طيّ مرحلة حقل ظهر... تخريب متعمد وسوء إدارة أم فقاعة كبرى؟
استمع إلى الملخص
- رغم التوقعات، تراجع إنتاج الحقل بشكل ملحوظ بحلول 2022، مع تقارير عن سوء إدارة وعدم استثمارات جديدة، وبلغ الإنتاج 1.56 مليار قدم مكعبة يومياً في ديسمبر 2024.
- تراجع الإنتاج دفع الحكومة للبحث عن مصادر غاز جديدة، مما أثار تساؤلات حول أسباب التراجع، سواء كانت سوء إدارة، ضعف استثمارات، أو تخريب متعمد.
يبدو أن صفحة حقل ظهر، عملاق الغاز كما تم وصفه في مصر لسنوات قد طويت مؤقتا على الأقل، فهل السبب هو تخريب متعمد كما زعم البعض، أم سوء إدارة وقلة ضخ استثمارات جديدة في ظل ندرة موارد النقد الأجنبي في الدولة، أم أنه كان فقاعة كبرى تم النفخ فيها من قبل الإعلام والمؤسسات الرسمية إلى أن توقفت عن الإنتاج؟
ولنبدأ القصة من أولها، ففي عام 2015 أعلنت الحكومة المصرية عن اكتشاف حقل ظهر، والذي صنفته على أنه أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة البحر المتوسط، وبعدها أعلنت شركة إيني الإيطالية عثورها على أكبر حقل غاز عملاق على مساحة 100 كيلومتر مربع وهو حقل ظهر، ضمن منطقة شروق، الواقعة على بُعد 200 كيلومتر من سواحل بورسعيد.
ومع قرب الإنتاج عدد الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية مزايا حقل ظهر العملاق قائلاً إن انتاجه الوفير سيحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وتغطية احتياجات الأسواق المحلية، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي خاصة لأوروبا، وتوفير موارد جديدة للدولة بوصول الحقل إلى ذروة إنتاجه منتصف عام 2019، كما أن الحقل سيوفر للاقتصاد المصري دخلاً مالياً بقيمة 220 مليون دولار شهريّاً، بما يعادل نحو 2.6 مليار دولار سنويّاً، ويفتح شهية شركات النفط العالمية للعمل في مصر والتنقيب عن البترول والغاز في المياه العميقة بالبحر المتوسط، مع تطوير صناعة البتروكيماويات والأسمدة، وهو ما يُعَد قيمة مضافة للاقتصاد.
وقيل وقتها إنه بحسب تقارير صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ستصل احتياطيات الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط إلى نحو 200 تريليون قدم مكعبة احتياطيّاً، وهو ما يغير خريطة اللاعبين في الطاقة بالمنطقة، وإنه مع تحقيق فائض بالإنتاج مع بدء تشعيل حقل ظهر، فإن مصر ستصدر الغاز الطبيعي للوفاء بتعاقداتها المتوقفة، وتشغيل محطات الإسالة المتوقفة التي تملك فيها الدولة نحو 40%.
وسارع الإعلام المصري إلى إطلاق ألفاظ فخيمة على حقل ظهر، منها مثلاً أنه الحقل العملاق و"كنز الغاز المصري"، وأن مصر دخلت مرحلة الحقول "الجامبو"، وأن رحلة عملاق إنتاج الغاز في مصر بدأت، وأن ظهر يعد من أكبر الاكتشافات الغازية على مستوى العالم، ومن أهم مشروعات تنمية حقول الغاز الطبيعي، وأكبر كشف غازي يقع بالبحر المتوسط، ويعتبر نقطة جذب للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة المصري.
ووصف الإعلام المحلي حقل ظهر بأنه يمثل نقطة تحول بارزة في دعم البلاد لتصدير الغاز المسال، ويعتبر من أكبر الحقول المكتشفة في البحر المتوسط، متجاوزاً حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي باحتياطي مؤكد 30 تريليون قدم مكعبة، وسيضاعف ثروة مصر من الغاز، ويفتح الباب على مصراعيه أمام إحداث طفرة في صادرات الطاقة وحصد مليارات الدولارات سنوياً، وأنه يحول مصر من مستورد صافٍ للغاز إلى دولة مكتفية ذاتياً، بل ومصدّرة عبر محطات الإسالة في إدكو ودمياط.
