عقارات الأجانب في سورية... ملف معقد أمام الإدارة الجديدة

14 يناير 2025
يترقب سوريون استرداد ممتلكاتهم المصادرة، دمشق، 12 يناير 2025 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فتح ملفات حساسة: بدأت الإدارة السورية الجديدة بفحص العقارات التي اشتراها إيرانيون وروس وحزب الله خلال الثورة، بمشاركة لجان من الهيئة السياسية ووزارة المالية، للتحقق من قانونية الشراء والظروف المحيطة به.

- التغيير الديمغرافي وشراء العقارات بالترهيب: منذ 2012، اشترى إيرانيون وحزب الله عقارات في سوريا بالترهيب، خاصة في دمشق وريفها، مما أدى لتغيير ديمغرافي ملحوظ.

- استعادة الحقوق والحلول المقترحة: يواجه السوريون تحديات في استعادة ممتلكاتهم، ويقترح الخبراء إنشاء هيئة لمعالجة هذه القضايا وحجز الأصول المرتبطة بالمليشيات لصالح الدولة.

ملفات كثيرة ومهمة، بدأت الإدارة الجديدة لسورية، فتحها على الفور ووضعها فوق الطاولة، تحضيراً للدراسة قبل اتخاذ إجراءات عملية، قد تثير حفيظة الدول المجاورة أو حلفاء نظام بشار الأسد المخلوع نظرا لحساسيتها السياسية والقانونية، لذا، لن يتم التسرّع بأي ملف قبل التأكد وقانونية الرد، كما تقول مصادر حكومية في دمشق لـ"العربي الجديد".

وحول الملف الأكبر وربما الأخطر، وهو العقارات والأصول التي اشتراها إيرانيون وروس ومحسوبون على حزب الله اللبناني أو أجانب من حلفاء النظام ولا سيما المليشيات العراقية خلال سنوات الثورة، تقول المصادر الخاصة من دمشق، التي رفضت ذكر اسمها، إنّه "بخصوص ملف بيوت الأجانب بعد الثورة، هناك عمليات مسح وإحصاء وتحقق الآن".

وأضافت: "هناك أيضاً لجان خاصة من الهيئة السياسية التابعة للإدارة الجديدة للبلاد وممثلون عن وزارة المالية" لدراسة الموضوع، قبل البت به، ومعرفة مدى قانونية الشراء والمشتري والظروف الأخرى التي حولت الملكيات للأجانب.


بداية القصة والتغيير الديمغرافي

بدأت قصة تلك الأصول المملوكة لحلفاء النظام المخلوع منذ عام 2012، بعد وقوف طهران إلى جانب نظام الأسد بوجه ثورة السوريين وحلمهم، عبر شراء العقارات أو استئجارها، في مرحلة أولى، قبل أن تتوسع بعملية التملّك والسيطرة، حتى خرجت حين هرب بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مخلفة وراءها، العقارات والمقار الأمنية والعسكرية وأراضي وحتى أماكن خدمية وسياحية، كشفت عنها مصادر من مدن سورية عدة لـ"العربي الجديد".

من حمص، يكشف الباحث علي الأحمد لـ"العربي الجديد" أن العديد من المقار الأمنية والعقارات والأراضي، تملّكها الإيرانيون أو حزب الله أو وضعوا يدهم عليها خلال سنوات الثورة، مضيفاً في اتصال أن ذلك كان عبر الترهيب ومساعدة ضباط أمن، أو قائد المليشيا الشهير صقر رستم. لكن، يشير الباحث إلى هروب جميع من كان بتلك المقار بالتوازي مع سقوط النظام البائد، كاشفاً أن بعض تلك العقارات فارغ الآن وبعضها عاد إليه ملّاكه الأصليون "لأنها لم تكن مباعة، بل مسيطر عليها بالقوة".

ومن العاصمة السورية دمشق، يكشف لـ"العربي الجديد" صاحب مكتب "ماليل العقاري" بحي دمر، وسيم العيطة، أن معظم عمليات البيع للإيرانيين أو حزب الله والعراقيين الموالين للنظام السابق، كانت بالإكراه، بعد التهديد والوعيد و"مسرحيات" تدخل ضباط أمن سوريين "لحلّ المشكلة" وترضية أصحاب العقارات عبر أموال "أحياناً أكثر من السعر الرائج بالسوق". ويعتبر أن أخطر العمليات كانت في أحياء دمشق القديمة، مستشهداً بحرائق عدة افتعلها الأمن والإيرانيون، تهديدا لأصحاب المحال والعقارات، حتى يبيعوا ويتنازلوا عن ملكياتهم.

