عقبات أمام عودة الشركات الغربية إلى السوق الروسية

26 فبراير 2025
متسوقات في متجر للسلع الغذائية في موسكو، 19 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستمر المراكز التجارية في موسكو بعرض العلامات التجارية العالمية بفضل آلية الاستيراد الموازي، رغم العقوبات الغربية على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
- تواجه الشركات الأجنبية تحديات في العودة إلى السوق الروسية، مع شكوك حول استرداد أصولها وتأثير عودتها على الأمن القومي، مما أدى إلى دعم الشركات الروسية في تلبية احتياجاتها داخلياً.
- انسحاب الشركات الغربية عزز الاستقلال الاقتصادي الروسي بتطوير منظومة دفع "مير"، رغم عدم وجود بوادر لعودة "فيزا" و"ماستر كارد"، مما يدعم المصنعين المحليين رغم ارتفاع الأسعار.

رغم دخول الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا عامها الرابع وما ترتب عليها ما عقوبات غربية غير مسبوقة على موسكو، إلا أن المراكز التجارية بالعاصمة الروسية لا تشبه وضع دولة خاضعة لحصار اقتصادي، بل تزخر بجميع العلامات التجارية العالمية الغربية التي باتت منتجاتها متوفرة في السوق الروسية عبر آلية الاستيراد الموازي من الدول الثالثة من دون اللجوء إلى وكلاء معتمدين.

ومع زيادة كثافة الاتصالات الروسية الأميركية في الأسابيع الأخيرة وتبلور ملامح وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لم تتوقف النقاشات في روسيا حول إمكانية عودة مئات الشركات الغربية الرائدة التي انسحبت من السوق الروسية قبل ثلاث سنوات، فيما كلف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحكومة بالنظر في كيفية تنظيم عودة الشركات الأجنبية بما يضمن الامتيازات الممنوحة للشركات الوطنية.

ومن مؤشرات بحث الشركات العالمية عن استعادة حصتها في سوق روسيا البالغ عدد سكانها نحو 146 مليون نسمة، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في عددها الصادر، يوم الاثنين الماضي، أن الشركات الأجنبية المصنعة للمعدات الإلكترونية، بما فيها شركة سامسونغ الكورية الجنوبية، بدأت باستعادة أنشطتها التسويقية في السوق الروسية من دون اتخاذ قرار استئناف الإمدادات المباشرة بعد. وتردد في وقت سابق أن ممثلي شركة "إنديتيكس" الإسبانية المالكة لعلامات "زارا" و"ماسيمو دوتي" و"بيرشكا"، وشركة هيونداي الكورية الجنوبية المصنعة للسيارات، يجرون محادثات بشأن إمكانية العودة إلى السوق الروسية.

إلا أن نائب رئيس الوزراء الروسي، دينيس مانتوروف، أكد أن عودة الشركات الأجنبية المصنعة للسيارات لن تكون سهلة، قائلا في حديث للتلفزيون الروسي أمس الأحد: "إذا كنا نتحدث عن صناعة السيارات، فيمكنني القول من البداية إن الوضع هنا غامض للغاية ولن تتسنى العودة بنفس البساطة التي تم بها الانسحاب.. لدينا ذاكرة جيدة للغاية، ولن نتخذ مثل هذه القرارات ببساطة".

ولمح مانتوروف إلى إمكانية إلزام متاجر علامات الملابس الأجنبية بالعمل في شبه جزيرة القرم و"الأراضي الجديدة" التي انتزعتها روسيا من أوكرانيا في عام 2022، مضيفا: "أراضي روسيا الاتحادية موحدة من جهة القواعد والمقاربات، ولذلك عند توزيع الفروع عليهم ألا يتركوا أي فراغات".

ويقلل الخبير الاقتصادي والصناعي المستقل، ليونيد خازانوف، من واقعية عودة الشركات الغربية إلى السوق الروسية واستردادها أصولها التي تم تأميمها أو بيعها لمستثمرين روس خاصين، مشككا في أن عودتها ستدر نفعا على روسيا في ظل تكيفها مع واقع العقوبات.

