ضغوط أميركية على الرياض وأبوظبي لكبح أسعار النفط

ضغوط أميركية على الرياض وأبوظبي لزيادة الانتاج النفطي

10 مارس 2022
بايدن يعلن حظر بلاده واردات النفط الروسي (getty)
+ الخط -

بينما ارتفعت أسعار النفط إلى 130 دولاراً لخام برنت قبل أن تتراجع في جلسة الأربعاء، تواصل أسعار الوقود الارتفاع ويتواصل الضغط على معدل التضخم الأميركي والدول الصناعية الكبرى، وبالتالي تهديد دورة الاقتصاد الغربي بأكملها.

وسط هذه المعادلة الصعبة التي تسعى فيها واشنطن التي تقود التحالف الغربي لعزل الاقتصاد الروسي كلياً، بما في ذلك صادرات الطاقة عن الأسواق العالمية، يبحث الرئيس الأميركي جو بايدن عن مساعدة دول الخليج الأعضاء في أوبك، خاصة تحالف الرياض وأبوظبي الذي يقود عملياً "أوبك" لتعويض النفط الروسي، لكن حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن الدولتين ترفضان الرد على بايدن، وهو ما أثار السؤال لدى محللين عما إذا باتت أوبك بعد تحالفها مع روسيا ضمن منظومة "أوبك+" تتجه شرقاً وليس غرباً كما كان في السابق؟
ووفق تقرير "وول ستريت جورنال"، الذي نشر الأربعاء، فإن التوتر عاد مجدداً للعلاقات بين واشنطن وتحالف الرياض أبوظبي الذي يهيمن فعلياً على قرارات "أوبك"، وهذا هو الرفض الثاني لطلب بايدن بضخ مزيد من النفط لخفض الأسعار، كما هي المرة الثانية التي تضطر فيها واشنطن وحلفاؤها في أوروبا وآسيا للضخ من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لخفض الأسعار، وبالتالي خفض التضخم الذي يهدد الاقتصاد الغربي.
وحسب "وول ستريت جورنال" رفض كلّ من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الرد على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن بزيادة إنتاج النفط حتى يتمكن من الضغط على روسيا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إن ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي رفضا طلبات الولايات المتحدة للتحدث إلى بايدن، إذ أصبح المسؤولون السعوديون والإماراتيون أكثر صراحة في الأسابيع الأخيرة في انتقادهم السياسة الأميركية في الخليج. وتقول الصحيفة بحسب مسؤول أميركي إنه كانت هناك توقعات بمكالمة هاتفية بين بن سلمان وبايدن، لكنها لم تحدث. وأشار المسؤول، حسب الصحيفة، إلى أن المكالمة كانت ستتم من أجل رفع إنتاج النفط.

وهذا الرفض المتكرر يطرح السؤال حول ما إذا كان تحالف الرياض وأبوظبي يراهن على نجاح روسيا في الحرب على أوكرانيا وبروز نظام "دولي جديد" تكون الهيمنة فيه لتقارب بكين ـ موسكو على حساب الولايات المتحدة، وبالتالي تستغنيان عن تحالفهما مع واشنطن، كما يثار السؤال حول ما إذا كانت المنظمة البترولية تملك فعلاً طاقة فائضة تكفي لتغطية النفط الروسي في حال حظره كاملاً؟

