عن قفزة الدولار في مصر... متى تتوقف؟

عن قفزة الدولار في مصر... متى تتوقف؟

30 أكتوبر 2022
الدولار يواصل قفزاته في مصر (Getty)
+ الخط -

واصل سعر الدولار ارتفاعه في السوق المصرية اليوم الأحد ليتجاوز 24 جنيهاً، وبذلك تفقد العملة المحلية نحو 4% من قيمتها خلال يوم واحد وأكثر من 40% منذ شهر مارس/آذار الماضي.

السعر الحالي للدولار لن يقف عند هذا الحد مقابل الجنيه، بل مرشح للتذبذب خلال الفترة القليلة المقبلة مع الميل نحو الزيادة خاصة مع شح المعروض الدولاري المطروح للبيع في السوق السوداء، وامتناع بعض المضاربين وحائزي النقد الأجنبي عن البيع ترقباً لمزيد من ارتفاع العملة الأميركية، وبالتالي حصد مزيد من الأرباح الرأسمالية التي قد تعوض المستثمر والمدخر عن جزء من تكلفة التضخم الحالي وغلاء الأسعار.

الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولارات لن يضع نهاية سريعة لأزمة العملة في مصر

بالطبع، الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولارات لن يضع نهاية سريعة لأزمة العملة في مصر، أو يوقف زحف الدولار نحو الأعلى، فالقرض لن يتم ضخه مرة واحدة أو بين ليلة وضحاها، بل على 46 شهرا، وبما يعادل 800 مليون دولار سنويا.

كما أن القرض لن يتم ضخه الآن، بل ينتظر الحصول على الموافقة النهائية من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي من المقرر أن يجتمع لمناقشة الاتفاقية في شهر ديسمبر المقبل.

هذا الأمر ينطبق أيضاً على القرض الجماعي الذي ستحصل عليه الحكومة بموجب اتفاقها مع الصندوق والبالغة قيمته 9 مليارات دولار من دول ومؤسسات إقليمية ودولية عقب موافقة المجلس.

هذه نقطة، أما النقطة الثانية فإنه عادة ما يزيد الطلب على الدولار في السوق المصرية مع نهاية العام وبداية العام الجديد، ذلك لأن تلك الفترة تشهد تحويل الشركات الأجنبية العاملة في مصر لأرباحها السنوية إلى الخارج، وفتح المستوردين الاعتمادات المستندية للعام الجديد، وسداد أعباء وأقساط الديون الدولارية، سواء المستحقة على الدولة أو الشركات، وهو ما يزيد الطلب على الدولار.

أما النقطة الثالثة فتتعلق بالأعباء الإضافية التي يمكن أن تتحملها الموازنة المصرية نتيجة الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود الأغذية.

فأسعار النفط والغاز مرشحة للزيادة مع تطبيق تحالف "أوبك+" قرار خفض الإنتاج النفطي مليوني برميل بداية من بعد الغد الثلاثاء 1 نوفمبر.

الأعباء الإضافية يمكن أن تتحملها الموازنة المصرية نتيجة الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود الأغذية داخل الأسواق العالمية

وسعر الغاز مرشح للزيادة مع قدوم فصل الشتاء الذي يشهد عادة ارتفاعاً في الطلب على منتجات الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة والدول الباردة، كما أنّ قارة أوروبا مصرة على "تصفير" النفط والغاز الروسي بنهاية العام في اطار عقوبات اقتصادية على روسيا.

أضف إلى ذلك تجدد حرب الغذاء عالمياً مع إعلان روسيا تعليق اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وتوقف حركة نقل قمح أوكرانيا عبر البحر الأسود، يوم الأحد، وهو ما ينذر بحدوث قفزات جديدة لسعر القمح في الأسواق، ويفاقم من أزمات الدول المستوردة للأغذية، ومنها مصر التي تصنف على أنّها أكبر مستورد للقمح والزيوت النباتية في العالم.

وهذا التطور قد يضغط مجددا على الجنيه المصري كما حدث عقب اندلاع حرب أوكرانيا، وذلك في حال استمرار عرقلة روسيا صادرات الحبوب الأوكرانية لدول العالم كما جرى قبل شهور.

أما النقطة الرابعة التي يجب أخذها في الاعتبار عند بحث مستقبل سعر الجنيه المصري في الفترة المقبلة فتتعلق بمدى تلبية البنوك المصرية احتياجات المستوردين والتجار من النقد الأجنبي، وتخفيف القيود على الواردات وفتح الاعتمادات المستندية المتراكمة، لأن عدم التلبية يعني لجوء التجار للسوق السوداء للحصول على احتياجاتهم الدولارية، وهو ما يعني استمرار السوق غير الرسمية للعملة رغم تعويم الجنيه للمرة الثانية في أقل من عام.

النقطة الرابعة هي أنّ البنك المركزي تعهد بتطبيق مرونة أكبر في سوق الصرف، وبشكل دائم، وفقا للاتفاق الأخير مع صندوق النقد، وبالتالي سيتخلى ولو مؤقتا عن سياسة الدفاع عن الجنيه المصري ومحاولة تحسين قيمته عبر التدخل الإداري كما جرى في السنوات الماضية، بل سيطبق آليتي العرض والطلب، وهو ما يعني تحركاً أكبر في سعر العملة صعوداً وهبوطاً، إلى حين توازن سوق الصرف مع زيادة السيولة الدولارية ووقف المضابات واختفاء السوق السوداء، وهنا يستقر سعر الدولار.

البنك المركزي تعهد بتطبيق مرونة أكبر في سوق الصرف، وبشكل دائم، وفقا للاتفاق الأخير مع صندوق النقد

لا ننسى أنّ سوق الصرف احتاج شهوراً للاستقرار عقب تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بل إنّ الأمر استغرق حتى الربع الأول من عام 2017، وسعر الدولار سيستقر عندما تلبي البنوك احتياجات عملائها، سواء كانوا مستوردين أو أفراداً.

وفيما عدا ذلك ستواصل السوق السوداء نشاطها، وهو أمر خطير على مناخ الاستثمار ويعرقل أي خطط لجذب استثمارات خارجية، لأنّ المستثمر الأجنبي لا يأتي إلى سوق تتعدد فيه الأسعار، سواء كانت سلعاً أو عملات، أو يشهد اضطراباً في سوق الصرف الأجنبي.

المساهمون