عجز وتشوهات هيكلية تهدد الاستقرار المالي في ليبيا

10 مايو 2025
مقر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، 27 اغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تواجه ليبيا أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع الدين العام إلى 125% من الناتج المحلي الإجمالي وتجاوز الإنفاق العام إجمالي الدخل بنسبة 165%، مما يهدد استقرارها المالي ويزيد من مخاطر الإفلاس.

- يعتمد الاقتصاد الليبي بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. ويعاني من غياب التنويع في مصادر الدخل، مع تحذيرات من تداعيات خفض سعر صرف الدينار وتأثيره السلبي على الأفراد وأصول الدولة.

- تتفاقم الأزمة بسبب الانقسام السياسي وغياب الرقابة المالية، مع استمرار الإنفاق الموازي وسياسة مقايضة النفط بالمحروقات، مما يهدد استقرار سعر الصرف ويزيد من مخاطر التضخم.

تشهد ليبيا أزمة اقتصادية خانقة من الأشد في تاريخها الحديث، أصبحت تهدد الاستقرار المالي في البلاد، وتتكشّف ملامحها يوماً بعد يوم من خلال مؤشرات مالية ونقدية مقلقة، تُنذر باقتراب البلاد من مرحلة حرجة قد يصعب التراجع عنها دون تدخل شامل وجذري.

وتشير البيانات الأخيرة الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 125%، بينما تجاوز الإنفاق العام إجمالي الدخل بنسبة 165%، وهو ما يعكس خللاً جوهرياً في هيكل المالية العامة. ويتوقع أن يصل الدين العام في العام 2025 إلى نحو 330 مليار دينار، بعجز مالي يقدّر بنحو 50 مليار دينار. هذه المؤشرات تضع علامات استفهام خطيرة حول قدرة الدولة على الاستمرار في تمويل التزاماتها دون الانزلاق نحو دوامة الإفلاس أو الانكماش الشديد. (الدولار= 5.5 دنانير).

ويعاني الاقتصاد الليبي من طبيعته الريعية، إذ يعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، ما يجعله هشاً أمام تقلبات الأسواق العالمية وأسعار الخام. كما يفتقر إلى التنويع في مصادر الدخل، مما يعيق تحقيق التوازن الاقتصادي ويزيد من حدة التأثر بأي اضطرابات خارجية أو داخلية.

وفي هذا السياق، حذّر المحلل الاقتصادي محمد بن يوسف من تداعيات خفض سعر صرف الدينار مقابل حقوق السحب الخاصة، موضحاً أن الأثر لا يقتصر على تآكل دخول الأفراد، بل يمتد إلى التأثير على أصول المصرف المركزي، وكذلك أصول الشركات العامة والخاصة والبنوك التجارية، فضلًا عن مدخرات المواطنين. وأكد لـ"العربي الجديد" أن الاستمرار في هذه السياسة دون معالجة آثارها الجانبية سيدخل الاقتصاد في دائرة مفرغة من الانكماش والفقر، داعياً مسؤولي المصرف المركزي إلى حماية أصول الدولة والامتناع عن استخدام أدواتهم لتغطية العجز الناتج عن الإنفاق التنفيذي غير المنضبط.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

من جانبه، عبّر المحلل المالي إدريس الشريف عن قلقه إزاء تمويل المصرف المركزي لعجز كبير في ميزانية عام 2024، دون وجود قانون ميزانية معتمد يُحدد بوضوح الإيرادات والنفقات وآليات التمويل. وأشار لـ"العربي الجديد" إلى أن الإنفاق الحكومي تجاوز بكثير قاعدة "1/12" المعتمدة في غياب ميزانية رسمية، متسائلًا إن كان المصرف المركزي يدرك حجم آخر ميزانية مُعتمدة تم القياس عليها. وانتقد الشريف لجوء المصرف إلى تخفيض قيمة الدينار بوصفه حلاً سريعاً ومؤقتاً، معتبراً أنه "مسكّن مالي" يدفع ثمنه المواطن، ويؤدي إلى تفاقم الإنفاق الحكومي وزيادة الطلب على العملة الصعبة، مما يعمّق العجز ويفتح الباب أمام مزيد من التخفيضات في سعر الصرف، الأمر الذي يدخل الاقتصاد في نفق حلزوني مظلم.

ورغم الطابع الاقتصادي الظاهر للأزمة، إلا أن جوهرها في الواقع سياسي بامتياز. فالانقسام المؤسسي، وتعدد مراكز اتخاذ القرار، وغياب المساءلة والرقابة المالية، كلها عوامل أسهمت في شلل الأداء الاقتصادي، وإضعاف فاعلية إدارة الموارد العامة، وغياب أي استراتيجية إصلاحية متكاملة.

وفي هذا الإطار، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، أن المؤشرات الحالية تنذر بانخفاض جديد محتمل لقيمة الدينار الليبي، مشيراً إلى أن استمرار الإنفاق الموازي من حكومة حماد، واستمرار سياسة مقايضة النفط بالمحروقات، يزيد من الضغط على الوضع المالي والنقدي ويضعف قدرة الدولة على التحكم بمقدراتها.

أما الخبير الاقتصادي حسين البوعيشي فقد حذّر من أن ليبيا مهددة بالدخول في حلقة مفرغة من التضخم، والعجز، والاستدانة، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً، والذي قد يجعل من الصعب على الحكومة تغطية الرواتب والأعباء المالية من خلال الخزانة العامة. وأضاف البوعيشي لـ"العربي الجديد" أن السياسات الاقتصادية يجب ألا تكون صادمة أو تؤثر سلباً على المراكز المالية للأفراد والشركات، بل ينبغي أن تكون مدروسة وواقعية، وتعتمد على أدوات فعالة تضمن الاستقرار والنمو التدريجي.

وأوضح أن الوضع الاقتصادي الراهن يتطلب تحركاً عاجلًا ومسؤولًا من كل المؤسسات، وعلى رأسها المصرف المركزي، لتصحيح المسار، ووقف سياسة التوسع في الإنفاق دون غطاء قانوني، وتفعيل أدوات السياسة النقدية بحكمة، وفرض الانضباط المالي على الجهات التنفيذية.

وذكر مصرف ليبيا المركزي أن حجم الإنفاق العام خلال عام 2024 بلغ نحو 224 مليار دينار ليبي، موزعة بين حكومة الوحدة الوطنية (123 مليار دينار)، و42 مليار دينار إنفاق مقابل مبادلة النفط، و59 مليار دينار أنفقتها الحكومة المكلفة من مجلس النواب. في المقابل، لم تتجاوز الإيرادات النفطية والضريبية المحصلة 136 مليار دينار، ما تسبب في اتساع الفجوة بين الطلب والعرض من النقد الأجنبي، والذي بلغ حجمه نحو 36 مليار دولار خلال العام نفسه.

وأكد المصرف أن هذه الفجوة ساهمت بشكل مباشر في زعزعة استقرار سعر الصرف، وأعاقت جهود البنك المركزي في دعم الدينار الليبي، كما أسهمت في رفع معدل عرض النقود إلى 178.1 مليار دينار، مما ينذر بآثار تضخمية خطيرة، ومخاطر فقدان الثقة بالعملة المحلية.

المساهمون