عن مأزق العمالة المصرية في الخليج ودول المنطقة

13 يناير 2025
تراجع أعداد العمالة المصرية الوافدة في الكويت - getty
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه العمالة المصرية في الخارج تحديات متزايدة بسبب تضييق الفرص، مما يؤثر سلباً على تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي بلغت 23.7 مليار دولار في 2024.
- تقلصت الأسواق الخارجية الجاذبة للعمالة المصرية نتيجة سياسات التوطين وتراجع إيرادات الدول المستقبلة، مما جعل العمالة الوافدة عبئاً مالياً، مع اتخاذ إجراءات صارمة ضد العمالة المخالفة.
- عاد مئات الآلاف من المصريين من الخليج منذ 2018 بسبب الأزمات المالية، مما يتطلب من مصر البحث عن موارد دولارية جديدة وتوفير فرص عمل محلية للعمالة العائدة.

يوماً بعد يوم يضيق الخناق على العمالة المصرية في الخارج، والذين يقدر عددهم بالملايين. وفي المنطقة العربية تحديداً، والتي تستقبل ما يزيد عن سبعة ملايين عامل مصري، يزيد هذا المأزق حيث بات الخناق يضيق أكثر فأكثر على تلك العمالة مقارنة بأي منطقة أخرى، ومعها تتراجع الفرص المتاحة أمام ملايين المصريين الباحثين عن فرصة عمل كريمة خارج بلدهم، وهو ما ينعكس سلباً على أرقام تحويلات هؤلاء المغتربين، والتي تعد المصدر الثاني لإيرادات مصر من النقد الأجنبي بعد الصادرات، حيث قدرت قيمتها بنحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2024. وبلغت قيمتها 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية 2023-2024.

ونظرة لخريطة الأسواق الخارجية الجاذبة للعمالة المصرية تلحظ أنها تتضاءل رقعتها يوماً بعد يوم لأسباب عدة، منها ما هو محلي حيث تتوسع الدول المستقبلة للعمالة العربية والأجنبية في سياسة التوطين، والتضييق على العمالة الوافدة لصالح المحلية بهدف التقشف أو حل أزمة البطالة، بل وشيطنتها في بعض الأوقات وتحميلها مسؤولية كل الأزمات الداخلية سواء كانت مالية اقتصادية أو اجتماعية ونفسية.

ومن الاسباب ما هو خارجي مثل تراجع إيرادات تلك الدول من النقد الأجنبي خاصة من النفط والغاز، والتعامل مع العمالة الوافدة على أنها عبء مالي، حيث تستنزف تحويلاتها مليارات الدولارات سنوياً، وتسبب عجوزات في الموازنات العامة، تتساوى في ذلك دول الخليج التي تحول العمالة الوافدة منها 113 مليار دولار سنوياً مع دول أخرى كانت ملاذاً تاريخياً للعمالة المصرية على مدى عقود مثل ليبيا والأردن والعراق والسودان.

الأردن تشن حكومته بداية من العام الجاري حملة تفتيشية شرسة ضد العمالة الوافدة المخالفة ومنها المصرية والسورية، وترحل المخالفين على الفور

أحدث الأمثلة على ذلك ما يجري الآن داخل الأردن الذي تشن حكومته بداية من العام الجاري حملة تفتيشية شرسة ضد العمالة الوافدة المخالفة، وترحل المخالفين على الفور، بل إن حكومة المملكة أوقفت خيار إلغاء تسفير تلك العمالة مقابل دفع غرامة بقيمة 3000 دينار، حيث أكدت أن الخيار بات غير متاح نهائياً، وأن أي عامل مخالف سيتم تسفيره فور ضبطه.

هذا القرار أصاب سوق العمل الأردني بصدمة شديدة، حيث إن أوساطاً حكومية داخل المملكة تقدر أعداد العمالة الوافدة المخالفة في الأردن بأكثر من نصف مليون عامل، إضافة إلى عشرات السوريين الذين لجأوا للمملكة بسبب تدهور الوضع الأمني في بلدهم في فترة ما بعد 2011 وانخرطوا في سوق العمل.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تزيد حدة الصدمة إذا ما علمنا أن نصف المخالفين في الأردن من دولتين فقط هما مصر وسورية، وأنه وفق الأرقام الرسمية فإن العمالة المصرية الوافدة، التي تشكل أكبر جالية عاملة في الأردن، تقدر أعدادها بنحو 800 ألف مصري، وهو ما يعني تراجعها إلى 550 ألف مصري بعد ترحيل المخالفين.

