عاصفة الذهب.. قفزات المعدن الأصفر المتواصلة قد تهدد عرش الدولار

09 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 04:30 (توقيت القدس)
سبائك الذهب في مصهر بسيدني - أستراليا 29 أبريل 2025 Getty
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الذهب ارتفاعًا ملحوظًا منذ أبريل بسبب عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي، مما يعكس القلق بشأن استقرار الدولار واعتبار الذهب ملاذًا آمنًا.
- زادت البنوك المركزية من احتياطياتها من الذهب، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لحماية احتياطياتها من تقلبات الدولار، مع تزايد الشراء من دول مثل الصين وروسيا وتركيا.
- يتوقع المحللون استمرار ارتفاع أسعار الذهب مدعومًا بالطلب القوي من البنوك المركزية وضعف الدولار، رغم احتمالية تقلب الأسعار كما حدث في الماضي.

 من صعود إلى صعود يمضي الذهب في مسيرته المظفرة التي بدأت في إبريل/نيسان الماضي، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسومه الجمركية التي كرست لحالة من عدم اليقين لا تزال ارتجاجاتها تتفاعل عالمياً. فقد ارتفعت الأسعار العالمية للذهب بمعدل الثلث تقريباً منذ ذلك التاريخ مذكرة بوثبة لم يسجلها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت أجواء التضخم المرتفع وعدم الاستقرار السياسي عالمياً، إثر الغزو السوفييتي لأفغانستان هي المحرك لصعوده.

والحاصل أن هرع المستثمرون إلى الملاذ الذهبي يلقي بعبء على الدولار، ويهدد بزلزلة عرشه، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت، وهو ما يعبر عنه كثير من المستثمرين، آخرهم الملياردير راي داليو، بقوله إن الذهب أكثر أماناً من الدولار، فهو في نظره يمثل مخزناً قوياً للقيمة في وقت تتزايد فيه أعباء الديون الحكومية، وتتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتتراجع الثقة في استقرار العملات الوطنية. ويتفق داليو، مؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس، في ذلك، مع الرأي السائد بأن ارتفاع الذهب يعكس حالة القلق التي تكتنف الدولار.

وقد كسر الذهب حاجز الأربعة آلاف دولار ليبلغ سعره 4036 دولاراً للأونصة في تعاملات آسيا المستقبلية مساء الثلاثاء الماضي، لكن هذا الصعود ربما لا يكون نهاية المسيرة، فالمؤشرات الراهنة توحي بأن العالم أبعد ما يكون عن الاستقرار الاقتصادي، وأن التجارة العالمية تمر بمرحلة من الغموض مع تقلب السياسات الأميركية في ظل الإدارة الراهنة.

دور البنوك المركزية

تؤكد دراسات مختلفة تلك العلاقة العكسية بين صعود الذهب وتراجع الدولار، فما يحدث هو أن المستثمرين والبنوك المركزية في سعيهم لاقتناء الذهب إنما يقدمون على اقتراع بالثقة في العملة الأميركية التي تمثل العملة الاحتياطية العالمية. وتقول دراسة صادرة عن مجموعة جي بي مورغان المصرفية الأميركية في يوليو/تموز الماضي إن الاتجاه الرئيسي لإلغاء الاعتماد على الدولار في احتياطيات العملات الأجنبية يتعلق دائماً بالطلب المتزايد على الذهب. ويُنظر إلى الذهب بديلاً للعملات الورقية المثقلة بالديون.

وترصد الدراسة تزايد حصة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، حيث كانت الصين وروسيا وتركيا من أكبر المشترين في العقد الماضي. وعلى الرغم من أن حصة الذهب في الاحتياطيات في الأسواق الناشئة لا تزال منخفضة عند 9%، إلا أن الرقم يمثل ضعف ما كان لديها قبل عشر سنوات. أما حصة الأسواق المتقدمة فقد ارتفعت إلى أكثر من 20% في الفترة نفسها.

وتشير لويز ستريت، كبيرة المحللين في مجلس الذهب العالمي في حديث مع "بي بي سي" إلى أن البنوك المركزية كانت من أكبر مشتري الذهب لتعظيم احتياطياتها الوطنية على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية، وتسارع هذا التوجه بشكل خاص في السنوات الثلاث الماضية، حيث اشترت البنوك المركزية مجتمعة أكثر من ألف طن من الذهب سنوياً في العام 2024، بزيادة عن متوسط 481 طناً سنوياً بين 2010 و2021. وكانت بولندا وتركيا والهند وأذربيجان والصين من بين أبرز المشترين العام الماضي.

وقد تعزز هذا التوجه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وقيام العواصم الغربية بتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الصعبة، فالخوف من استخدام الدولار سلاحاً دفع البنوك المركزية إلى شراء الذهب للاحتفاظ به في خزائنها، بعيداً عن أنظمة البنوك المقومة بالدولار تحسباً لتكرار النموذج الروسي إذا وقع خلاف سياسي أو عسكري يؤثر على علاقاتها مع الأنظمة التي تتحكم في تلك البنوك.

