عن تكتيك المقاومة وخسائر العدو

عن تكتيك المقاومة وخسائر العدو

16 يونيو 2021
رغم كل الصعوبات، أصبحت المقاومة، أداة ردع (العربي الجديد)
+ الخط -

بينما تحاصر دولة الاحتلال غزة، استطاعت فصائل المقاومة، خلال عملية "سيف القدس"، مجابهة حصارها بحصار مضاد، هذا الملمح الجديد، والنتيجة التي أدركتها إسرائيل، تضرر قطاعات النقل، صعوبة الوصول والحركة، نتائج تؤكد أن دولة الاحتلال لا يمكن أن تحظى بالأمن، ما دامت انتهاكاتها مستمرة.
وفي مقابل دمار وخسائر سببها العدوان على غزة، استطاعت ضربات المقاومة المتلاحقة والمكثفة، إلحاق أضرار متنوعة، من قبيل تعطيل قطاعات النقل الجوي كليا، والبحري جزئياً، مما أثر في عمليات الشحن، وحركة الأسواق، ومعدلات التشغيل، وزاد من انخفاض سعر الصرف، عدا الارتباك في قطاع الخدمات، وخسائر في قطاع الطاقة الذي يشمل الغاز والكهرباء.
ساهمت دقة الاستهداف واختيار المواقع المؤثرة، في زيادة التكاليف المباشرة للحرب، والتي تتضح من حجم الضرر في المباني والمنشآت، والتركيز على مؤسسات ومشاريع اقتصادية بعضها، أجنبي، كاستهداف شركات وحقول غاز، وكأن المقاومة باستهدافها المؤسسات الاقتصادية، ترد على حصار واستهداف إسرائيلي لبنية الاقتصاد الفلسطيني وحصار غزة، ليتجرع العدو الكأس نفسها، وهو الملمح الاقتصادي الثاني في المواجهة بين المقاومة ودولة الاحتلال، استهداف المؤسسات والاستثمارات الاقتصادية لتكبيد العدو خسائر اقتصادية ضخمة والتلويح بقدرة المقاومة على تهديد الاستثمارات الحيوية، وتعطيل بعض مصادر الدخل من الغاز والسياحة.

لم يكن عامل تطور مدى صواريخ المقاومة جغرافيّا، أو استخدام الطائرات والغواصات المسيرة هي المؤثرة وحسب، لكن هناك أيضا، اجتهاد وتدريب ومهارات وخبرات اكتسبت، منذ التنسيق والتدريبات المشتركة بين فصائل المقاومة منذ عامين، ومعها تطور في قدرات التوجيه والتخطيط، وهي ترتبط بالعامل البشري.

استطاعت المقاومة محاصرة الحياة في دولة الاحتلال، وساهم التوظيف الجيد للموارد المتاحة، والقدرة على الاستهداف الدقيق، في تعظيم النتائج، وهو ملمح ثالث يشتبك فيه التخطيط وتوظيف الموارد، من أجل زيادة تكاليف الحرب على العدو كنوع من الردع، التكتيك الذي استخدمته المقاومة في تنسيقها وكأنها جيش، صنع فرق في قدراتها وتأثيرها.
وفي السياق ملمح رابع عن كيفية إدارة وتوظيف الموارد المحدودة، وتحقيق أقصى نتيجة منها، دون هدر، وهذا الجانب بالذات يضع من يكرسون أموال شعوبهم من أجل شراء الأسلحة في حرج، وأسئلة تتعلق بحجم الإنفاق العسكري وجدواه.

استطاعت المقاومة محاصرة الحياة في دولة الاحتلال، وساهم التوظيف الجيد للموارد المتاحة، والقدرة على الاستهداف الدقيق، في تعظيم النتائج

ويستطيع المتأمل أن يضع في الاعتبار مقارنة بين تكاليف ضئيلة استثمرتها المقاومة في بناء أدواتها الدفاعية، وبين دول رغم ما تمتلكه من مؤهلات لم تشرع في تطوير بنيتها الصناعية والتقنية، وهو درس وملمح آخر لمن أراد التفكر، يفتح أسئلة عن إمكانيات التصنيع، بما فيها من أسلحة مؤثرة بتقنيات ممكنة وتكلفة معقولة، كما فعلت المقاومة والتي بنت حائط صد وتحاول خلق حالة من توازن القوة.

وبذلك أعادت المقاومة، شعوراً مفتقداً بالعزة، وبأن هناك شعباً باسلاً، يقاوم بكل مكوناته، ولديه في قطاع مفقر وأهله محاصرون، وبين شبابه ونسائه وفي أحيائه أبطال وبطلات، أصحاب عزم وتفاؤل وأمل في الانتصار، شعب يقاوم غطرسة العدو الساعي للهيمنة على المنطقة العربية.
وفي ضوء مجمل التأثيرات، ومنها الاقتصادية، كانت النتائج، صد العدوان، وإنهاء الحرب على غزة، والاستجابة لوساطات عربية ودولية من أجل التهدئة، ورغم كل الصعوبات، يمكن القول إن المقاومة، أصبحت أداة ردع، وتأثيراتها في الحرب الأخيرة، متعددة الأوجه، منها تأثيرات اقتصادية أشار إليها مسؤولون في الصحف العبرية، رغم أن سلوك الإعلام الإسرائيلي غالبا متحفظ في إعلان حجم الخسائر والأضرار، وهي سمه رصدتها ورقة بحثية ( Debts of Honor, Costs of War) أصدرها مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، وتعتمد على تحليل تغطية ثلاث صحف لحرب 2014، كما أصدر المركز أول شهر مارس/آذار الماضي، دراسة(The Defense Budget for 2021) تحلل تكلفة الإنفاق العسكري في ظل أزمة اقتصادية بين ملامحها تداعيات كورونا.

