عارف حسين: الحكومات حول العالم أنفقت 26 تريليون دولار لمواجهة كروونا

عارف حسين: الحكومات حول العالم أنفقت 26 تريليون دولار للتعامل مع الجائحة الصحية

26 يناير 2022
عارف حسين (العربي الجديد)
+ الخط -

أكد كبير الخبراء الاقتصاديين في "برنامج الأغذية العالمي"، عارف حسين، في مقابلة مع "العربي الجديد" أنّ هناك قفزة كبيرة في أعداد الجائعين حول العالم، وأشار إلى أنّ الحكومات أنفقت 26 تريليون دولار للتعامل مع الجائحة الصحية.

وقدم حسين أرقاما مفزعة حول حيث الوضع الغذائي في العالم حيث قال إنّه بحلول نهاية 2019 كان هناك قرابة 135 مليون شخص يواجهون أزمة الجوع أو ظروف أسوأ. الآن وصل الرقم إلى 283 مليون شخص، من بينهم 45 مليون شخص يواجهون حالة طوارئ أي أنّهم على بعد خطوة واحدة عن المجاعة.

وتطرق كبير الخبراء الاقتصاديين في "برنامج الأغذية العالمي" في حواره مع "العربي الجديد" إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطن في الدول العربية التي تشهد حروب وقلاقل سياسية مثل سورية واليمن. وقال إن المواطن بات محاصرا بين الحروب أو الجوع أو الهجرة.

وفيما يلي نص الحوار مع عارف حسين:

 

- حتى قبل تفشي أزمة كورونا وتبعاتها الاقتصادية دولياً، كانت هناك تقارير تحذر من عدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة. الآن مع تفشي الأزمة إلى أي مدى تشعرون بالقلق لعدم تحقيقها، وخاصة "القضاء على الفقر" و"القضاء التام على الجوع" حول العالم بحلول 2030؟
عندما نتحدث عن هذه الأمور علينا النظر كذلك إلى نقطة البداية. جائحة كورونا بدأت قبل سنتين، لكن في واقع الحال لاحظنا في السنوات الخمس التي سبقت أزمة كورونا أن نسبة الجوع حول العالم في تصاعد. وهذا كان مؤشرا على أنّ شيئاً ما لم يكن على ما يرام، وهو أسوأ بكثير. ونحن نتحدث هنا عن تبعات التغير المناخي واللامساواة الاقتصادية، ثم جاءت كورونا وضاعفت المشكلة.
وإذا ترجمنا هذا ووضعناه في سياق الأرقام. نلاحظ أنّه بحلول نهاية عام 2019 كان هناك قرابة 135 مليون شخص حول العالم يواجهون أزمة الجوع أو ظروف أسوأ. الآن وصل الرقم إلى 283 مليون شخص حول العالم يواجهون أزمة الجوع، من بينهم 45 مليون شخص يواجهون حالة طوارئ أي أنّهم على بعد خطوة واحدة عن المجاعة. ونلاحظ أنّ هذا يحدث في 43 دولة حول العالم وهذه مشكلة حقيقية. فاقمت جائحة كورونا وضعا كان أصلاً سيئاً وجعلته أكثر سوءاً.

 

- وماذا ترتب على الجائحة الصحية في مختلف دول العالم، وكم أنفقت الحكومات في هذا الصدد؟
من تبعات الجائحة كذلك اضطرار الحكومات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وخاصة بعد يونيو/ حزيران من العام الماضي، إلى تخصيص أموال طائلة للتعامل مع الجائحة وتبعات الإغلاق وفقدان الوظائف. ويشعر البعض بذهول عندما أقول لهم إن الحكومات، في الغالب الكبيرة، أنفقت في الأشهر الـ18 الأولى بعد بدء جائحة كورونا قرابة 26 تريليون دولار للتعامل مع الجائحة وتبعاتها.
وهذا قرابة 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأنفق على أمر واحد. وهذه أموال يجب إعادة دفعها. وما نلاحظه الآن أن الكثير من الدول تواجه هبوطاً في قيمة عملتها. على سبيل المثال في لبنان واليمن وإثيوبيا ونيجيريا وغيرها، وفي جميع هذه البلدان لم تكن الجائحة هي البداية أو الأساس ولكنها فاقمت الأزمة وهبطت العملات بشكل حاد.
وعندما تهبط قيمة العملة يرتفع التضخم بمستويات كبيرة. إذا ركزنا على الشرق الأوسط في دول كلبنان وسورية واليمن والأراضي الفلسطينية المحتلة ومصر فكلها دول تستورد الغذاء. اليمن على سبيل المثال يستورد تسعين بالمائة من منتجاته الغذائية والنفط وعندما تهبط العملة فإن لذلك تبعات واسعة النطاق على التضخم. وهذا يحدث في وقت نلاحظ فيه أنّ التضخم تحدٍّ يواجه حتى دولاً كالولايات المتحدة حالياً إذ فاق التضخم فيها سبعة في المائة. إذا كان هذا في دولة كالولايات المتحدة فتخيلي ما الذي يحدث في بقية العالم. هذه من الأمور التي تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر حول العالم.

