عن ارتدادات خطّة الإنقاذ الأميركية

عن ارتدادات خطّة الإنقاذ الأميركية

31 اغسطس 2021
الرئيس جو بايدن يجيز أكبر خطة إنقاذ للاقتصاد في تاريخ أميركا (getty)
+ الخط -

تتمثَّل خطّة الإنقاذ الأميركية في حزمة تدابير، هي الأكبر من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، لتحفيز الاقتصاد المتضرِّر جرّاء جائحة كورونا بقيمة 1.9 ترليون دولار، وتمكَّن الرئيس جو بايدن في 10 آذار/مارس 2021 من الحصول على موافقة الكونغرس النهائية على مشروع قانون هذه الخطّة التي تهدف لمساعدة الأميركيين على مواجهة تداعيات الجائحة.

وأعلنت دائرة الإيرادات الداخلية (IRS) ووزارة الخزانة الأميركية ومكتب الخدمات المالية يوم 21 يوليو/تموز 2021 عن توزيع ما يزيد على 2.2 مليون دفعة من مدفوعات الأثر الاقتصادي الإضافية بموجب تلك الخطّة، وهكذا بلغت القيمة الإجمالية للمدفوعات المالية للأميركيين، التي بدأ طرحها على دفعات في 12 آذار/مارس 2021، 400 مليار دولار.
وقُدِّر مبلغ 2.2 مليون دفعة التي تمَّ صرفها خلال الأسابيع الستة الأخيرة بأكثر من 4 مليارات دولار، حيث تمَّ تحويل 1.3 مليون دفعة، بقيمة 2.6 مليار دولار، إلى الأفراد المؤهَّلين الذين قدَّموا مؤخّراً إقراراً ضريبياً لمصلحة الضرائب الأميركية التي لم تمتلك سابقاً معلومات عنهم لمنحهم دفعة الأثر الاقتصادي، وهذا علاوة على أكثر من 900 ألف من المدفوعات الإضافية بقيمة تزيد على 1.6 مليار دولار تمَّ صرفها للأشخاص الذين تلقّوا مدفوعات في وقت سابق من هذا العام بناءً على الإقرارات الضريبية لعام 2019 والمؤهَّلين أيضاً للحصول على دفعة جديدة بموجب الإقرارات الضريبية لعام 2020 التي تمَّت معالجتها مؤخَّراً، فقد سدَّدت مصلحة الضرائب إجمالاً أكثر من 9 ملايين من تلك المدفوعات الإضافية هذا العام بقيمة 18.5 مليار دولار تقريباً.
تختلف خطّة الإنقاذ الأميركية بشكل كبير عن كل حزم الإنقاذ التي تمَّ تقديمها في العديد من الدول، من خلال تميُّزها بمعياري الشمولية والاستمرارية، حيث تواصل دائرة الإيرادات الداخلية الأميركية حثّ الأشخاص الذين لم يقدِّموا إقراراً ضريبياً ولم يتلقّوا مدفوعات الأثر الاقتصادي على تقديم الإقرار الضريبي لعام 2020 من أجل الحصول على جميع المزايا التي يحقّ لهم الحصول عليها بموجب القانون، كالائتمان الضريبي للأطفال، ائتمان ضريبة الدخل المكتسب، وائتمان الاسترداد لعام 2020، حيث سيكون الأفراد الذين لم يحصلوا على دفعة الأثر الاقتصادي للجولة الأولى أو الثانية أو الذين حصلوا على مبالغ أقلّ من تلك التي كان من المفترض أن يحصلوا عليها مؤهَّلين للحصول على ائتمان الاسترداد لعام 2020 بمجرَّد تقديمهم للإقرار الضريبي لعام 2020، وحتى الأشخاص غير الملزمين عادة بتقديم إقرار ضريبي ولا يتلقّون مزايا فيدرالية قد يتأهَّلون، بموجب خطّة الإنقاذ هذه، للحصول على مدفوعات الأثر الاقتصادي، على سبيل المثال المتشرِّدين وفقراء الأرياف وغيرهم من الفئات المحرومة.

