عودة الحريري: سيناريو المسكّنات لإنقاذ الاقتصاد اللبناني

عودة الحريري: سيناريو المسكّنات لإنقاذ الاقتصاد اللبناني

22 أكتوبر 2020
هل ينجح الحريري في حل الأزمات الاقتصادية ومشاكل اللبنانيين المعيشية؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

تطرح عودة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة اللبنانية في حال تمّ تكليفه من قبل الكتل النيابية خلال الاستشارات الملزمة المقرر أن تعقد اليوم الخميس في قصر بعبدا الجمهوري، الكثير من علامات الاستفهام على صعيد تداعيات هذه الخطوة على الملف الاقتصادي في لبنان، ربطاً بما يُشاع، لناحية، أنّ نجاح رئيس الوزراء الأسبق، في تشكيل حكومة اختصاصيين ذات مهمة إنقاذيه في إطار بيان وزاري إصلاحي مؤلّف من بنود المبادرة الفرنسية من شأنه أن ينتشل البلاد من الانهيار ويعيد الحركة الاقتصادية والمالية الى نشاطها التدريجي. 

كما ستنعكس إيجاباً على سعر صرف الدولار الذي يشهد منذ أيامٍ انخفاضاً في السوق السوداء، وُضِع بدوره في دائرة تطوّرات المشهد السياسي العام.
يقول وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق آلان حكيم، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشهدية التي تُرسَم ربطاً بعودة الحريري، هي وهمية، ومن الشكليات السياسية التي ليس لديها أي أثر اقتصادي أو مالي على لبنان، ويمكن وضعها فقط في إطار المُسكِّنات ذات المفعول الموقت والضئيل.
وفقاً لذلك، يؤكد حكيم أن "الواقع اللبناني هو في مكانٍ آخر، بعيد جداً من التحليلات الاقتصادية والمالية اليومية الوهمية، والبرهان، الانخفاض التام، وتراجع معظم إيرادات الدولة اللبنانية، سواء الضرائب، أو الاتصالات وغيرها من الإيرادات التي باتت شبه موجودة مقابل نسبة تضخم هائلة وخطيرة، وانعدام القدرة الشرائية عند المواطن، حيث تجاوز ارتفاع أسعار المواد الغذائية 168 في المائة، و242 بالمائة لأسعار العقارات والمنازل".

وأشار إلى أنّ "هذه الأرقام هي الأهم التي يجب أن نتوقف عندها، لما لها من تأثيرات اقتصادية ومعيشية خطيرة، وليس الأقاويل بأن عودة الحريري من شأنها أن تؤدي الى تراجع الأزمة الاقتصادية".

ويشدد، وزير الاقتصاد السابق، على أنّ المُسكّنات التي تعطى للبنان لتخطّي حالات آنية مستعصية، لم تعد تنفع، والمطلوب اليوم الإتيان بمبالغ مالية مرموقة من الخارج، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، تأتي بطبقة سياسية جديدة مستقلّة، تفهم وجع ومعاناة الناس، وتؤلف حكومة مستقلّة من الاختصاصيين رأساً وأعضاءً، تضع 3 ركائز أمامها، الاقتصاد، وانفجار مرفأ بيروت والإصلاحات، وقادرة أن تعيد ثقة المجتمع الدولي بالداخل اللبناني.
وأضاف أن الحكومة التي سيُعمَل على تشكيلها في حال تم تكليف الحريري، وسط مطالب بعض الفرقاء السياسيين الوزارية، لن تكون إلّا تكملة مسارٍ قديم للمنظومة الفاسدة التي هي أصل الأزمات الراهنة، تضعنا أمام حكومة شبيهة بسابقاتها بآلية العمل نفسها، والنتائج ذاتها، ولن تتمكن من استقطاب رؤوس الأموال، سواء من الدول العربية، والأوروبية، أو الولايات المتحدة الأميركية، الذين يضعون في المرتبة الأولى عامل الثقة، ومن دونه لن نلمس أي تقدّم أو تطوّر جدي فعّال.
من هنا، يرى حكيم أنّ المطلوب استعادة المجتمع الدولي الثقة بالسلطة اللبنانية، والتوجه إلى إصلاحات مستدامة على صعيد الدولة، لتحسين الأمور على الساحتين الاقتصادية والمالية، إذ إنّ رأس المال هو عادة "شخص يخاف" ولن يبادر إلى المساعدة أو يقبل بمنحها من دون عوامل، الثقة والمتابعة والاستمرارية، والعامل الأخير بشكل خاص مفقود على صعيد الدولة اللبنانية.
ولفت وزير الاقتصاد السابق إلى أنّ السيناريو اليوم يتجه إلى تمرير الوقت حتى انعقاد الانتخابات الأميركية، واتضاح المشهد أكثر على الساحة العالمية، خصوصاً بما يختصّ الشرق الأوسط، وقد نكون أمام فترة ترقّب لبضعة أشهر، وللأسف قد يعاني منها المواطن على الصعد المالية والاقتصادية والاجتماعية، في حين تصرّ المنظومة التي للأسف تملك صفة المتحدث الرسمي الشرعي الوحيد باسم لبنان على الاستمرار في النهج نفسه من دون أن تشعرَ بوجع اللبنانيين، من هنا ضرورة اقتلاع هذه الصفة من خلال الانتخابات النيابية المبكرة.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي، لويس حبيقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك أوركسترا إعلامية تمهّد لتداعيات عودة الحريري "الإيجابية" على الاقتصاد اللبناني وأزمة سعر صرف الدولار، علماً أنّ اللبنانيين اختبروا تجربة الحريري في أكثر من حكومة تولّى رئاستها، وأظهرت عجزها وفشلها في العديد من الملفات، على رأسها الاقتصادية والاصلاحية، التي أثّرت بدورها على مؤتمر "سيدر" الذي خصّص لدعم لبنان وعرقلت الممارسات السياسية وغياب الإصلاحات طريق الأموال التي كان من المفترض أن تصل دعماً للبنان.
ويتابع حبيقة "إضافة الى ذلك، فإنّ الحريري استقال في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إبّان الانتفاضة الشعبية، والناس فقدت ثقتها به وبالمنظومة السياسية كلّها خصوصاً تلك التي كانت في الحكم منذ عام 2013، فكلّ الطبقة سقطت في انفجار مواد نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وينبغي محاسبتها، ومحاكمتها لا منحها السلطة من جديد"، مشدداً، على أنّ الحريري، هو وجهٌ قديمٌ، ولو كان يملك مفتاح الإنقاذ لاستخدمه خلال فترة توليه رئاسة الحكومة.