شراء بالترهيب

من ريف دمشق يقول صاحب مكتب "الداري" العقاري، مؤيد الداري، لـ"العربي الجديد" إن أكثر الأماكن التي اشترى فيها الإيرانيون والمليشيات المرافقة لهم، كانت في مناطق السيدة زينب والحجيرة وببيلا ويلدا".

وحول طرق الشراء، يضيف المتحدث أن معظم الحالات كانت بعد الترهيب والتخويف، وأحياناً يقيمون سواتر ترابية بالمكان ويمنعون وصول أصحاب العقارات بذريعة الترتيب الأمني والضرورات، وكان يتدخل ضباط أمن تابعون للنظام، بطرق عدة، منها الإيهام أنّ بالمنطقة إرهابيين أو أن أصحاب بعض البيوت مطلوبون، ما يخيفهم وبالتالي يخضعون للابتزاز "رغم معرفتهم أنها لعبة" فيبيعون المنازل والعقارات ويبتعدون عن أماكن وجود الحواجز والإيرانيين.
ومن الذرائع التي اعتمدتها المليشيات، حسب صاحب المكتب العقاري، شق طرق ضمن الأراضي أو بين المنازل "لضرورات أمنية" الأمر الذي يزرع الرعب لدى سكان الحي ويسهّل على الضباط وبعض المكاتب العقارية، إقناع أصحاب العقارات والأراضي، للبيع والتنازل عن ملكياتهم، لافتاً إلى أن كثيرا من العقارات والأراضي لم يحتفظ بها الإيرانيون أو عناصر الحزب، بل باعوها بأسعار مرتفعة عبر الضباط والمكاتب "يتقاسمون نسب الأرباح".

ونقلت الإذاعة عن الخبير الإيراني، فريبرز صارمي، في تصريحات سابقة قوله إنّ "سياسة تملك العقارات من قبل الإيرانيين من شأنها أن يمكّن طهران من بسط سيطرتها على سورية ومناطق أخرى في الشرق الأوسط"، مضيفا أن شراء عقارات من قبل الإيرانيين في سورية ليس جديدا، حيث إن هناك موجة شراء واسعة وممنهجة، قام خلالها تجار إيرانيون بشراء عدد كبير من العقارات السورية التي كانت معروضة للبيع في عدة مدن سورية منذ عام 2012، وعلى رأسها وسط العاصمة دمشق وحمص، وبينها أملاك تخص من هاجروا من سورية.

حمّى تملك المليشيات في سورية

ويكشف العامل بقطاع العقارات والبناء بدمشق، علي شباط لـ"العربي الجديد" أن حمّى تملك الإيرانيين والمليشيات معهم بدمشق، كانت بين أعوام 2016 و2019 عبر ضباط بالأمن السوري وأصحاب مكاتب عقارية، مشيراً إلى شراء "آلاف المنازل" بأحياء دمشق القديمة "حي الأمين، الجورة، العمارة، القيمرية، الشاغور وحي الحريقة" وخارج أحياء دمشق الأثرية كثر شراء العقارات في مناطق "حتيتة التركمان والمليحة".

وحول ما قيل عن تملك فنادق ومرافق خدمية، يضيف شباط: إنه بالفعل اشترى الإيرانيون أو مشتغلون لديهم، فنادق "كالدة، الإيوان، آسيا، دمشق الدولي، فينيسيا، البتراء" ولكن لم يبت المتحدث بأسماء المالكين حاليا حيث "كان الإيرانيون يشترون بأسماء سوريين أحياناً للالتفاف على القانون" حسب شباط.
يرى الباحث والاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم أن استغلال الفقر بعد تدهور الوضع المعيشي، إلى جانب الترهيب، كان سلاح الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين، عبر أدوات سورية، لشراء المنازل والأراضي أو الاستيلاء عليها بذرائع مختلفة مثل تأييد الثورة أو تمويل الإرهابيين.

ويقول الجاسم لـ"العربي الجديد" إن دمشق تأتي بمقدمة المدن التي استهدفها التغيير الديموغرافي وشراء العقارات، خاصة بمناطق "السيدة زينب" وبلدات، يلدا وببيلا القريبتين من المرقد ومناطق الغوطة "المليحة وداريّا" على سبيل المثال، عبر إغراء أصحاب العقارات، بمبالغ مالية كبيرة، أو تهديدهم لتملك العقارات من "مستثمرين مستعمرين" مشيراً إلى أن التركيز أولاً كان على ممتلكات "الثوار" أو الفارين الذين فقدوا الأمل بالعودة.

