على الأسواق الناشئة الاستعداد

على الأسواق الناشئة الاستعداد

16 يوليو 2021
بورصة نيويورك في مانهاتن (Getty)
+ الخط -

في الأشهر الأخيرة من 2019، وأوائل 2020، كانت أسواق الأسهم الأميركية في واحدة من أفضل حالاتها، بدعم من سياسات الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترامب، الذي اعتبر ارتفاع مؤشرات الأسهم واحدة من أهم علامات نجاح فترته الرئاسية الأولى، وطمع في استخدامه كركيزة أساسية لحملة إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة.

وقبل نهاية الربع الأول من العام الماضي، تأكد الجميع من انتشار وباء كورونا في الولايات المتحدة، كما كلّ بلدان العالم، لتفقد مؤشرات الأسهم الأميركية ما يقرب من ثلث قيمتها، وتبلغ أدنى مستوياتها يوم 20 مارس/ آذار 2020.

وقتها نصح مجموعة من كبار المستثمرين والاقتصاديين في العالم، وعلى رأسهم المستثمر الأميركي المخضرم، وارين بافيت، والاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان، المستثمرين بالخروج من سوق الأسهم، مؤكدين أنّ الانهيار سيستمر إلى منتصف العام التالي 2021، على أقل تقدير.

لكنّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) كانت له رؤية مختلفة، إذ أعلن وقوفه بكلّ قوة داعماً للأسواق الأميركية كافة، فخفّض مستويات الفائدة إلى نطاق 0% - 0.25%، وأعلن تنفيذه برنامجاً للتيسير الكمي، كان أهم ما جاء فيه التزامه بشراء كميات ضخمة من سندات الخزانة وسندات الرهن العقاري بقيمة تصل إلى 120 مليار دولار شهرياً.

ساعدت الإدارةُ الأميركية الفيدرالي من خلال حزم إنعاش الاقتصاد وإغاثة المواطنين التي وافق عليها الكونغرس ووصلت قيمتها إلى تريليونات الدولارات

وساعدت الإدارةُ الأميركية البنكَ الفيدرالي من خلال حزم إنعاش الاقتصاد وإغاثة المواطنين التي وافق عليها الكونغرس ووصلت قيمتها إلى تريليونات الدولارات، إذ كان أهم ما يشغل بال السلطات المالية والنقدية في البلاد هو تجنّب تكرار ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، التي تسببت في انهيار العديد من المؤسسات المالية التي تصور البعض أنّها أكبر من الانهيار.

وآتت سياسات البنك الفيدرالي أُكُلها، إذ لم يتطلب الأمر أكثر من 70 يوماً بعد 20 مارس/ آذار الذي وصلت فيه الأسواق إلى القاع ليستعيد مؤشر "ناسداك" كلّ ما خسره خلال صدمة انتشار الفيروس، بينما احتاج مؤشرا "إس آند بي 500" و"داو جونز الصناعي" أقل من ثلاثة أشهر إضافية لتعويض خسائرهما، ولتستمر المؤشرات الثلاثة منذ ذلك الحين في الارتفاع، وينال البنك الفيدرالي استحسان أغلب المستثمرين.

استمر تسجيل المؤشرات الثلاثة للمستويات القياسية واحداً تلو الآخر منذ أغسطس/ آب 2020 حتى نهاية الأسبوع الماضي، حتى إنّه منذ بداية العام الحالي، وخلال ستة أشهر فقط، سجل مؤشر "إس آند بي 500" أربعة وثلاثين مستوى قياسياً جديداً، بمتوسط مستوى قياسي جديد كلّ خمسة أيام عمل.

وخلال الفترة نفسها، سجل مؤشرا "داو جونز الصناعي" و"ناسداك" 23 و18 مستوياً قياسياً جديداً على التوالي. ورغم تغير الظروف، وصعود أسهم وهبوط أخرى، خلال فترة الخمسة عشر شهراً الأخيرة، حافظت الأسهم الأميركية، بصورة مجمعة، على قوتها، رغم تراجع النشاط الاقتصادي الأميركي بأكثر من 30% في بعض فترات العام الماضي.

ولم تكن الأسهم وحدها التي أظهرت قوة، وإنّما امتد الأمر، بفعل برنامج التيسير الكمي الذي اعتمده البنك الفيدرالي، ليشمل السندات، ولتبقى معدلات الفائدة الأميركية تحت سيطرة البنك. لكنّ دوام الحال من المحال!

