عمّال سورية محبطون وينتظرون الإنصاف في أول عيد بعد إسقاط نظام الأسد

30 ابريل 2025
سوق في دمشق، 29 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط النظام السوري، لم تتحقق التوقعات بتحسين أوضاع العمال بشكل كامل، حيث لا تزال بيئة العمل قاصرة والأجور ضعيفة في القطاعين العام والخاص.
- يواجه سوق العمل السوري تحديات كبيرة، منها ارتفاع نسب البطالة بسبب تسريح الموظفين وعودة المهجرين دون فرص عمل كافية، مما يعقد الوضع الاقتصادي.
- يشير الخبراء إلى ضرورة إصدار قوانين تحفظ حقوق العمال، مثل تعديل قانون العاملين وإعادة هيكلة النقابات، مع تنفيذ وعود الحكومة بزيادة الرواتب وتحسين بيئة العمل.

عاش عمال سورية ظروفاً قاسية معيشياً ومادياً ووظيفياً في عهد النظام المخلوع، حيث لم يكن موظف القطاع العام قادراً على إدارة راتبه الشهري حتى إن اقتصر استهلاكه على الأساسيات فقط، ناهيك عن الفساد الكبير ضمن المؤسسات والفساد والمحسوبيات.

ولم يكن القطاع الخاص أحسن حالاً، حيث تعرض عدد كبير من العمال لأوسع أنواع الاستغلال من بعض أرباب العمل، نظراً لفرق الأجور مقارنة بالقطاع العام. وبعد إسقاط نظام الأسد، الذي خلّف مؤسسات ينهشها الفساد الإداري والمالي، استبشر العامل السوري بأن يعيش مكرماً ضمن وطنه، واليوم هو أول عيد له يمر عليه بعد سقوط هذه المنظومة، فكيف أصبحت أحواله؟ وهل تحقق ما كان يصبو إليه سابقاً؟ وهل سُجّلت تحركات حكومية جادة في ذلك؟

توقعات لم تتحقق

يارا، مهندسة في إحدى شركات الإنترنت بدمشق، براتب قدره 250 دولاراً، وبعدد ساعات دوام تصل إلى ثماني ساعات يومياً، تشير إلى أنها حرمت من ترفيعها الوظيفي الشهر الماضي لأسباب تجهلها، وهي الأنثى الوحيدة العاملة في المكتب، بينما رُفّع زميل لها توظف في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، أي إنه أقل خبرة منها بسنوات ضمن الشركة نفسها، وهذا ما يخالف النظام الداخلي في الشركة.

وعندما حاولت سؤال الإدارة عن ذلك، كانت الإجابة إنها لن تقدر على الضغوط التي ستقع عليها في منصبها الجديد، وأن زميلها أقدر على ذلك، لافتةً إلى أنها من الأشخاص الذين شعروا بأنهم سيحققون فرصهم التي ضاعت في عهد النظام، ولكن للأسف لا تزال بيئة العمل قاصرة وغير قادرة على تحقيق الطموحات من وجهة نظرها.

أما حسام، وهو مهندس أيضاً في إحدى دوائر الخدمات بمحافظة دمشق، فيشير إلى أنه كان يتأمل بزيادة أجره بعد سقوط النظام، هذا الأجر الذي لا يساوي 30 دولاراً، ولكن لم تتحقق آماله رغم الوعود الكثيرة، معتبراً أن هذا المبلغ لا يكفيه للعيش سوى أيام قليلة، وهو يضطر إلى العمل في محل إصلاح كهربائيات في ساحة المرجة بدوام جزئي ليتمكن من تلبية احتياجاته، لافتاً إلى أن وضعه ازداد سوءاً حتى بعد زوال النظام الفاسد الذي قضى على طموحاته.

الخبير في سوق العمل الدكتور زكوان قريط، وصف واقع العمل في سورية بأنه سلبي جداً، موضحاً في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن نقابة العمال لا تزال مغيّبة وشبه مشلولة حتى اليوم، ولم تجر إعادة هيكلتها وإجراء انتخابات جديدة فيها كما هو مفروض حتى اليوم، وهذا يعني أنه لا توجد جهة حقيقية تمثل مطالب العمال، كما أن العامل لا يزال يعاني من ضعف كبير في الأجور، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص.