من الناحية الجيوسياسية من الصعب الرهان على مستقبل لمن ستكون الغلبة في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وسط إصرار كلٍّ من الفريقين على الانتصار، لكن على صعيد الطاقة الفائضة لدى المنتجين في "أوبك" وخارجها لا يبدو أن هنالك الكثير من الطاقة الفائضة التي يملكها تحالف الرياض وأبوظبي أو حتى دول " أوبك+"، حسب تقارير مؤسسات بحثية ومصارف متخصصة في الطاقة. لكن من جانبها ترى وكالة الطاقة الدولية أن تحالف "أوبك+" كان بإمكانه ضخ المزيد من النفط في السوق وليس التوقف لدى زيادة 400 ألف برميل يومياً في اجتماعها الأسبوع الماضي. وقال الفاتح بيرول مدير وكالة الطاقة الدولية إن القرار الذي اتخذته "أوبك+" بالتمسك بخطتها لزيادة 400 ألف برميل يومياً في حصة إنتاج الخام الجماعي لشهر إبريل/ نيسان كان "مخيّباً للآمال".
في شأن ما تملكه أوبك من فائض إنتاجي، يرى مصرف "جي بي مورغان" أن الطاقة الفائضة لدى "أوبك" تراجعت من مستوياتها البالغة 3.24 ملايين برميل يومياً قبل جائحة كورونا في عام 2020 وأنها بلغت نحو 13% من إجمالي إنتاجها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي البالغ 28.19 مليون برميل يومياً. وبحسب تقرير للمصرف فإن الطاقة الفائضة ربما تكون تراجعت خلال الشهر الماضي بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط وحاجة كل من السعودية والإمارات لاستغلال فرصة الأسعار وزيادة مداخيلها وتغطية العجز في الميزانية.
من ناحيته يرى خبير الطاقة في شركة "إنيرجي سبيكت" أمريتا سين أن هنالك دولاً قليلة من أعضاء "أوبك" البالغ عددها 13 دولة لديها طاقة فائضة في هذا الوقت الذي تتسابق فيه الدول المنتجة لزيادة المبيعات النفطية وحصد أكبر قدر من الدولارات. ومن بين التي لديها فوائض، بحسب سين، السعودية والإمارات والكويت والعراق إضافة إلى أذربيجان.
من جانبها ترى نشرة "أويل برايس" أن الدول المنتجة للنفط خارج "أوبك" لديها معدل استهلاك عالٍ من النفط وقدرة محدودة للتصدير. وبالتالي لا يمكن التعويل عليها في زيادة الإنتاج.
على صعيد احتمال حظر النفط الروسي، حتى الآن يستبعد أن يطاول الحظر الغربي المتنامي لعزل روسيا اقتصادياً ومالياً صادرات الطاقة، وذلك لأن العالم لا يملك موارد نفطية فائضة، لا لدى أوبك أو الدول المنتجة خارجها لتغطية الإنتاج، ويبدو أن الاحتمال الوحيد هو التوصل لاتفاق حول النووي الإيراني أو  السماح لطهران بضخ مزيد من الخامات الإيرانية الجاهزة في السوق، وهو ما قد لا توافق عليه واشنطن أو إسرائيل حتى الآن.
وحتى ما يدور من حديث حول فك الحظر على النفط الفنزويلي، فإنه لن يحل أزمة الطاقة، وذلك لأن تجهيز الآبار النفطية الفنزويلية للإنتاج سوف يأخذ شهوراً عديدة.

وعلى الرغم من أن الخامات النفطية الروسية ومشتقاتها غير محظورة، عدا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن الشركات وتجار النفط يرفضون التعاقد على الخامات والمشتقات الروسية خوفاً من الخسائر، رغم ما تمنحه شركات النفط الروسية من حسومات سعرية.
كما أن المصارف التجارية ترفض هي الأخرى تمويل الشحنات الروسية من السلع، ومن بينها النفط، بحسب نشرة "أنيرجي إنتيليجنس" الأميركية. وبسبب الرفض التجاري، فإن "أنيرجي إنتيليجنس" تقدّر أن صادرات النفط الروسية ومشتقاتها تراجعت بنحو 2.5 مليون برميل يومياً خلال الأسبوع الجاري. وتصدر روسيا عادة كميات من الخامات والمشتقات النفطية تقدر في المتوسط بنحو 7.5 ملايين برميل يومياً، من بينها 4.7 ملايين برميل من الخامات أغلبها من نوعية خام الأورال الذي تستخدمه بكثافة مصافي النفط في أوروبا ونحو 2.8 مليون برميل من المشتقات النفطية.
ولا يبدو أن حظر النفط الروسي من قبل الولايات المتحدة مؤثراً على روسيا، إذ لا تستورد أميركا من روسيا سوى نسبة 8.0% من إجمالي استهلاكها المقدر بنحو 20 مليون برميل يومياً، حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. لكن المخاوف من الحظر النفطي هي تأثيره الكبير على حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، إذ تصدّر روسيا نحو 4.3 ملايين برميل من إجمالي صادراتها البالغة 7.5 ملايين برميل يومياً إلى هذه الدول، حسب بيانات شركة "رايستاد أنيرجي". ومن بين الخيارات الأخرى لتعويض النفط الروسي أن تطلب الولايات المتحدة من الدول الخليجية الأعضاء في "أوبك" تحويل صادراتهم النفطية من الصين إلى دول أوروبا.
في هذا الصدد، قال المحلل الاقتصادي الر وسي ألكسندر نازاروف إن تحويل الصادرات الخليجية من آسيا إلى أوروبا ربما يسبب أزمة حادة في الهند والصين ودول آسيوية أخرى. وربما تكون روسيا التي تواجه أزمة مالية حادة ترمي من خلال هذا الطرح إلى أن ترفع حصتها من الصادرات النفطية للسوق الصيني على حساب دول الخليج، خاصة أن روسيا ستواجه أزمة أسواق لخاماتها في المستقبل.

المساهمون