دور حزب الله

وسبق للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن أشار خلال تقرير سابق إلى أن تجارًا من مدينة الميادين في دير الزور يرتبطون بشكل مباشر بلواء العباس (إحدى المليشيات الشيعية الموالية لإيران في المنطقة) كانوا يشترون العقارات من الأهالي في عموم مناطق الغوطة الشرقية، عبر شخص اسمه أبو ياسر البكاري، وكان البكاري قد اشترى وأشرف على كثير من عمليات الشراء في مناطق ومدن الغوطة الشرقية بدمشق.
كما بحسب تقرير سابق لصحيفة "إندبندنت" البريطانية فإنّ حزب الله اللبناني اشترى أراضي في أطراف العاصمة دمشق، وأن نحو 875 قطعة أرض تم بيعها للحزب، فيما أكدت بيع 315 شقةً سكنيةً في مناطق مختلفة من دمشق وضواحيها.
ووفق الصحيفة البريطانية، فقد اشترت المليشيات الإيرانية ما يقرب من 370 قطعة أرض حول منطقة الزبداني، وما لا يقل عن 505 قطع أخرى في منطقة الطفيل الحدودية اللبنانية، كما استولت على أماكن سكنية فاخرة في بلودان المنطقة السياحية.
ويعقّب الاقتصادي الجاسم أن السماسرة وحتى "السفارة الإيرانية بدمشق" كانت تسهّل وتساعد بتملك الإيرانيين بسورية، بخاصة خلال الفترة الأخيرة، عندما بدأت إيران تستشعر ميول نظام الأسد باتجاه روسيا والمنطقة العربية، فحرصت على الوجود "بشكل قانوني" عبر توثيق الاتفاقات والمطالبة بالديون و"قوننة" الملكيات بما فيها معمل السيارات بمدينة حسياء الصناعية.

ويصنّف الباحث السوري ممتلكات الإيرانيين وحزب الله بسورية إلى، أملاك تم الاستيلاء عليها جراء الضغط والتخويف بالاعتقال، والنوع الثاني ممتلكات الغائبين والثوار والمهاجرين عبر التلاعب بالأوراق والملكيات خاصة بعد المرسوم 66 لعام 2021 الذي أصدره المخلوع، بشار الأسد حول الملكية العقارية، والنوع الثالث تمليك الإيرانيين من خلال مشروعات تخص مليكة الدولة.

حلول استعادة الحقوق

أمام هذا الواقع الذي يصفه سوريون بالخطر، ما الحل لاستعادة أموال وحقوق السوريين، بعد أن أكرهوا وأجبروا على التخلي عن ممتلكاتهم وحقوقهم، إن لم نطالب بفوات المنفعة وتعويض السوريين عن الأضرار التي لحقت بهم، وعلى الصعد كافة؟
يجيب المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي قائلا لـ"العربي الجديد" إنه من المهم معالجة الملكية بطرق قانونية ومنها إنشاء هيئة لمعالجة الممتلكات العراقية واللبنانية والإيرانية والتأكد من أن تلك الملكيات ليست مغصوبة أولاً وتعاد الى ملاكها، فإذا ثبت أنها غير مغصوبة على الهيئة التأكد من مصدر تمويل شراء تلك العقارات وعلاقة المشتري بالحرس الثوري الإيراني والمليشيات الطائفية وحزب الله، فإذا ثبتت علاقتهم تحجز وتباع لصالح خزينة الدولة.
بالسياق، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل: "في ما يتعلق بالممتلكات العقارية للإيرانيين في سورية، لا تزال تلك الملكيات مقفلة، ولم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني بشأنها، على الرغم من أهمية وضع إشارات منع تصرف على صكوك ملكية تلك العقارات ريثما يبت بوضعها بشكل نهائي".
ويشير قرنفل لـ"العربي الجديد" إلى أن الكثير من الممتلكات الإيرانية في سورية لحق عملية بيعها عيوب ومنها سلب الإرادة وعدم توافر عنصر الرضى، وبالتالي فقد تم انتزاعها قسراً من مالكيها إما بضغوط أمنية وتهديد ملاكها. ويقترح القانوني السوري ضرورة اتخاذ إجراء عاجل بوضع إشارة منع تصرف على تلك الممتلكات وحتى الأرصدة المالية للحكومة الإيرانية أو أحد مسؤوليها في البنوك السورية، وذلك لمنع التصرف في تلك الأموال أو العقارات.

المساهمون