واعتبر أن أول عيد عمال بعد سقوط نظام الأسد سيمر على العامل السوري برؤية لا تزال ضبابية ومشوّشة، فهو ينتظر ويتأمل تحسّن وضعه المعيشي، مفصحاً عن خطة يُجرى العمل عليها حالياً من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالاتفاق مع وزارة التنمية الإدارية، تتعلق بإعادة هيكلة بعض مؤسسات القطاع العام للقيام بفلترة وإعادة توزيع العمال بين الشركات والمؤسسات، ولكن يسير العمل بخُطا بطيئة جداً، وفي المجمل يجب أن تكون هناك خطوات جادة وفعالة لإصدار قوانين تحفظ حقوق العمال، كقانون الخدمة العامة، وتعديل قانون العاملين في الدولة الذي أكل عليه الدهر وشرب، حيث صدر منذ عام 2006، كما يجب أن تكون النقابة ممثلة للعمال وليست مرتبطة بالسلطة، كما كان الحال في عهد نظام الأسد.

عمال في ظل البطالة

وفي سياق متصل، يشير الخبير إلى ازدياد نسب البطالة في العام الحالي، حيث قامت الكثير من المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص بتسريح موظفين منها تعسفياً، كما توجد بعض البنوك التي استغنت عن عدد من موظفيها بسبب نقص السيولة الاقتصادية، ويُضاف إلى ذلك عودة جزء من المهجّرين إلى سورية دون أن يجدوا فرص عمل في السوق السوري، وهذا ما يزيد من نسبة البطالة، معيداً ذلك إلى انخفاض الطلب على العمالة، معتبراً أن سوق العمل فشل في استقطاب العمال والكفاءات مجدداً.

من جهته، يحاول الخبير التنموي، ماهر رزق، أن يوصّف واقع العمال السوريين اليوم في تصريحه لـ"العربي الجديد"، فيقول إنه لا يوجد سوق عمل حقيقي اليوم، فسورية خرجت من دولة ودخلت في دولة جديدة، ويعاني موظفو القطاع العام من عدم وضوح الرؤية، وصار هناك موظفون قدامى وموظفون جدد اصطلاحاً، ومرّ هذا القطاع بتخبط كبير في الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام الأسد، حيث عاش الموظفون حيرة جراء عدم معرفة مصيرهم، بعد أن مُنحوا إجازات قسرية، جرى التراجع عنها في بعض وزارات الحكومة الجديدة، وهذا ما أثر بحالة الاستقرار الوظيفي، وإلى الآن لا تزال هناك حالة من القلق تخيم على عدد من الموظفين، ولكن بالمجمل هناك حالة من الارتياح النسبي بعد استلام الحكومة الجديدة.

وأشار رزق إلى هفوة ارتكبتها الحكومة، وهي عدم تنفيذ وعودها بزيادة الرواتب بشكل ملموس، وهذا ما يعني أن أجور عمال القطاع العام لا تزال سيئة جداً، أما بالنسبة لأجور القطاع الخاص، فهي جيدة مقارنة بما كانت عليه قبل سقوط النظام، إذ كانت حوالي 800 ألف ليرة قبل سقوط النظام (53 دولاراً)، أما اليوم فقد وصلت إلى مليوني ليرة (180 دولاراً)، معتبراً أن أسباب النهوض الاقتصادي لا تزال غير متوفرة لدى الحكومة الجديدة، وبذلك يكون الموظف لم يتغير عليه شيء مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سقوط النظام، فهناك عدم وضوح يعتري بيئة العمل، ففي عهد نظام الأسد كانت تلك البيئة فاسدة وتُسخِّر مؤسسات الدولة لخدمة فرد أو حزب، ولليوم لم نتمكن من الوصول إلى مؤسسات وطنية بشكل مطلق.

 

المساهمون