وفي ليبيا التي كانت تستضيف أيام حكم معمر القذافي نحو 1.5 مليون عامل مصري فإن العدد تهاوى حالياً إلى بضعة آلاف، ولعبت الظروف الصعبة التي مرت بها الدولة منذ العام 2011 من حروب أهلية وعدم استقرار أمني وسياسي دوراً كبيراً في تهاوي عدد المصريين هناك. زاد من تعقد الأمر تهاوي الوضع الاقتصادي والمعيشي داخل تلك الدولة النفطية، وزيادة حدة الغلاء والبطالة والفقر، والأهم هو موقف الليبيين أنفسهم وحكوماتهم المتعاقبة من العمالة المصرية في فترة ما بعد منتصف العام 2013 وتعرض بعضهم للاضطهاد والملاحقة بناء على مواقف سياسية.

وفي السودان فإن الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قضت على آخر أمل لوجود جالية مصرية ضخمة بها، كما لعبت عوامل أخرى منها فقدان الدولة للاستقرار الأمني والسياسي في السنوات العشر الماضية، وتدهور الأحوال المعيشية وتهاوي قيمة العملة المحلية، الجنيه، وزيادة حدة الفقر والبطالة وتراجع فرص العمل والاستثمار، دوراً كبيراً في تقلص عدد المصريين هناك.

في منطقة الخليج فحدث ولا حرج، فقد عاد مئات الآلاف من المصريين من تلك المنطقة الثرية منذ العام 2018، خاصة من دول السعودية وقطر والكويت

أما في منطقة الخليج فحدث ولا حرج، فقد عاد مئات الآلاف من المصريين من تلك المنطقة الثرية منذ العام 2018، خاصة من دول السعودية وقطر والكويت. زاد الوضع تعقيداً في الفترة من 2020 وحتى 2022 حيث تعرضت دول الخليج لضغوط مالية كبيرة بسبب أزمات جائحة كورونا ثم تهاوي أسعار النفط، فوفق تقديرات رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في اتحاد الغرف التجارية بمصر، حمدي إمام، فإن عدد العمال المصريين العائدين من الخارج خلال العام 2018 بلغ نحو 500 ألف عامل، منهم 250 ألفاً من السعودية وحدها.

وكان عام 2018 هو أسوأ الأعوام التي مرت على العمالة المصرية بالسعودية، وبشركات إلحاقها بالخارج. كما كان عام 2020 هو الأسوأ على العمالة المصرية في قطر حيث تم الاستغناء عن عشرات الآلاف خلال جائحة كورونا، وقبلها تكرر السيناريو عقب حصار قطر في منتصف العام 2017.

ومن المتوقع أن تزيد تلك الضغوط على العمالة المصرية في منطقة الخليج في الفترة المقبلة لصالح عمالة أخرى منها الهندية رخيصة الكلفة، خاصة مع تراجع أسعار النفط في الاسواق العالمية إلى النصف تقريبا مقارنة بأسعار شهر مارس من العام 2022، وتزايد مقادير العجز في معظم موازنات بعض تلك الدول ولجوئها للاقتراض الخارجي لمعالجة الخلل في المراكز المالية وتغطية العجز في الموازنة. ويكفي الإشارة هنا إلى أن السعودية ستقترض نحو 37 مليار دولار، لتغطية العجز المتوقع في موازنة العام الجاري 2025.

الخلاصة أن المساحات والفرص المتاحة أمام العمالة المصرية باتت ضيقة داخل دول المنطقة، ولذا فإن على صانع القرار في مصر التعامل بجدية مع هذا الملف الحساس من عدة زوايا، الأولى هو البحث عن موارد دولارية جديدة تعوض ذلك التراجع المتوقع في قيمة التحويلات الخارجية للمغتربين، والثاني هو تدبير فرص عمل سريعة لتلك العمالة خاصة الماهر منها والذي اكتسبت خبرات طويلة بسبب احتكاكه بخبرات أجنبية وعربية. والحل هنا يكمن في الاهتمام بالقطاع الإنتاجي المولد لفرص عمل خاصة نشاط الصناعة.

المساهمون