طوفان السلع الصينية يضرب مصانع "آسيان"

17 فبراير 2025
مصنع ملابس في العاصمة الإندونيسية جاكرتا (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه دول رابطة جنوب شرق آسيا تحديات بسبب زيادة الصادرات الصينية نتيجة تباطؤ الطلب في الصين والقيود الأمريكية، مما أثر سلباً على الصناعات المحلية وزاد من مخاوف فقدان الوظائف.
- اتخذت حكومات جنوب شرق آسيا إجراءات للحد من التأثير الصيني، مثل فرض قيود على التجارة الإلكترونية ورسوم على واردات الحديد والمنسوجات، لكن الواردات الصينية لا تزال في تزايد.
- تواجه الرابطة تحديات إضافية بسبب السياسات التجارية العالمية، مما يتطلب التركيز على تطوير الخدمات ذات القيمة المضافة أو التحول إلى موردين للمصنعين الصينيين.

يشكو المنتجون في دول رابطة جنوب شرق آسيا من طوفان البضائع الصينية، التي أصبحت تتدفق في ظل تباطؤ الطلب في الصين والقيود التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على السلع الصينية في إطار حربه التجارية الواسعة ضد بكين.

وفي بحثها عن محركات جديدة للنمو، ضاعفت الصين خلال الفترة الماضية جهودها في مجال التصنيع، وبات التصدير الوسيلة الرئيسية لتحقيق ذلك. وفي عام 2024، شكلت صادرات الصين الصافية ما يقرب من ثلث نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى حصة منذ عام 1997.

ومع قيام الغرب بإقامة الحواجز أمام السلع الصينية، فإنها تتدفق إلى الأسواق الناشئة بدلاً من الولايات المتحدة وأوروبا تحديداً. ففي السنوات الثلاث الماضية، قفزت قيمة الصادرات الصينية إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 24%، في حين لم تنمُ الواردات المتدفقة في الاتجاه الآخر.

ونتيجة لذلك، تضاعف الفائض التجاري للصين مع "آسيان"، حيث نمت صادرات الصين بشكل عام إلى دول الرابطة بنسبة 2% بين الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 والفترة نفسها في عام 2022، وقفزت صادرات البلاستيك على سبيل المثال إلى إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وتايلاند وفيتنام، وهي خمس دول من عشر بلدان تضمها الرابطة، بنسبة 6% والحديد والصلب بنسبة 12%.

ويشعر المنتجون في المنطقة بالقلق. ففي تايلاند، انخفض إنتاج التصنيع بنسبة 11% منذ ديسمبر/كانون الأول 2021. وفي إندونيسيا على سبيل المثال، تكثر المخاوف من تسريح أعداد كبيرة من العمال في المنسوجات كثيفة العمالة. ووفقاً لوزارة القوى العاملة في إندونيسيا، فقدت الصناعة 80 ألف وظيفة في عام 2024. وتعتقد الحكومة أن 280 ألف وظيفة في قطاع المنسوجات معرضة للخطر هذا العام.

وتتحمل الشركات الأصغر حجماً العبء الأكبر، ولكن الشركات الأكبر تترنح أيضاً. فقد أفلست شركة "سريتكس"، وهي شركة إندونيسية عملاقة مدرجة في البورصة تنتج الملابس لصالح مجموعات أزياء عالمية مثل "إتش آند إم"، وألقى مديرها المالي باللوم على "العرض الزائد للمنسوجات في الصين".

وقد بدأ الركود على نطاق أوسع. ففي المتوسط، توقف الإنتاج الصناعي في أكبر خمسة اقتصادات في جنوب شرق آسيا (باستثناء سنغافورة الغنية) عند مستويات عام 2022. والخوف هو أن هذه ليست سوى البداية. فالضغوط المستمرة من عملاق التصنيع الصيني قد تؤدي ببطء إلى إزالة الصناعة في جنوب شرق آسيا. ويقول بورين أدولواتانا كبير الاقتصاديين في بنك "كاسيكورن"، وهو بنك تجاري تايلاندي: "قاعدتنا الصناعية ليست تنافسية مثل نظيرتها في الصين.. نحن نفتقر إلى رأس المال المالي والبشري لوقف التدهور الحالي".

وبدأت حكومات جنوب شرق آسيا في اتخاذ خطوات لكبح الزحف الصيني. وذهبت إندونيسيا، بتاريخها الطويل من الحمائية، إلى أبعد مدى. فقد فرضت قيوداً على التجارة الإلكترونية، بما في ذلك حظر معظم المعاملات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" ومنع التجار الأجانب من البيع على منصات إندونيسيا عبر الإنترنت.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحركت إندونيسيا لإخراج منصة "تيمو" الصينية من متاجر التطبيقات في البلاد. وفي الأشهر الأخيرة، فرضت أيضاً رسوماً على واردات الحديد والمنسوجات، من بين منتجات أخرى. وفي الخامس من فبراير/شباط الجاري، ظهر وزير التجارة بودي سانتوسو في مؤتمر صحافي محاطاً بحراس مسلحين، حيث عرض أكواماً من الملابس الصينية غير القانونية التي يُزعم أنها صُنعت في الصين وتم ضبطها من المهربين.

لكن هذا الاستعراض ربما يكون خادعاً وفق تقرير المجلة البريطانية. فحتى في أشد البلدان تقييداً للتجارة، تستمر الواردات الصينية في النمو. ففي إندونيسيا وتايلاند، تظهر أحدث ستة أشهر من البيانات ارتفاعاً بنسبة 25% و20% على التوالي، مقارنة بالعام السابق. وتظل رابطة دول جنوب شرق آسيا منفتحة بشكل ملحوظ على السلع الصينية، خاصة بفضل اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمت في عام 2002 مع الصين.

ومنذ بداية عام 2021، فرضت رابطة دول جنوب شرق آسيا 104 قيوداً تجارية جديدة على السلع الصينية، بما في ذلك التعرفات الجمركية والإعانات للتعويض عن المنافسة على الواردات، وفقاً لـ"سيمون إيفينيت" من منظمة غلوبال تريد أليرت، وهي منظمة تراقب السياسة التجارية. لكن استجابة رابطة دول جنوب شرق آسيا تبدو هزيلة عند مقارنتها ببقية العالم.

فخلال الفترة نفسها، فرضت الدول الآسيوية بخلاف تلك الموجودة في رابطة دول جنوب شرق آسيا 670 قيداً جديداً على الواردات من الصين؛ وفي بقية العالم خارج آسيا، كان العدد 2716. ونتيجة لهذا، انخفضت حصة رابطة دول جنوب شرق آسيا من القيود التجارية الجديدة لمدة عقد من الزمان.

وتلوح في الأفق المزيد من الاضطرابات. وإذا صعد ترامب الرسوم الجمركية على الاقتصادات المصدرة مثل دول رابطة دول جنوب شرق آسيا، فقد يجد التكتل نفسه محاصراً بين الولايات المتحدة التي ترفض بضائعها والصين التي تحل محل العديد من منتجيها، الأمر الذي يتركه محروماً من مكانة اقتصادية واضحة. ويقول جون لي من شركة "إيست - ويست فيوتشرز" الاستشارية في برلين، إن "شركات المنطقة لا بد أن تركز بشكل أكبر على الخدمات ذات القيمة المضافة الأعلى، أو تتحول إلى الموردين للمصنعين الصينيين، ولكن يبدو من غير المرجح أن يحدث هذا قريباً".

المساهمون