- فضحت جائحة كورونا العيوب في مختلف القطاعات وأظهرت مستويات اللامساواة والفروقات الاقتصادية داخل الدولة الواحدة بوضوح، فما الذي يجب أن تفعله الحكومات لتخطي تبعات كورونا الاقتصادية؟
إن قضية عدم المساواة في سوق العمل في كل مكان، ومع جائحة كورونا خسر الناس عملهم ومالهم، ليس فقط في الدول الفقيرة بل في كل أنحاء العالم. كما واجهوا إجراءات الإغلاق، وتعطلت سلاسل التوريد، وكان هذا مؤلما وملموسا في كل مكان. ولكن ما يسمى دول العالم الأول قادرة على التعافي بسرعة، ولديها شبكة أمان أقوى وأوسع. كما حصل الناس على تخفيضات ضريبية وحوافز ثم اللقاحات وغيرها الكثير. ولكن الألم الذي يشعر به الناس في الدول الأخرى أكبر وخاصة عندما لا تتوفر لديك أي إمكانية للحصول على كل هذه المساعدات والمحفزات. وهذا ما نلاحظه في الكثير من الدول.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وعلينا أن نستوعب، في سياق جائحة كورونا وسياق الفقر حول العالم، أنه إذا لم نتعامل معها ونعالجها في كل مكان، فإنها لن تختفي من أي مكان. ورأينا هذا مع متحور أوميكرون وقبله دلتا. وأعتقد أن الطبيعة تحاول أن تعلمنا درسا مهما. نحن نعيش في عصر العولمة. وهذه مشاكل عالمية وتحتاج حلولا عالمية. ولا يكفي أن نقول إن هذه مشكلة الآخرين. وإذا أردنا أن نخرج من هذه الأزمة علينا أن نتعامل معها كمشكلتنا جميعا، ونحتاج حلاً جمعياً.

وما هي العوامل الأخرى التي تفاقم الأزمات الإنسانية من وجهة نظرك؟
لا يمكن على سبيل المثال أن نقول إنّ الحرب في سورية أو اليمن أو غيرها لا علاقة لنا بها وإننا لا ندفع الثمن. هذا غير صحيح. فالكل يدفع الثمن ولا يهم أين تعيش. بالنسبة لي إن العالم ينظر الآن لأفغانستان، لكنه نسي الدروس في سورية. وعندما يهاجر الناس لا يحدث هذا في الغالب لأنهم يريدون ذلك، بل لأنهم مضطرون ولم يعد لديهم أي خيار آخر، إما الحروب أو الجوع أو الهجرة. وهذا ليس حلاً. ثم يذهب المهاجرون إلى دول لا تريدهم وهم لا يريدون أن يكونوا فيها أصلاً لكن لا خيار لديهم. والآن نكرر نفس الدوامة في أفغانستان.