تم التعامل حينها مع اكتشاف حقل ظهر على أنه نقطة تحول تاريخية في ملف الطاقة المصري
ببساطة، تم التعامل حينها مع اكتشاف حقل ظهر على أنه نقطة تحول تاريخية في ملف الطاقة المصري، مع الحديث عن ضخ نحو 12 مليار دولار في المشروع، واستخدام تقنيات حفر متقدمة وتعاون دولي واسع خاصة مع عملاق النفط إيني الإيطالي، وهو ما أهل الحقل لدخول مرحلة الإنتاج في وقت قياسي وخلال عامين بدلاً من ستة أعوام، وأن الآمال المعلّقة عليه في تحويل مصر إلى نقطة تصدير إقليمية.
وبالفعل تم افتتاح الحقل في العام 2017، وتوقع المصريون حدوث طفرة في صادرات الطاقة، وتراجع ملحوظ في سعر الغاز المحلي، سواء المنزلي أو الموجه للأنشطة الصناعية والتجارية، خاصة مع الحديث عن حدوث وفرة في الإنتاج تغطي الاحتياجات المحلية، بل وتصدير كميات كبيرة، لكن ما حدث هو العكس، حيث جرت طفرات في أسعار الوقود الأزرق رغم الحديث الرسمي والإعلامي عن المزايا الاقتصادية والمالية لحقل ظهر التي قيل إنها ستعود بالرخاء على الاقتصاد والمواطن وقطاعات اقتصادية، منها الطاقة والصناعة والزراعة.
لكن عاماً بعد آخر بدأ يتلاشى الحديث عن حقل ظهر وتختفي أخباره إلا من مواد تنشرها وسائل إعلام عالمية عن تراجع مخيف في الإنتاج ناتج عن سوء إدارة وعدم ضخ استثمارات جديدة، بل وزعم البعض تعرض الحقل لعملية تخريب متعمدة، وبدأت صورة العملاق الغازي تهتزّ خلال السنوات الأخيرة، مع تراجع الإنتاج، وانخفاض الاحتياطيات بشكل غير متوقع.
وفي عام 2022 تراجع الإنتاج بصورة كبيرة، ظهرت بشكل أكبر في العام 2024، وبدأت ملامح التراجع تظهر بوضوح، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الحقل العملاق، خاصة أنه في ديسمبر/كانون الأول 2024، بلغ إنتاجه نحو 1.56 مليار قدم مكعبة يومياً. وفي يناير/كانون الثاني 2025، تراجع الإنتاج إلى 1.49 مليار قدم، وهو ما انعكس على إنتاج مصر من الغاز الذي هبط إلى أدنى مستوياته في ثماني سنوات. وفي فبراير/شباط الماضي، انخفض إنتاج مصر من الغاز إلى أقل مستوى له منذ إبريل/نيسان 2016، عند 3.35 مليارات متر مكعب (4.22 مليارات قدم مكعبة يومياً).
بات الجميع يدرك أن مرحلة حقل ظهر تم طيها بسرعة مع تراجع الإنتاج الكبير وانخفاض الاحتياطيات بشكل غير متوقع
ومع بحث الحكومة المصرية عن دول ومناشئ لاستيراد الغاز الطبيعي منها وتخصيص مليارات الدولارات من مخصصات الموازنة العامة لهذا الغرض، بات الجميع يدرك أن مرحلة حقل ظهر تم طيها بسرعة مع تراجع الإنتاج الكبير والخفوت الإعلامي وتردد شركة إيني فض ضخ استثمارات جديدة، وحديث عن مشاكل فنية.
وهذه نقطة تحتاج إلى بحث مطول للإجابة عن سؤال مهم وكبير وهو: هل كان حقل ظهر بهذه الأهمية والضخامة من حيث الإنتاج والاحتياطيات المؤكدة والاستثمارات الضخمة، وما الذي أوصله إلى تلك المرحلة، هل سوء إدارة وضعف ضخ استثمارات جديدة، أم مبالغة رسمية وإعلامية حينما تم وصف الحقل على أنه أحد المشروعات القومية الكبرى، أم تخريب متعمد لصالح مواقع إنتاج الغاز الإسرائيلية المجاورة؟