ويقول حبيقة "لا يفكّر أحد، أنّ انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء، خلال الفترة الأخيرة يعني أنّ هذا الواقع بات ثابتاً ومستمراً، فهذا وهمٌ، لأنّ الأرقام قابلة للارتفاع في أية لحظة وبمجرّد حصول أي حدثٍ أو تطوّر على السّاحة اللبنانية".

ويضيف: "ولو حصلَ تكليف الحكومة وانخفض سعر الصرف، فإنّ تأخير تشكيل الحكومة وتأليفها، سيؤدي حتماً الى ارتفاعه من جديد"، لافتاً الى أنّ الناس "تتعلق بحبال الهواء" وتفتش عن المساحة البيضاء في المشهد القاتم، وكلنا أمل بأن يتمكن الحريري من تأدية مهمة الإنقاذ، ولكن هل تقمّص بشخص جديدٍ، مثلاً؟ فهو يبقى من المنظومة السياسية وله موقف سياسي سيظهر حتماً في التشكيلة الوزارية.
في الإطار، يؤكد، نقيب الصرافين في لبنان، محمود مراد، لـ"العربي الجديد"، أنّ سعر صرف الدولار يتأثر حتماً بالمتغيّرات السياسية والاقتصادية والمالية، والانخفاض الذي نشهده في الأيام القليلة الماضية، مرتبط في جزءٍ منه بالحديث عن عودة الحريري وتشكيل حكومة من شأنها أن تعيد إحياء المساعدات الخارجية، من بينها صندوق النقد الدولي، الى جانب، الشحّ الذي حصل على صعيد "الكاش بالعملة الوطنية"، الذي قلَّ وجوده في أيدي الناس، قابله حتماً عرض للدولار، وعوامل أخرى مرتبطة بالتعاميم التي أصدرها أخيرا حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة.
ويرى مراد أنّ سعر صرف الدولار من الطبيعي أن يشهد انخفاضاً يوم الخميس في حال حصلت الاستشارات النيابية الملزمة وأدت إلى تكليف شخصية تشكيل الحكومة سواء كان الحريري أو غيره، في خطوة سبقَ أن حصلت لفترة يوم تكليف السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب، قبل أن يسجل ارتفاعاً عند اعتذاره.
ويلفت إلى أنّ 90 في المائة من السوق السوداء هي من الشعب اللبناني، إذ بات المواطنون بغالبيتهم يعملون بها، ما أفقد الصراف الشرعي أي دور له، معتبراً، "أنّنا مثل الرمال المتحرّكة، ومن شأن أي خضّة في البلد أن تحدث تغييراً كبيراً في السوق، الذي يتأثر حتى في العوامل الخارجية وليس فقط الداخلية".
ويكشف مراد أنّ السوق اللبناني شهد تحركاً نسبياً خلال فترة الصيف، مع إعادة فتح البلاد بعد إغلاقه نتيجة أزمة فيروس كورونا، واستئناف التحويلات الخارجية لناحية استلام الأموال المحوّلة بالعملة الصعبة، وزيارة المغتربين لعوائلهم وجلب الدولار معهم، لكن الجزء الأكبر من هذه الأموال بقي في المنازل ولم يُصرَف، وربّما ارتفعت الأموال المخبّأة بها إلى أكثر من 4 مليارات دولار.

المساهمون