- هناك توقعات باندلاع اضطرابات سياسية واجتماعية حول العالم في الفترة المقبلة خاصة مع زيادة أسعار الغذاء والطاقة وظهور متحورات جديدة. هل أثرت الظروف التي يمر بها العالم حالياً من جفاف وتصحر وتغيرات مناخية على إنتاج الغذاء؟ وكيف تمكن محاربة ذلك؟
قبل فترة وجيزة، وصلت أسعار الغذاء خصوصاً الحبوب، إلى أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات. آخر مرة كانت لدينا مثل هذه الأسعار المرتفعة كانت في الأعوام 2010 -2011. كما وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال السنوات السبع الأخيرة، ولكن عادت لتنخفض، إذ يلعب "أوميكرون" على هذا الجانب، وأضافت قوة الدولار إلى كل ذلك.
ولكن المهم هنا هو أن الموضوع لا يتعلق بارتفاع الأسعار فقط. وما الذي يعنيه ارتفاع الأسعار؟ قد يكون ارتفاعها جيدا أو سيئا. السؤال هو ما إذا كانت لديك القدرة الشرائية والقدرة على تحمل التكاليف وارتفاع الأسعار. إذا كان يمكنك تحمل الارتفاع في الأسعار فهذه ليست مشكلة، ولكن المشكلة عندما لا يمكنك ذلك.
يمكننا القول إن هذه مشكلة كبيرة تواجه الكثير من الناس الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء وارتفاعها. ولماذا؟ بسبب خسارتهم لعملهم والتضخم.

- وهل يعني ذلك أنّ هناك عدة عوامل وراء أزمة الغذاء العالمية؟
نعم نحن لا نتحدث عن عامل واحد، وهو ارتفاع أسعار الغذاء، بل عدد من العوامل الإضافية كانخفاض في الدخل وارتفاع نسبة التضخم. وكل هذا ليس بشكل مؤقت لشهر أو شهرين بل مستمر منذ فترة. وهذا الاستمرار بارتفاع أسعار الغذاء والنفط بسبب الخلل في سلسلة التوريد يزيد من الإشكاليات.

ولا يؤثر على الأفراد فحسب بل حتى علينا في "برنامج الأغذية العالمي". لماذا؟ لأنّنا أيضاً نشتري الطعام وأشياء أخرى لتقديمها للمحتاجين، ونعتمد كذلك على سلسلة التوريد ونواجه نفس التحديات.
في عام 2020، على الرغم من الجائحة، تمكنا من تقديم المساعدات الغذائية لـ116 مليون شخص حول العالم. وكان هذا أعلى رقم منذ تأسيسنا قبل 60 عاماً. ونحتاج لكلا الأمرين: الوصول الآمن والمال ولا يمكن الاستغناء عن أيّ منهما.

- وصفت في أحد تصريحاتك أسعار الغذاء العالية بأنّها "الصديق الجديد" للجوع. وقلت إنّ الأسعار العالية للغذاء أصبحت مكوناً إضافياً للثلاثي القاتل- التغير المناخي والنزاعات وكورونا، فهل يمكن تقديم مساعدات في دول تواجه حروباً أصلاً كسورية وأفغانستان واليمن؟
إذا أخذنا أفغانستان مثلاً هناك 23 مليون شخص من أصل قرابة أربعين مليونا يواجهون أزمة حادة وبحاجة لمساعدات. وهذا لم يبدأ مع استيلاء طالبان على الحكم وسط آب/ أغسطس، بل كان هناك قرابة 13 مليون أفغاني بحاجة لمساعدات إنسانية قبل ذلك.

لكن، عندما خرجت الولايات المتحدة (ودول غربية) وجمدت الأرصدة، وفعلت مثلها المؤسسات الدولية كالبنك الدولي فإن الأثر الفوري كان متعدداً. فجأة لم يعد ممكنا دفع مقابل الخدمات، وفقد الكثيرون عملهم وغيرها. وعلى الرغم من أن هذا حدث في الغالب في مناطق المدن، إلا أن الكثيرين يدعمون عائلاتهم وأقاربهم في الأرياف كذلك. كما أنه حدث فجأة دون سابق إنذار تقريبا.

فما الحلّ الآن؟ وعلينا أن نتذكر أن هذا يحدث في أماكن ولأشخاص لا توجد لديهم شبكة داعمة تحميهم. نحن نتحدث عن دولة فقيرة. مما أدى إلى تحول الأمر وبسرعة إلى أزمة ملحة.

ولاحظنا كذلك هبوط قيمة العملة الأفغانية مقابل الدولار إذ وصل صرف الدولار إلى 125 أفغانية (العملة المحلية) بعدما كان حوالي 70 أفعانية مقابل الدولار قبل الأزمة.
وللتذكير فإن أفغانستان كذلك تستورد الكثير وهذا يزيد من العبء. أضف إلى هذا فإن أفغانستان تواجه أزمة جفاف، واحدة من أكبر موجات الجفاف، وهناك الشتاء القاسي. إذا هي جملة من التحديات التي تواجهها البلاد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

مؤخرا لاحظنا بعض التحرك في ما يخص المساعدات الإنسانية والعقوبات، ولاحظنا أن هذا ساعد في "تعافي" العملة المحلية قليلاً إذ وصل سعر الصرف إلى 105 أفغانية.

