العودة إلا أنه طُلب منها مبلغ 5 آلاف شيكل (الدولار 3.65 شواكل)، وهو مبلغ مرتفع لا يمكنها دفعه، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وتقول: "لو بيعت كل أمتعتنا في السوق لن توفر ثمن المواصلات". وتبين الصفدي أن زوجها يحاول توفير وسيلة نقل منذ لحظة إعلان التوصل إلى اتفاق ولكن دون جدوى، إذ إن الأسعار الخيالية جعلت الأمر شبه مستحيل، داعية الجهات المختصة إلى توفير حافلات أو شاحنات تؤمن عودة النازحين بكرامة بعد أن استنزف العدوان قدراتهم المادية والنفسية والجسدية.
ويحاول المتطوع الفلسطيني عادل أبو سنينة برفقة عدد من أصدقائه مساعدة النازحين في حمل أمتعتهم والتوسط بين الركاب والسائقين، ويقول لـ "العربي الجديد" إن بعضهم استجاب، لكن الغالبية يرفضون، ما دفعهم إلى البحث عن حلول أخرى مثل استخدام الشاحنات الكبيرة لنقل أكبر عدد من العائلات لتخفيف العبء المالي عليهم.
من ناحيته، يوضح الفلسطيني خالد مقداد، وهو سائق شاحنة، أنه يتفهم استغراب الناس من الأسعار المرتفعة، إلا أن ذلك يعود وفق توضيحه إلى الغلاء الشديد في أسعار الوقود نتيجة شح الكميات والتأثيرات السلبية لمنع دخول الوقود بفعل إغلاق المعابر لفترة طويلة.
ويلفت مقداد، الذي يعتاش من عمله كسائق، لـ "العربي الجديد" إلى أنه يضطر في الكثير من الأحيان للانتظار ساعات طويلة لتعبئة الشاحنة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الطرق التي تعرضت للتدمير، وهذا يزيد من استهلاك الوقود ويؤدي إلى أعطال متكررة في ظل الغلاء الجنوني بأسعار قطع الغيار الشحيحة.
وخلقت العودة الجماعية للنازحين الفلسطينيين حالة من الازدحام في المفترقات العامة والطرق، ما أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل كبير مقارنة بعدد المركبات المتوفرة، فضلًا عن استغلال بعض السائقين لهذا الوضع عبر رفع الأسعار دون ضوابط.
وتلقي هذه الأزمة، وفق متابعين للملف، الضوء على الحاجة إلى تدخل عاجل من الجهات المختصة، لتوفير دعم مباشر للنازحين المنهكين من حياة النزوح والتنقل القسري الصعبة، عبر إتاحة وسائل نقل مجانية أو بأسعار رمزية خلال فترة الهدنة حتى يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم التي لا يعرفون عنها شيئًا بفعل طول أمد الحرب.