عصر ترامب الزائف... السياسات الصدامية تدفع الاقتصاد الأميركي نحو التباطؤ

04 مارس 2025
ترامب ينتظر استقبال ماكرون لدى وصوله إلى البيت الأبيض في واشنطن، 24 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهور الثقة الاقتصادية وتباطؤ النمو: تراجعت ثقة المستهلكين في الاقتصاد الأميركي بسبب سياسات ترامب، مع انخفاض مؤشر ثقة المستهلك ومبيعات التجزئة وارتفاع مطالبات البطالة، مما يشير إلى قلق من التضخم والانكماش الاقتصادي.

- تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد والسياسة: سياسات ترامب الجمركية ترفع التضخم وتزيد التكاليف، مع فرض رسوم على السلع الصينية وخطط لرسوم على كندا والمكسيك، مما يفاقم التوترات التجارية والمخاطر السياسية.

- تراجع الأسواق المالية وتوتر المستثمرين: شهدت الأسواق المالية تراجعاً منذ تولي ترامب، مع انخفاض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وتراجع بيتكوين، مما يعكس قلق المستثمرين من السياسات الاقتصادية وتراجع أسهم التكنولوجيا.

تتصاعد مؤشرات دخول الاقتصاد الأميركي في حالة تباطؤ بفعل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصدامية داخلياً وخارجياً، فيما يتحول مزاج الأميركيين سريعاً وتتراجع ثقتهم بالسياسات الاقتصادية لترامب خلال أسابيع قليلة من عودته إلى البيت الأبيض، إذ يطل شبح التضخم من جديد، وهو ما يثير قلق الجمهوريين، بينما يتلقّف الديمقراطيون هذه التطورات لتدشين نقطة هجوم بحق ترامب وأعوانه.

لطالما قال الجمهوريون، الذين ألقوا باللوم في التضخم على سلف ترامب (جو بادين)، إن الناخبين على استعداد لمنح ترامب بعض الحرية لتنفيذ أجندته، لكنهم الآن يحذرون من أن حسن النية قد لا يدوم. وتتجلّى هذه المخاوف في الوقت الحالي في استطلاعات الرأي حول الاقتصاد. فقد انخفض مؤشر ثقة المستهلك الذي نشرته جامعة ميشيغن والذي يحظى باهتمام كبير، إلى أدنى مستوياته منذ عام 2023 في فبراير/شباط الماضي. كذلك أظهر مقياس منفصل لتوقعات المستهلكين نشرته مجموعة أبحاث الأعمال انخفاضاً حاداً مماثلاً في الشهر نفسه، إذ وصل إلى مستوى يشير إلى انكماش قادم. كما أن المخاوف من انفلات التضخم تلوح في الأفق بشكل كبير بسبب شهية ترامب للرسوم الجمركية.

وقد تكون هذه المخاوف قد تسرّبت بالفعل إلى سلوك الإنفاق الفعلي. فقد كانت مبيعات التجزئة في يناير/ كانون الثاني ضعيفة بشكل غير متوقع، مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 0.5% بالقيمة الحقيقية مقارنة بالشهر السابق، وهو أكبر انخفاض في نحو أربع سنوات. وهناك أيضاً شقوق طفيفة في سوق العمل، فقد ارتفعت المطالبات الأولية بالتأمين ضد البطالة الأسبوع الماضي إلى 242 ألف طلب، وهو ما يعادل أعلى مستوى لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

كما يشعر المستثمرون بالكآبة، فقد ارتفعت الأسهم بقوة بعد فوز ترامب في الانتخابات وسط تفاؤل بأجندته الرامية إلى إلغاء القيود التنظيمية وخفض الضرائب. ولكن في الآونة الأخيرة، تراجعت السوق، إذ انخفضت بنسبة 2% في الشهر الماضي. وتشير أداة تتبع لنمو الناتج المحلي الإجمالي، التي نشرها فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، إلى انكماش بنسبة 1.5% في الربع الأول من عام 2025، وهو انعكاس مفاجئ عن بضعة أسابيع فقط.

وكانت سوق الأوراق المالية واحدة من نقاط الحديث المفضلة لدى ترامب، ولكن ليس كذلك في الآونة الأخيرة. فخلال فترة ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، كان ترامب ينسب لنفسه بانتظام الفضل في ازدهار سوق الأوراق المالية، مستشهداً بأسعار الأسهم المرتفعة كمقياس لنجاحه في منصبه. وبعد فوزه في الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أشار إلى ارتفاع السوق كعلامة على التفاؤل. ولكن منذ تنصيبه في يناير 2025، كان ترامب صامتاً نسبياً بشأن الأسهم، حتى بعد أن سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" رقماً قياسياً في 19 فبراير الماضي. ومنذ ذلك الحين، انخفض المؤشر بشكل يومي تقريباً، والمؤشر الآن أقل مما كان عليه عندما تولى ترامب منصبه.

