عجز قياسي للموازنة الأميركية يضع بايدن في ورطة

عجز قياسي للموازنة الأميركية يضع بايدن في ورطة

15 ابريل 2021
جو بايدن يتوسع في الانفاق على تحفيز الاقتصاد
+ الخط -

مع توسع الإدارة الأميركية، الحالية والسابقة، في إقرار حزم تحفيز الاقتصاد وإنقاذ المواطنين الذين فقدوا وظائفهم مع ظهور كورونا وأوامر الإغلاق التي استهدفت الحد من انتشاره، ارتفع عجز الموازنة ليسجل مستوى قياسياً جديداً يقدر بنحو 1.7 تريليون دولار خلال الشهور الستة الأولى من السنة المالية التي بدأت أول شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وهو ما يمثل أكثر من ضعف ما كان عليه خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وبعد ضخ نحو ستة تريليونات من الدولارات في حزم الإنقاذ، نصفها تقريباً خلال السنة المالية الحالية، واستمرار إغلاق عدد كبير من الحدائق العامة والمتنزهات والمتاحف، كما غيرها من المزارات السياحية، بالإضافة إلى التراجع النسبي لحصيلة الإيرادات الضريبية بعد انخفاض أرباح الشركات في 2020، وتراجع دخول الأفراد الذين فقدوا وظائفهم، اعتباراً من الربع الثاني من العام الماضي، قالت وزارة الخزانة الأميركية يوم الاثنين إن عجز الموازنة خلال شهر مارس / آذار الماضي وحده بلغ 660 مليار دولار، بارتفاع 454% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ورغم وصول الدين العام لأعلى مستوياته على الإطلاق، وتجاوزه الشهر الماضي 28 تريليون دولار للمرة الأولى في التاريخ، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطة ضخمة لتحديث البنية التحتية، تتجاوز 2.3 تريليون دولار، لتأتي أرقام عجز الموازنة وتزيد من صعوبة إقناع أعضاء الكونغرس، بالموافقة على الخطة التي ستضع عبئاً جديداً على الموازنة المأزومة.

وطالبت مايا ماكجينيس، رئيسة لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، المكونة من أعضاء من الحزبين، بالبدء الفوري في إعداد خطة لتخفيض الدين العام، مضيفة "رغم أن جزءاً كبيراً مما تم اقتراضه العام الماضي كان بلا جدال مبرراً، إلا أننا أصبحنا الآن مغمورين بتريليونات الدولارات من الديون التي تراكمت علينا". وحذرت ماكجينيس من تأثير زيادة الاقتراض على الأجيال القادمة.

وأشار روبرت رايتش، الذي شغل عدة وظائف في أكثر من إدارة أميركية، وكان من بينها توليه وزارة العمل في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، إلى خطورة نمو الدين العام بسرعة تتجاوز نمو الاقتصاد، "وهو ما يحدث عند استخدام ما يتم اقتراضه في مشروعات قليلة المساهمة في الناتج المحلي".
وقال رايتش، الذي افتخر بعضويته في الإدارة الأميركية الوحيدة التي تمكنت من تحقيق فائض في ميزانيتها، في لقاء تلفزيوني أيضاً أن ارتفاع الدين سيكون مقبولاً فقط إذا "ساهم في زيادة القدرات الإنتاجية المستقبلية للبلاد، من خلال استخدامه في زيادة الإنفاق الحكومي الاستثماري".
ويوم الاثنين، التقى بايدن ونائبته كاميلا هاريس، بمجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين، في محاولة لم تكن الأولى لإيجاد بدائل لتمويل الحزمة الضخمة التي يرغب بايدن في البدء في أولى مراحلها في أقرب وقت ممكن، لتساهم في الإسراع بإخراج الاقتصاد الأميركي من حالة الركود الحالية، وترفع معدلات النمو، وتخلق ملايين الوظائف الجديدة.

وبعد مناقشات استمرت لما يقرب من الساعتين، تمسك الجمهوريون برفضهم لاقتراح بايدن بزيادة الضرائب على الشركات والأفراد مرتفعي الدخول لتمويل الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وطالبوا بخطة تكون تكلفتها أقل. 

بدوره، أبدى بايدن مرونة لتقسيم خطته على مراحل متباعدة، والبحث عن بدائل تمويل بخلاف فكرة زيادة الضرائب، رغم أنها كانت أحد أهم وعوده الانتخابية قبل ستة أشهر.  
ومع تزايد الاعتراضات بين المواطنين من الحزبين على فكرة زيادة الضرائب وإلغاء قانون الإصلاح الضريبي الذي أقره الرئيس السابق دونالد ترامب، برزت إلى السطح مقترحات بإمكانية التوسع في إصدار السندات، أو فرض ضرائب على وقود السيارات، وربما ضرائب على عدد الأميال التي يقطعها المواطنون بسياراتهم، الأمر الذي يمكن أن يساهم في حل أزمة التمويل، وفي نفس الوقت يحقق أجندة بايدن المرتبطة بوعدٍ آخر من وعوده الانتخابية، والمرتبط بما يخص قضايا البيئة والتلوث.
وفي حالة إصرار الجمهوريين على رفض مقترحات بايدن، يمكن لأعضاء الحزب الديمقراطي بالكونغرس تمرير خطة تحديث البنية التحتية دون الحصول على موافقتهم من خلال استخدام عملية "المصالحة reconciliation" التي تسمح لهم بتخطي عقبة الحصول على 60% من الأصوات، إلا أنها ستقتصر على تمرير الإجراءات المتعلقة بالميزانية بصورة مباشرة، ولن تتمكن من تمرير الاشتراطات الخاصة بحماية العمال، والتي مثلت وعداً آخر خلال حملة بايدن الانتخابية. 

وقت الأزمة المالية العالمية اضطرت الحكومة الأميركية للتدخل لمنع انهيار النظامين الماليين الأميركي والعالمي

ومنذ وقت الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، والتي اضطرت خلالها الحكومة الأميركية للتدخل في أكثر من مناسبة لمنع انهيار النظامين الماليين الأميركي والعالمي، استمر عجز الموازنة في التزايد، إلا أن بصمات ترامب أظهرت الدور الكبير الذي لعبه في زيادة الدين، حين اقترضت إدارته ما يقرب من 5 تريليونات دولار، رغم أن السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض شهدت واحداً من أكبر الانتعاشات في تاريخ الاقتصاد الأميركي. 

وتاريخياً، كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تزيد من اقتراضها في أوقات تباطؤ النمو الاقتصادي، بينما تستغل فترات الانتعاش في العودة بمستويات الدين إلى أقل مستوى يمكن الوصول إليه. 
لكن ترامب، الذي حدث عكس ذلك في عهده، أجبر على ذلك بسبب تصميمه على تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات الأميركية، مع التوسع في الإنفاق الحكومي، ليتسع عجز الموازنة بصورة واضحة، وذلك قبل أن يظهر فيروس كوفيد – 19 في أي بلد في العالم.

المساهمون