عن معركة مكافحة الغلاء والفساد في جورجيا

عن معركة مكافحة الغلاء والفساد في جورجيا

14 يونيو 2021
باتومي جورجيا (فرانس برس)
+ الخط -

زرت دولة جورجيا قبل أيام، فوجدتها بلداً رخيصاً من حيث الأسعار وتكاليف المعيشة رغم أنها لا تتمتع بموارد طبيعية قوية وضخمة، دولة قليلة الفساد في المصالح الحكومية التي تتعامل معها، بل ومنعدمة في بعض المواقع الأخرى.
لديها إمكانيات اقتصادية كبيرة وفرص استثمارية ضخمة لم تستغلها بعد خاصة في أنشطة السياحة والزراعة والتعليم والصناعة والصحة والعقارات والبنية التحتية والمطارات وجذب الاستثمارات الأجنبية.

من أكثر البلاد السياحية الآمنة، وتعد السياحة أحد أبرز موارد النقد الأجنبي لديها في السنوات الأخيرة، إلى جانب إيرادات التعليم الجامعي، إذ بات تجذب طلابا من العديد من دول العالم بما فيها مصر ودول الخليج والمغرب العربي وتركيا والهند وروسيا لدراسات تخصصات عدة في مقدمتها الطب بتخصصاته والعلوم التقنية.

كما تمتع البلاد بخدمة مصرفية متميزة في بنوكها، وانتشار كثيف للفروع المصرفية وماكينات الصرف الآلي ومراكز قبول البطاقات الائتمان وشركات الصرافة وتبديل العملات، وكذا قطاع صحي متميز.

دولة ليست فيها آبار نفط وغاز ضخمة عكس الحال في الدول المحيطة بها مثل روسيا وأذربيجان المليئتين بموارد الطاقة، فكل ما تتمتع به جورجيا هو الغابات والطاقة الكهرومائية وكميات قليلة من الفحم الحجري والمنغنيز وخام الحديد والنحاس.

وجورجيا لمن لا يعرفها دولة تقع في منطقة جنوب القوقاز، يحدها البحر الأسود من الغرب، وروسيا من الشمال، وتركيا وأرمينيا من الجنوب، وأذربيجان من الشرق. وعدد سكانها قليل نسبيا مقارنة بدول مجاورة، إذ يقل عن 5 ملايين نسمة مقارنة بمساحتها البالغة 69.7 ألف كيلومتر مربع.

جورجيا أقل الدول الأوروبية في معدل الجرائم، وهي سادس أكثر بلدان العالم من حيث الأمان حسب تقرير مؤشر الأمان العالمي لعام 2019

كانت جورجيا جزءاً من الاتحاد السوفييتي فترة تجاوزت السبعين عاما بعدما تعرضت في فبراير/شباط 1921 لهجوم وحشي من قبل الجيش الأحمر، أعقبها فرض قبضة سوفييتية حديدية عليها عقب قمع ثورة 1924.

وقبل وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلنت جورجيا استقلالها في 26 مايو/أيار 1991. ولمن لا يعرف أيضا فإن جوزيف ستالين الزعيم الثاني للاتحاد السوفييتي ينحدر من جورجيا.

تبليسي جورجيا (مايكل رنكل/Getty)

أول ما يسترعي انتباهك عند خروجك من مطار تبليسي الدولي بالعاصمة هو الطبيعة الخلابة والموارد الطبيعية الضخمة والخضرة التي تغطي كل شيء، والسلاسل الجبلية الساحرة والخضراء والوديان النضرة، إضافة إلى كثافة الأشجار المنتشرة في كل مكان، وغزارة الأمطار حتى في فصل الربيع، أما في فصل الشتاء فإن الثلوج تغطي الجبال والوديان والأنهر. 
وثاني الأمور التي ترعى انتباهك هو انخفاض تكلفة المعيشة في العاصمة تبليسي وغيرها من المدن الجورجية بما فيها باتومي العاصمة السياحية للبلاد، فتكلفة الرحلات السياحية الداخلية زهيدة، وإيجار شقة غرفتين قد لا يتجاوز 300 دولار شهريا.
حتى الإيجارات في الفنادق رخيصة، فقد تجد غرفة في فندق بـ25 دولارا لليلة الواحدة، وأسعار المواصلات رخيصة جدا، فاستقلال كل محطات مترو الأنفاق من بداية الخط إلى نهايته لا يكلفك سوى نصف لاري (عملة الدولة الرسمية)، والدولار يساوي 3.31 لاري تقريبا.

وكذا كلفة الأتوبيس الذي قد يقلك لمسافات تزيد عن 20 كم، وبتكلفة لاري واحد في الاتجاهين، واستقلال تاكسي لمسافة تزيد عن 10 كم قد يكلفك أقل من 10 لاري، أي 3.6 دولار.

انخفاض تكلفة المعيشة وأسعار السلع الغذائية والوجبات في المطاعم وأسعار الملابس في المحال والمولات التجارية وغيرها

ينطبق ذلك على أسعار السلع الغذائية والوجبات في المطاعم وأسعار الملابس في المحال والمولات التجارية وغيرها، كما ينطبق على فواتير النفع العام مثل الكهرباء والمياه والغاز المنزلي. 
كما يسترعي انتباهك أيضا درجة الأمان العالي، فجورجيا أقل الدول الأوروبية في معدل الجرائم، وهي سادس أكثر بلدان العالم من حيث الأمان حسب تقرير مؤشر الأمان العالمي لعام 2019.
طوال فترة وجودي في جورجيا، كان السؤال الذي يلح عليّ هو: لماذا تكلفة المعيشة وأسعار السلع والخدمات منخفضة إلى هذا الحد هنا رغم ضعف موارد الدولة؟ 
وكانت الإجابة تكمن في خفض الحكومات المتعاقبة على حكم جورجيا فاتورة الفساد، ومكافحة الدولة الجريمة المالية بقوة، وهو ما وفر للدولة والاقتصاد والمواطن موارد مالية ضخمة.
لكن كيف تحولت جورجيا من بين أكثر الدول فسادًا في جميع بلدان أوراسيا قبل ثورة الزهور عام 2003 إلى "أفضل دولة مُحارِبة للفساد في العالم" حسب منظمة الشفافية الدولية؟ 
الإجابة عن السؤال تحتاج تفاصيل، والتفاصيل في مقال لاحق.
 

المساهمون