عن السجّان بشار الأسد ناهب الاقتصاد السوري

10 ديسمبر 2024
احتفالات بسقوط بشار الأسد في دمشق، 8 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سجون تحت الأرض ومعاناة المعتقلين: تحت سطح سوريا، توجد شبكة سجون سرية حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والعزل، مما يعكس نظاماً قمعياً يهدف لإسكات المعارضة، مع تدهور جسدي ونفسي للمعتقلين.

- الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي: منذ 2011، تكبدت سوريا خسائر اقتصادية ضخمة بلغت 1.2 تريليون دولار حتى 2021، مع تدهور الليرة وارتفاع التضخم والفقر، حيث يعيش 84% من السوريين تحت خط الفقر.

- الفساد والاستبداد الاقتصادي: سيطر النظام السوري على الاقتصاد لتحقيق مكاسب شخصية عبر الفساد، مما أدى لإفقار الملايين واستبعادهم من النشاط الاقتصادي، مع استمرار هذه السياسات في عهد بشار الأسد.

هنالك تحت سورية سورية أخرى. سجون ممتدة تحت المؤسسات والمدارس والمستشفيات، وسجون تحت السجون. مشاهد الرعب بدأت تظهر، وخاصة من سجن صيدنايا. العيون هناك تحكي مليون قصة عن التعذيب والقهر والذل. صور وفيديوهات لسجناء حرروا من أقبية تحت الأرض تعفنت فيها عقولهم وأجسادهم على مر سنوات بلا شمس ولا هواء. كلمات تخرج من أفواههم بصعوبة، غير مفهومة، فقد أنساهم التعذيب والعزل الأحرف. كل ذلك لأنهم قالوا لا لشخص. وهذه الـ"لا" ثقيلة. هي تهدد نظاماً نهب بلداً كاملاً على مر سنوات طويلة، من الأب حافظ إلى ابنه بشار والمئات من أقاربهما وحاشيتهما، هؤلاء سجنوا الاقتصاد السوري تحت الأرض أيضاً، استفردوا بمؤشراته، ونهبوا كل مقوماته.

فمنذ بداية الثورة في 2011، وبدء نظام الأسد في قتل شعبه وتشريده، تعرضت سورية لخسائر اقتصادية ضخمة. وتشير التقديرات في العام 2021 إلى أن الكلفة الاقتصادية للحرب منذ عام 2011 بلغت 1.2 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي المفقود. ويشمل هذا الرقم الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية، والانهيار الاقتصادي، والتأثير على رأس المال البشري. وإذا انتهت الحرب على الفور، فإن العواقب الطويلة الأجل قد تضيف 1.4 تريليون دولار إضافية في التكاليف بحلول عام 2035، ليصل المجموع إلى 1.7 تريليون دولار عند تضمين التأثيرات الأوسع مثل الصحة والتعليم.

على وجه التحديد، تم تقييم الدمار المادي للبنية التحتية وحدها بنحو 117.7 مليار دولار، وهو ضعف الناتج المحلي الإجمالي لسورية في عام 2010.

أما الليرة السورية فقد شهدت انهياراً هائلاً. في 2011، كان الدولار يعادل حوالي 50 ليرة سورية، بينما وصل سعر الدولار حالياً إلى ما يقارب 22 الف ليرة سورية في دمشق و36 ألف ليرة في حلب. هذا الانهيار الحاد في العملة المحلية ساهم في زيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، في مقابل مداخيل زهيدة يتقاضاها من بقي من السوريين في أرضه.

أزمات جعلت من سورية بؤرة فقر، بنسبة تتخطى 84% من السوريين تحت خط الفقر، فيما حوالي 13 مليون سوري يعانون من نقص حاد في الغذاء. أما معدلات البطالة فهي تزيد عن 60% في أكثر المؤشرات تفاؤلاً.

لكن هذه المؤشرات لم تكن كافية للطاغية، فقد سجلت العديد من التقارير نهب النظام حتى جزءاً كبيراً من المساعدات الدولية وأموال إعادة الإعمار المخصصة للتخفيف من المعاناة، فيما فرض ضرائب ورسوماً باهظة على السوريين داخل البلاد وخارجها. ويشمل ذلك رسوماً عالية بشكل غير عادي على جوازات السفر. وتشير التقديرات إلى أن سياسات النظام وأفعاله منذ العام 2011 نهبت مليارات الدولارات من الاقتصاد السوري.