يريد الرئيس بايدن أن يحدث قطيعة مع سياسات سلفه دونالد ترامب من خلال محاولة تصحيح التفاوت الصارخ في مستويات المداخيل والتودُّد إلى الطبقات المتوسِّطة والفقيرة، ولذا فقد حرص على إضفاء لمسة من المساواة على خطّة الإنقاذ الأميركية، حيث أعلنت دائرة الإيرادات الداخلية، عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، عن إحداث تغيير في مستويات الدخل المعمول بها في الجولة الثالثة من مدفوعات الأثر الاقتصادي، وأكَّدت على أنّ بعض الأشخاص لن يكونوا مؤهَّلين للحصول على دفعة ثالثة بالرغم من تلقّيهم دفعتي الأثر الاقتصادي الأولى والثانية وطلبهم الحصول على حسم الاسترداد لعام 2020، فسيبدأ تخفيض مبلغ المدفوعات للأفراد الذين يحصلون على متوسِّط دخل سنوي بقيمة 75 ألف دولار أو أكثر، كما يعتبر الأفراد الذين يعادل أو يفوق متوسِّط دخلهم السنوي 80 ألف دولار غير مؤهَّلين للحصول على مدفوعات الأثر الاقتصادي بدءاً من الجولة الثالثة.
هناك العديد من الإيجابيات لخطّة الإنقاذ الأميركية كالتخفيف من حدّة الأضرار الاقتصادية التي تنفثها الجائحة على الأميركيين، التعجيل بتعافي الاقتصاد، الحيلولة دون حدوث انتكاسة اقتصادية يتعذَّر فيها على المواطن البسيط الحصول على قوت يومه، الحفاظ على القوة الشرائية للأميركيين ذوي الدخل المنخفض، وكذا على مستوى الإنفاق الاستهلاكي الذي يُبقي المصانع والشركات والقطاعات الخدمية مفتوحة، ورفع الحدّ الأدنى للأجور الذي سيساهم بدوره في انتشال ما يصل إلى 3.7 ملايين شخص من الفقر، بمن في ذلك 1.3 مليون طفل وفقاً لمدوّنة نشرها معهد السياسة الاقتصادية "Economic Policy Institute" في 22 يوليو/تموز 2021.
لكن كل هذا لا يمنع من وجود بعض السلبيات التي تجعل من هذه الخطّة وسيلة للتقدُّم خطوة إلى الأمام والتراجع خطوتين إلى الوراء كإغراق أميركا في الديون، تأجيج التضخُّم، التمهيد للعودة إلى الحياة الطبيعية التي من شانها أن تؤدِّي إلى زيادة حادّة في عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، قيام العديد من الأسر الأميركية بادِّخار أقساط معتبرة من الدفعات المالية التي تتلقّاها، وهكذا تساهم هذه الخطّة في تأجيل حدوث الركود بدلاً من تفاديه، بالإضافة إلى عواقب زيادة الحدّ الأدنى للأجور من 7.25 دولارات إلى 15 دولاراً للساعة بحلول عام 2025 كارتفاع وتيرة توظيف المهاجرين غير الشرعيين، زيادة تكاليف رعاية الأطفال، الضغط على الميزانية الأميركية، حيث أشار تقرير لمكتب الميزانية بالكونغرس "The Congressional Budget Office" صادر في شباط/ فبراير 2021 تحت عنوان "الآثار الموازناتية لقانون رفع الأجور لعام 2021" إلى أنّ رفع الحدّ الأدنى لأجور العاملين بعقود فيدرالية إلى 15 دولاراً في الساعة سيؤدِّي إلى زيادة أجور 17 مليون عامل أميركي، بالإضافة إلى رفع أجور 10 ملايين عامل يزيد دخل واحدهم قليلاً عن 15 دولاراً في الساعة، كما أشار التقرير ذاته إلى أنّ تلك الزيادة في الأجور ستُقلِّص التوظيف في الولايات المتحدة بمقدار 1.4 مليون وظيفة أي بمعدل 0.9 بالمائة، وسترفع العجز التراكمي في الميزانية بمقدار 54 مليار دولار حتى عام 2031.

خلاصة القول، إنّ مفعول خطّة الإنقاذ الأميركية سيكون مؤقَّتاً ما لم تنته جائحة كورونا التي تنتشر حالياً كالنار في الهشيم، وما لم تحرص أميركا على وصول اللقاحات الفعّالة إلى كل دول العالم، وبالعودة إلى الماضي القريب، نجد أنّ حزمة التحفيز الاقتصادي بقيمة 800 مليار دولار التي قدَّمها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في عام 2009 مكَّنت لاحقاً من تحقيق انتعاش اقتصادي بطيء للغاية بالرغم من انتهاء الأزمة المالية العالمية.

المساهمون