ولكن ما هي تبعات عدم التحرك؟ عدم استقرار في المنطقة، وهذا يعني جنوب ووسط آسيا. وسيكون هناك موجات هجرة أكبر ولجوء ونزوح داخلي. ورأينا ما حدث على حدود بيلاروسيا وأزمة اللاجئين هناك. وأكثر ما يقلقني هو ما الذي تبقى عند الناس لمجابهة واقعهم؟ هل سنرى ارتفاعاً أكبر للفقر وتبعات أخرى؟
والأمر لا يختلف عنه في سورية أو اليمن. وعلينا أن نتعلم أن الفعل ورد الفعل ليس بالضرورة في نفس المكان. إذا حدث شيء ما ولم نقم بمعالجته فإن تبعاته قد تتخطى ذلك المكان. ولماذا لا نفكر بطريقة كونية على الرغم من أننا نعلم أننا غير منفصلين لا جغرافيا ولا اقتصاديا.

- بعض المشاكل في هذه المناطق لا تقتصر على قضايا الصراعات ولكن كذلك قضايا التغير المناخي. هل تعتقد أنّ الحكومات تقوم بما يجب أن تقوم به لمواجهة تلك التحديات من بينها الغذاء ونقصه؟
شخصياً لا أحب أن أسمّي ما نراه في ما يخص المناخ "التغير المناخي" بل أزمة مناخية. في واقع الحال إننا نرى تأثيرها كلّ يوم. وإذا كانت هناك حاجة ملحة لعمل شيء فإنه الآن. على سبيل المثال قمنا بدراسة في الماضي في 54 دولة من أجل أن نرى أين تبدأ وتنتهي مواسم الأمطار مبكراً أو متأخرة.

ولاحظنا أنه في حوالي 28 دولة تبدأ مواسم الأمطار متأخرة ومنها حوالي 15 تنتهي فيها مواسم الأمطار مبكرا، وفي بقية الدول لاحظنا أنها تبدأ متأخرا وتنتهي مبكرا. وتخيلي مزارعا متعودا أن يبدأ بزراعة محاصيله في مارس/آذار مثلا والآن يزرعها ولا يوجد أمطار ثم يزرعها في إبريل/نيسان ولكن الأمطار لا تأتي دائما. وتخيلي أن محاصيله التي زرعها مثلا كانت تنضج بأربعة أشهر والآن لديه ثلاثة أشهر فقط، ما الذي سيحدث لها؟ وإذا كان مزارعا فقيرا لا يوجد لديه الإمكانيات لإعادة زرعها أو الحصول على البذور الملائمة.
وهذه ليست سيناريوهات متخيلة. هذه أمور تحدث طوال الوقت. هذه تأثيرات التغير المناخي التي يعيش تحت وطأتها ملايين المزارعين الصغار حول العالم. لاحظنا أنه في العام 2020 اضطر 40 مليون شخص للنزوح داخلياً. ونزح ثلاثون مليوناً منهم بسبب أزمة المناخ وعشرة ملايين بسبب الصراعات.

- هل تقوم الحكومات التي لديها نفوذ وقوة اقتصادية وسياسية، وهي المسؤولة في الغالب عن أزمة المناخ بعمل ما يكفي؟
انظري على سبيل المثال إلى مدغشقر، الدولة الوحيدة في العالم التي تواجه المجاعة بسبب الجفاف، بقية الدول من جنوب السودان إلى اليمن وغيرها جميعها كانت الصراعات هي السبب الرئيسي. كانت مدغشقر المكان الوحيد الذي جاءت فيه المجاعة بسبب المحاصيل. ما هو حجم مساهمة مدغشقر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كدولة؟ ولماذا لا نهبّ لمساعدتها؟ لم يكن ذنبهم أن يضرب بلادهم الجفاف بسبب أزمة المناخ وتأثيرها على موقعهم الجغرافي. وهذا مثال واحد فقط. وماذا يفعلون (المسؤولون عن أزمة المناخ) من أجل مساعدتهم؟

المساهمون