يوم الجمعة الماضي، ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في وقت متأخر من اليوم، ولكنه ظل منخفضاً طوال الأسبوع، وهو الأسبوع الثاني على التوالي من الخسائر لأول مرة منذ أكتوبر 2024. كما تلاشت الانعكاسات الصعودية الأخرى لانتخاب ترامب، إذ هبطت عملة بيتكوين بنحو 20% خلال الشهر الماضي.

السوق تظهر علامات الضعف

وفي حين لم يمر سوى شهر ونصف على الإدارة الجديدة، فإن السوق تُظهر علامات الضعف، حيث أصبح المستثمرون متوترين بشكل متزايد بشأن عمليات البيع الوشيكة. كما أن معنويات المستهلكين متدهورة، والمستثمرون يشعرون بالضجر إزاء صخب المقترحات السياسية الصادرة عن واشنطن. وقال رئيس الدخل الثابت الدولي في شركة الوساطة المالية "ناشيونال أليانز سيكيورتيز"، أندرو برينر: "أصبح خطاب الرسوم الجمركية يومياً ومتطرفاً، والمشاعر مروعة والتداول متوتراً".

وما يشعر المستثمرين بالقلق أن سوق الأوراق المالية أضحت مختلفة تماماً عن ولاية ترامب الأولى. فقد ارتفعت سوق الأسهم بالفعل، مع ارتفاع التقييمات إلى مستويات تاريخية، حيث صعد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 20% لمدة عامين متتاليين في عامي 2023 و2024 لأول مرة منذ عام 1996. وهذا يعني أن الوصول إلى ارتفاعات جديدة قد يكون أكثر صعوبة، خاصة أن محرك الارتفاع الأخير، أسهم التكنولوجيا الكبرى، بدأ في التعثر.

ويسيطر التوتر على المستثمرين. وبينما يتوقع القليلون حدوث ركود كامل، وفقاً لأحدث مسح أجراه "بنك أوف أميركا"، فإن العديد منهم حذرون من الاتجاه غير المؤكد للسوق، وخاصة في ضوء إمكانية فرض رسوم جمركية متبادلة والتي بإمكانها إشعال حرب تجارية، وقلب معركة بنك الاحتياطي الفيدرالي مع التضخم وتقييد النمو الاقتصادي.

وقال ما يقرب من 90% من المشاركين في الاستطلاع، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز إن الأسهم مبالغ في قيمتها. فقد وصل مؤشر يقيس مدى استعداد المستثمرين للبيع من خلال تتبع الصفقات في أسواق الخيارات التي من شأنها أن تحمي من الانخفاض المفاجئ في قيمة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في 18 فبراير الماضي، قبل يوم من وصول هذا المؤشر إلى أعلى مستوى قياسي له. ويشير هذا إلى أن المستثمرين متوترون من أن السوق قد تنهار قريباً. وقد يكون هذا هو السبب في أن السوق لم تعد مقياس النجاح الذي ادعى ترامب ذات يوم أنه كذلك.

بحسب ترامب، خلال خطاب تنصيبه في العشرين من يناير الماضي، فإن "العصر الذهبي لأميركا يبدأ الآن"، لكن في الأسابيع الستة التي مرت منذ ذلك اليوم، بدا المستثمرون والاقتصاديون أقل تفاؤلاً، معربين عن قلقهم من أن سياسات ترامب تتسبب في مشاكل حقيقية للاقتصاد، لا سيما ما يتعلق بسياسة الرسوم الجمركية التي تستهدف الجميع، فضلاً عن سياسة الابتزاز التي تنتهجها إدارة ترامب بحق حلفاء واشنطن، والتي تجلّت بشكل كبير في محاولة إبرام اتفاق للاستحواذ على معادن أوكرانيا مقابل المساعدات التي قدمتها واشنطن لها خلال الحرب ضد روسيا التي تعمّد ترامب تضخيمها.

ولعل التضخم الناجم عن شهية ترامب للرسوم الجمركية هو ما يُثير قلق الكثير من أنصار ترامب، الذين يخشون أن يتحول إلى سلاح فعال في يد الديمقراطيين الذين كافحوا كثيراً للوصول إلى خط هجوم ضد الرئيس الجمهوري. وقال المستشار الخارجي المخضرم لترامب في القضايا الاقتصادية، ستيفن مور، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال: "أنا متوتر بشأن هذا الأمر.. إدارة ترامب بحاجة إلى مراقبة ما يحدث بالنسبة للأسعار.. يجب أن يكون ذلك على رأس الأولويات.. الاتجاه مزعج بعض الشيء".