وهذا الخراب لم يبدأ منذ 13 عاماً. قبل العام 2011، كان الاقتصاد في عهد حافظ وبشار الأسد مخزن أموال لتحقيق مكاسب شخصية من خلال الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والسيطرة على القطاعات الحيوية، وقد كانت هذه الطريقة آلية لترسيخ الاستبداد. إذ طوال حكم حافظ الأسد (1970-2000)، كان الاقتصاد ممسوكاً بالمطلق بيد الرئيس وحاشيته، تحت شعار "الاشتراكية"، التي كانت تستخدم باعتبارها كلمة براقة لنهب البلد وتوزيع الفتات للسكان. ولم يكن للسوريين متنفساً، حتى النقابات كانت بيد الأسد وتحت إمرته، ما عزز الفساد والاستغلال وراكم ثروات النخب المرتبطة بالنظام.

ولم يختلف الأمر في عهد بشار منذ عام 2000، إذ إن ما عرف بسياسات التحرير، لم تكن سوى إعادة تدوير للاستبداد الاقتصادي، ما جعل موارد البلد وقطاعاته الأساسية من نفط واتصالات وعقارات وصادرات وواردات وغيرها في يد رأس النظام وحاشيته وأقربائه، وقد قُدّر أن حوالي 33% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر قبل عام 2011، مع ارتفاع حاد في معدلات الفقر في الريف بسبب الجفاف وسوء توزيع الثروة. وفيما كانت البطالة رسمياً تبلغ حوالي 8.6%، لكن التقديرات غير الرسمية كانت تشير إلى أكثر من 20%.

كما عزز النظام سيطرته على المؤسسات المالية السورية، واستخدمها لتعزيز مصالحه، مع إعطاء تصاريح أمنية للخدمات المالية، وبالتالي استبعاد العديد من السوريين من النشاط الاقتصادي. وقد قدرت تقارير أن شبكات الفساد داخل النظام كانت تسحب مئات الملايين من الدولارات سنوياً من أموال الدولة، إما عبر العقود الاحتكارية أو سوء استخدام السلطة. منها مثلاً شبكة رامي مخلوف، الذي كان يتحكم بحوالي 60% من الاقتصاد السوري قبل 2011، وفق عدد من التقارير، ما جعله رمزاً للفساد في البلاد.

وخلال السنوات التي سبقت الثورة، أدى تخلي النظام عن سياسات الدعم للمواد الأساسية (مثل الوقود والغذاء)، إلى إفقار الملايين. بالإضافة إلى ذلك، استحوذت النخب المقربة من النظام على الأراضي والمشاريع الزراعية، ما دفع العديد من سكان الريف إلى الفقر المدقع.

وقد أدى الفساد والنهب الممنهج إلى خلق فجوة هائلة بين النخب الحاكمة وبقية السكان. ومؤشرات النمو التي كانت متصاعدة خلال حكم الأسد لم تكن مرتبطة بمسار اقتصادي حقيقي، وإنما بقطاعات ممسوكة بالكامل من قبل نظام اعتمد الفساد نهجاً للحفاظ على الولاءات.

موقف
التحديثات الحية

نظام قتل وهجّر شعبه، هذه العبارة لا يوجد فيها أي نوع من المبالغات. فمنذ 2011، أُجبر 12.3 مليون شخص على الفرار من البلاد، مع وجود 6.7 ملايين نازح داخلياً، بينما قدر عدد سكان سورية في 2010 بـ23 مليون شخص. وتجاوز عدد القتلى المدنيين 231 ألف شخص، بينهم 30 ألف طفل و16 ألف امرأة، وجيش النظام كان مسؤولاً عن مقتل حوالي 201 ألف شخص منهم. كما تم توثيق اعتقال أو اختفاء قسري لحوالي 157 ألف شخص، من بينهم أكثر من عشرة آلاف امرأة وخمسة آلاف طفل.

الكل يذكر ما حل في مارس/ آذار 2011، حين أطلقت مجموعة من الأطفال شرارة الثورة. رسموا على حيطان درعا شعارات مناهضة للنظام، تم اعتقال هؤلاء الأطفال وتعذيبهم. لم يتابع أحد ما حل بهم اليوم، ولكن ما أرادوه تحقق بعد 13 عاماً. عقول حرة منذ الطفولة كهذه قد تحوّل قضبان سجون الأسد إبراً تحيك بها اقتصاداً يحقق للسوريين ما أرادوه في ثورتهم: خبز، علم وحرية.

المساهمون