ويقول خازانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "فرصة عودة الشركات الغربية إلى السوق الروسية ليست كبيرة، ولكن رغبتها في ذلك تشكل في حد ذاتها إشارة إيجابية تدل على المفعول العكسي للعقوبات الغربية التي تتسبب في مشكلات لمن فرضها وخسارتهم سوقاً ضخمة وواعدة".

وحول رؤيته للعقبات التي قد تواجهها الشركات الأجنبية عند عودتها إلى السوق الروسية، يضيف: "ستواجه الشركات العائدة صعوبات في استرداد أصولها التي قد يرفض أصحابها الجدد بيعها مهما كان الثمن.. ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت عودة اللاعبين الأميركيين والأوروبيين تلبي دوافع الأمن القومي الروسي، ولذلك يجب البت في هذه المسألة مع أخذ آراء جهات السلطة الفيدرالية والإقليمية وقطاع الأعمال الروسي بعين الاعتبار.. إذا كانت الشركات المنسحبة تتطلع للعودة، فعليها المساهمة في خزينة الدولة الروسية، وربما ينبغي فرض رسوم سنوية مقابل التصريح لمزاولة الأعمال في روسيا، ومراقبة وفائها بكافة القوانين المحلية ومنع تقاضي العاملين الأجانب أجوراً أعلى من زملائهم الروس".

ويعتبر أن غياب الشركات الأجنبية عجل عملية استبدال الواردات، قائلا: "إدراكا منها أنها لن تحصل على أي مكونات ومعدات من أوروبا أو الولايات المتحدة وارتفاع كلفة الحصول عليها من الصين، أصبحت الشركات الروسية تبحث عن تدبيرها داخل البلاد، وتحظى بدعم من الدولة في ذلك".

ويجزم المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، هو الآخر بأن انسحاب الشركات الغربية زاد من الاستقلال الاقتصادي الروسي، قائلا في تعليق لـ"العربي الجديد" إن "انسحاب الشركات الغربية في عام 2022 زاد من وتيرة عملية استبدال الواردات، وحلت بطاقات مير الروسية محل بطاقات فيزا وماستر كارد، وأطلقت حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد داخل الجيش"، في إشارة إلى حملة الاعتقالات التي شهدتها وزارة الدفاع الروسية ومحاكمات عدد من الجنرالات الرفيعين.

أما "مير"، فهي منظومة دفع داخلية روسية أتاحت لروسيا تجنب انهيار نظام المدفوعات بعد انسحاب "فيزا" و"ماستر كادر" في مارس/آذار 2022. وعلى الرغم من تحسن العلاقات الروسية الأميركية، فإن النائب الأول، رئيس ثاني أكبر مصرف روسي في تي بي (حكومي)، نفى أن تكون هناك إشارات وبوادر لعودة منظومتي الدفع العالميتين إلى روسيا، موضحاً أن القانون الروسي يقتضي إجراء جميع المعاملات الداخلية عبر المنظومة الوطنية لبطاقات الدفع الخاضعة للعقوبات الأميركية، ما يعني أن الشركتين لن تستطيعا العودة إلا بعد رفع العقوبات.

من جانب آخر، اعتبر كبير الاقتصاديين بمعهد ستوليبين لاقتصاد النمو، بوريس كوبيكين، أن عودة الشركات الأجنبية تصب في مصلحة روسيا، قائلا في حديث لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية: "لن يوسع ذلك الخيارات أمام المشترين للسلع الاستهلاكية فحسب، وإنما أيضا المنتجات الاستثمارية الضرورية للارتقاء بفاعلية الاقتصاد الروسي، مما سيسهم في ردع التضخم وسيزيد من كفاءة الحلول التكنولوجية والإدارية التي ستعتمد بالسوق الروسية. صحيح أن القيود على الاستيراد تدعم المصنعين المحليين، ولكن على حساب ارتفاع الأسعار، أي على حساب المشترين".

يذكر أن أكثر من ألف شركة أجنبية انسحبت من السوق الروسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ومن أشهرها آبل ومايكروسوفت وبوينغ الأميركية، وبي إم دبليو ومرسيدس الألمانيتان، وسامسونغ الكورية الجنوبية، وفق ما يكشفه مسح تجريه وتحدثه مدرسة الإدارة التابعة لجامعة ييل الأميركية.

المساهمون