ورغم القوة الظاهرة لسوق الأسهم والسندات، ينتظر الجميع إشارة البنك الفيدرالي ببدء "التفكير" في إيقاف برنامج التيسير الكمي في أيّ لحظة، ويزداد عدد المطالبين بالإسراع بالخطوة يوماً بعد الآخر، لتبدأ معدلات الفائدة في الارتفاع، وهي اللحظة التي يمكن أن تتسبب في بداية موجة تصحيحية في أسعار الأسهم.

خلال 15 شهراً الأخيرة، حافظت الأسهم الأميركية، بصورة مجمعة، على قوتها، رغم تراجع النشاط الاقتصادي بأكثر من 30% في بعض فترات العام الماضي

ويتزامن كلّ ذلك مع ظهور علامات لتلاشي تأثير تريليونات الدولارات التي تم ضخها في الأسواق، لتقترب نقطة التحول التي ربما يقلل من عنفها إسراع الإدارة الأميركية بتنفيذ خطتها لتجديد البنية التحتية المتهالكة.

ولا يعنينا في كلّ هذه الأمور إلّا تأثير ما يُتوقع حدوثه في القريب العاجل على الأسواق الناشئة والنامية، حيث يدرك المتخصصون أنّ بداية اتجاه معدلات الفائدة الأميركية للارتفاع ستكون بمثابة إعصار، يأخذ في طريقه العديد من تلك الأسواق.

وبعد فترات طويلة استقرت فيها معدلات الفائدة الأميركية عند مستويات قريبة من صفر بالمائة، وجدت كميات ضخمة من رأس المال المخاطر ضالّتها في أسواق الدول الأقل تقدماً التي تدفع معدلات فائدة مرتفعة على عملتها المحلية، ومنها بطبيعة الحال مصر وتركيا.

واعتمد هذان البلدان تحديداً على تدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر إليهما في محاولاتهما لإصلاح ميزان الحساب الجاري المختل لديهما، والذي يضغط بقوة على عملتيهما المحليتين، وإن اختلف أسلوبهما في التعامل مع هذا الضغط، وبصورة خاصة مع احتدام أزمة الوباء وما سببته من تراجع إيرادات السياحة في البلدين.

ومع كلّ قرار رفع لمعدلات الفائدة من البنك الفيدرالي، ستكون هناك موجة من نزوح تلك الاستثمارات من البلدين للعودة إلى السوق الأميركية، الأكثر أماناً واستقراراً بطبيعة الحال.

وفي حين يكمن الحلّ السهل في البلدين في رفع معدلات الفائدة على العملة المحلية، وهو ما حدث في كثير من الأحيان خلال العقدين الأخيرين وتسبب في ارتفاع تكلفة الاقتراض المحلي، يغيب الحلّ الحقيقي الأكثر صعوبة، وهو محاولة الاستغناء عن تلك الأموال الساخنة، التي ثبت أنّ إثمها على المدى الطويل يكون في أغلب الأحيان أكبر من نفعها.

لن تتمكن أي دولة ناشئة أو نامية من الاستغناء عن الأموال الساخنة من دون الإضرار بقيمة عملتها إلّا إن تمكنت من استغلال الموارد البشرية المتاحة فيها والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة لزيادة الإنتاج والصادرات

ولن تتمكن أي دولة ناشئة أو نامية من الاستغناء عن الأموال الساخنة من دون الإضرار بقيمة عملتها إلّا إن تمكنت من استغلال الموارد البشرية المتاحة فيها والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة لزيادة الإنتاج والتوسع في الصادرات.

تشير الإحصاءات إلى أنّ أكثر من 90% من العمال الذين يقل عمرهم عن ثلاثين عاماً يوجدون في الأسواق الناشئة، وهو ما يمنح تلك البلدان فرصة لتحقيق نمو قوي في سوق العمل، ويرتفع بمستويات الإنتاجية، ويساهم في تحقيق معدلات نمو، وربحية أعلى.

فهل تستعد البلدان الناشئة والنامية لمعدلات الفائدة المرتفعة قبل أن يبدأ الإعصار، أم تغرق فيه كما حدث في أزمات سابقة؟ 

المساهمون