لا ينفصل هذا التوجه المتزايد في التخلي عن الدولار كعملة أمان اعتاد المستثمرون والبنوك المركزية على اللوذ بها، عن الأوضاع السياسية للولايات المتحدة نفسها. وحسب دراسة "جي بي مورغان" هناك عديد من المؤشرات السلبية التي تقوض الأمان والاستقرار الظاهر للدولار، وكذلك مكانة الولايات المتحدة بما هي قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية رائدة عالمياً. على سبيل المثال، يمكن أن يهدد ارتفاع الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة حكومتها، التي تدعم دورها ملاذاً آمناً عالمياً. كما يمكن أن تؤدي السياسات الجمركية الأميركية المستمرة إلى فقدان المستثمرين الثقة في الأصول الأميركية.

ويبدو أن صعود الذهب ودونالد ترامب أصبحا أمرين متلازمين، فقد بدأت عاصفة الذهب الراهنة، بعد أن شن الرئيس الأميركي هجومه، الذي لا يزال مستمراً، على جيروم باول رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، داعياً إلى خفض فوري في أسعار الفائدة، ووصف باول بأنه "خاسر كبير" لفشله في تقليل تكلفة الاقتراض بسرعة كافية. وفسّر بعضهم تعليقاته على أنها هجوم على استقلالية البنك المركزي الأميركي. وبعدها تراجعت أسواق الأسهم الأميركية، كما انخفضت قيمة الدولار مقارنة بالعملات الكبرى الأخرى، وارتفع الذهب إلى أحدث رقم قياسي له.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

كانت الإشارة واضحة بالنسبة للمستثمرين، إذا كان النظام المصرفي الأميركي عرضة للاهتزاز، فيتعين الاحتماء بملاذ لا يخضع لبنك مركزي ولا لرئيس الولايات المتحدة، إنه الذهب الذي لا تطبعه حكومات الدول ولا تتحكم فيه أسعار الفائدة. لكن من المؤكد أن ترامب وحده ليس السبب الوحيد لعاصفة الذهب، فأجواء المخاوف بشأن مستقبل التجارة العالمية تمتد لتشمل العالم أجمع، واحتمالات الركود تتعاظم والاحتماء بأصول ثابتة يصبح خياراً مفضلاً.

توقعات بالصعود

مع الندرة ومنذ قدم التاريخ كان الذهب ولا يزال مكافئاً لقيمة الثروة، فندرته النسبية في الطبيعة، ومحدودية ما هو متوافر منه عالمياً جعلت التنافس على اقتنائه أمراً دائماً. ويقدر حجم الذهب المتداول حسب مجلس الذهب العالمي بنحو 216.265 طناً حتى الآن، ويزداد الإجمالي حالياً بنحو 3.500 طن سنوياً. وهذا يعني أنه يُعتبر على نطاق واسع أصلاً آمناً يحافظ على قيمته.

لكن هل يعني ذلك أن الذهب هو الاستثمار الأفضل على الإطلاق؟ من المؤكد أنه لن يكون كذلك في الظروف الطبيعية، في حالة الرخاء والاستقرار العالمي. فاختزان الذهب لن يعود بفائدة كالحسابات المصرفية، ولا بمدفوعات دورية كسندات الخزانة، لكنه قد يكون أماناً ضد التضخم في مثل هذه الظروف.

ويتوقع محللو الأسواق أن يصعد الذهب إلى 4500 للأوقية إذا تعرض الاقتصاد الأميركي للركود، أو انفجرت فقاعة الأسواق المالية المتمثلة في نهم الذكاء الاصطناعي. ورفع "غولدمان ساكس" الأميركي توقعاته لأسعار الذهب للعام المقبل، مشيراً إلى تدفقات قوية من صناديق المؤشرات المتداولة والمشتريات المحتملة من البنوك المركزية. وتوقع البنك هذا الأسبوع وصول سعر المعدن النفيس إلى 4900 دولار للأوقية في ديسمبر/كانون الأول 2026، بدلاً من تقديره السابق البالغ 4300 دولار. كما توقع البنك وصول متوسط مشتريات البنوك المركزية من الذهب إلى 80 طناً مترياً هذا العام، و70 طناً في 2026، مع مواصلة بنوك الأسواق الناشئة التنويع الهيكلي لاحتياطاتها.

ويرى محللو "غولدمان ساكس" أن حيازات صناديق الاستثمار المتداولة الغربية سترتفع مع توقعات بخفض سعر الفائدة على الدولار 1% بحلول منتصف 2026. وتأتي التوقعات بعد ارتفاع سعر الذهب بأكثر من 50% خلال العام الحالي حتى الآن بدعم من المشتريات القوية من البنوك المركزية وزيادة الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب وضعف الدولار وتزايد حالة عدم اليقين بشأن التجارة.

لكن آخرين يذكرون بأن سيرة الذهب لا تخلو من الانتكاسات أيضا، ففي عام 1980، على سبيل المثال، وبعد وصول أسعاره إلى ذروتها حدث التراجع، حيث انخفض من 850 دولاراً في أواخر يناير/كانون الثاني إلى 485 دولاراً في أوائل إبريل من ذلك العام. وبحلول منتصف يونيو/حزيران من العام التالي، كان السعر قد وصل إلى 297 دولاراً، أي انخفاض بنسبة 65% عن ذروته. أما ذروة 2011، فقد تبعها هبوط حاد ثم فترة من التقلبات، حيث انخفض السعر بنسبة 18% خلال أربعة أشهر، وبعد استقرار مؤقت استمر في الانخفاض ليصل في منتصف 2013 إلى مستوى منخفض يقل بنسبة 35% عن أعلى سعر.

المساهمون