الرسوم الجمركية تحمل مخاطر سياسية

وما يزيد من تفاقم المخاطر السياسية هو أن خطط ترامب البعيدة المدى لفرض رسوم جمركية صارمة على الواردات قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع أكثر، وفقاً لخبراء الاقتصاد. وقد بلغ معدل التضخم الأساسي في أسعار المستهلك 3.3% في يناير الماضي، وهو أعلى مما توقعه خبراء الاقتصاد. ومع تفاقم إنفلونزا الطيور في صناعة الدواجن، أضافت أسعار البيض القياسية إلى مشاكل ترامب الاقتصادية. وقال حاكم جورجيا براين كيمب، وهو جمهوري، في مقابلة مع الصحيفة الأميركية على هامش اجتماع رابطة حكام الولايات الوطنية مؤخراً: "لا أشعر بأن الناس يلومونه على ذلك حتى الآن، لكنني أعتقد أن هذه مخاطرة قد تتعرض لها بعد ثلاثة أو ستة أشهر.. إنه خطر على أي سياسي".

ومن المتوقع أن يقدم ترامب تحديثاً على أجندته الاقتصادية خلال خطاب أمام الكونغرس، اليوم الثلاثاء. وقال رئيس الحزب الجمهوري في فرجينيا، ريتش أندرسون، إنه يعتقد أن الرئيس يفعل ما في وسعه لتعزيز الاقتصاد، ولكن الناخبين سيحتاجون إلى رؤية التأثيرات في الأشهر المقبلة. وأضاف أندرسون: "سيكون هناك ثمن يجب دفعه إذا كان هناك فشل في التنفيذ".

وقال مسؤول في البيت الأبيض إن مسؤولي إدارة ترامب يشعرون بالثقة بقدرتهم على خفض الأسعار، لكن ليس لديهم جدول زمني محدد للقيام بذلك. وأشار المسؤول إلى تركيز ترامب على خفض الإنفاق الحكومي من خلال وزارة كفاءة الحكومة التابعة لإيلون ماسك وجهوده لإلغاء لوائح الطاقة كأمثلة على الإجراءات المبكرة التي يمكن أن تخفض الأسعار.

لكن خطط ترامب لتطبيق الرسوم الجمركية من المتوقع أن تؤدي إلى تصاعد التضخم. وبالفعل، فرضت واشنطن رسوماً جمركية إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية في فبراير الماضي. كذلك قال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، لبرنامج "صنداي مورننغ فيوتشرز" على شبكة "فوكس نيوز"، يوم الأحد الماضي، إن الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك ستدخل حيز التنفيذ، يوم الثلاثاء، لكن الرئيس سيبت في ما إذا كان سيلتزم بمستوى 25% مثلما هو مخطط له. كما أعلن ترامب عن رسوم بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم من مختلف أنحاء العالم، ودعا إلى دراسة الرسوم الجمركية المتبادلة، والتي من شأنها تعديل الرسوم الجمركية الأميركية لتتناسب مع الرسوم الجمركية للدول الأخرى.

 

ارتفاع التكاليف على المستهلكين

وأقر ترامب بأن الرسوم الجمركية قد تسبب "بعض الألم" للمستهلكين الأميركيين، ولكنه قال إن إدارته لا تحتاج إلى دراسة التأثير المحتمل للرسوم الجمركية على الأسعار. لكن نواباً جمهوريين حذّروا من تداعيات فرض المزيد من الرسوم الجمركية. وفي عمود رأي حديث، حذّر السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي من أن الرسوم الجمركية الشاملة من شأنها أن تجعل "ممارسة الأعمال التجارية في أميركا أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين في جميع المجالات".

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" للاستشارات الأميركية في الفترة من 3 إلى 16 فبراير الماضي أن نسبة تأييد ترامب فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية أقل مما كانت عليه في بداية ولايته الأولى (2017 ـ 2021) وأقل من نسبة تأييد الرؤساء الآخرين في نفس المرحلة من ولايتهم. ووجد الاستطلاع أن نسبة تأييد ترامب للاقتصاد بلغت 42% أي أقل بست نقاط مئوية من فبراير 2017.

وبينما ركّز الديمقراطيون في البداية على انتقاد ممارسات إيلون ماسك بشأن تدخله في الإنفاق الحكومي وعمل الوزارات، عادوا في الأسابيع الأخيرة ليركزوا على الاقتصاد، باعتباره خط هجوم فعال ضد ترامب. وقال النائب الديمقراطي عن ولاية أوهايو، غريغ لاندسمان: "بدلاً من العمل على الاقتصاد، كانوا في حالة من الهراء، وتسوية الحسابات السياسية".

المساهمون