ويمثل حصار غزة، حربا مستديمة، لكنه في النهاية أقل تكلفة لإسرائيل من الحرب، وما تتضمنه من آثار مباشرة وأخرى غير مباشرة، بجانب الإنفاق العسكري، وما يرتبط بها من تكاليف الأمن والتعويضات وأجور العاملين في القطاع العسكري، وهناك خسائر مستقبلية متوقعة، تتعلق بتقلص مساحات بعض الأنشطة التجارية والاستثمارية.
وحسب دراسة حول تكاليف الحرب أجراها مركز السياسات العامة للشرق الأوسط، فإن "إسرائيل لديها مكاسب مطلقة أكبر مع حالة السلم، وخسائر مطلقة أكبر ناجمة عن العنف".

وفعليا يمكن أن يتضرر قطاع الصناعات العسكرية في إسرائيل في جانبه المتعلق بالمبيعات، رغم أنه سينشط لإعادة تصنيع وتعويض ما استهلك في الحرب، لكن ستؤثر صورة مواجهة المقاومة لإسرائيل على مبيعاتها من السلاح، والتي ارتفعت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة لما يقارب 60 في المائة، وبلغت عام 2017 ما يزيد عن 9 مليارات دولار، خاصة أن إسرائيل ضمن أكبر عشر دول مصدرة للسلاح.
 وحسب تقديرات معهد استوكهولم بلغت مبيعاتها 3 بالمائة من السوق العالمي عام 2019، وتسوق مبيعاتها عبر الترويج لتقدمها في صناعة السلاح، والمجال التقني، وأنظمة المراقبة والتجسس والدفاع الصاروخي، وستتأثر مبيعاتها بكل تأكيد مع انخفاض قدرتها في صد صواريخ المقاومة، وإخفاقها في عمليات التجسس.
بينما على الجانب الآخر، استطاعت المقاومة تطوير نظم الدفاع والتخفي، وجمع المعلومات بتقنيات تكلفتها ضئيلة، كاختراق كاميرات المراقبة وتصميم شبكة اتصال مغلقة!

تشير العديد من البيانات أن خسائر إسرائيل من العدوان الأخير أكبر من عملية الجرف الصامد، بما فيها قطاعات السياحة والنقل وصعوبة الحركة وتكاليف التأمين والإنفاق العسكري الضخم

وكل تأثير وتطور للمقاومة، يقابل بعجز إسرائيلي، يرسم صورة معاكسة للدعاية الإسرائيلية، ويؤثر في مبيعات السلاح، وهذا يؤثر في الميزان التجاري، ويضيف إلى عجز الموازنة والتي تجاوزت 50 مليار دولار خلال عام 2020، خاصة أن القطاع العسكري جزء رئيسي في الاقتصاد الإسرائيلي.
وكانت لحرب الجرف الصامد في عام 2014 تداعيات كبيرة على قطاع السياحة في إسرائيل، حسب وزير السياحة حينها عوزي لاندو، إذ تراجعت الإيرادات 30 في المائة، بينما توقف قطاع الطيران 36 ساعة، رغم فترة الحرب الطويلة نسبيا، 51 يوما.

ومع سابقة تعطل قطاع النقل الجوي عشرة أيام، خلال العدوان الأخير، وهو ما يضيف إلى أزمة قطاع النقل الجوي خصوصا، والذي تأثر بشدة مؤخرا، مما دفع لتخصيص ميزانية لدعمه لمدة 20 عاما، حسب بيانات وزارة المالية الإسرائيلية.

إجمالا ستتأثر السياحة بشكل أكبر، وسيضفي ذلك تراجعاً يضاف إلى معدلات انخفاض شهدها عام 2020 بلغت 81% مقارنة بعام 2019، وهو ما يجعل توقعات وزيرة السياحة الإسرائيلية نهاية عام 2020 بعودة نشاط السياحة للعام الجاري غير وارد، رغم مراهنتها على جذب 100 ألف سائح إماراتي والتنسيق مع تحالف سياحي تركي لجذب 100 ألف آخرين.

وإجمالا تشير العديد من البيانات أن خسائر إسرائيل من العدوان الأخير أكبر من عملية الجرف الصامد، بما فيها قطاعات السياحة والنقل وصعوبة الحركة وتكاليف التأمين والإنفاق العسكري الضخم.
ويتضح أن حساب تكاليف الحرب، في ظل تطور قدرات المقاومة، وتعدد جبهاتها، كان عاملا مؤثرا في إنهائها، وفي كل الأحوال لا تستطيع آليات الحرب الإسرائيلية أن تتمادى في الحرب وهي تتجاهل أعباءها وتداعياتها، وحتى ولو كانت تنفق نسباً مرتفعة من موازنتها على التسلح، لكن حسابات الحرب أكبر من التكلفة العسكرية، لذا ستفكر دول الاحتلال في المرات المقبلة إذ هاجمت قطاع غزة، وتحسب تكاليف وأعباء الحرب أيضا، وربما تسعى إلى هدنة طويلة هذه المرة.

المساهمون