استمع إلى الملخص
- تواجه الحكومة ضغوطًا لإعادة النظر في الرسوم الجمركية الجديدة، خاصة بعد الاعتراضات الشعبية وارتفاع الأسعار، حيث شملت الزيادات سلعًا أساسية مثل المحروقات ومواد البناء.
- أثرت القرارات الجمركية سلبًا على التجار والمستهلكين، مما أدى إلى ركود الأسواق وزيادة الأعباء على الفقراء، مع دعوات لوضع خطط لزيادة الدخل وتشجيع الإنتاج المحلي.
لم يعد الشارع السوري على الهامش كما كان في عهد رئيس نظام بشار الأسد المخلوع، بل رفع صوته ليبدي استياءه من قرار الحكومة المؤقتة برفع الرسوم الجمركية. وتشهد مختلف محافظات سورية استياء شعبياً رافضاً لسلسلة القرارات الجمركية الجديدة التي صدرت، أول من أمس، عن حكومة دمشق، والتي ساهمت في ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية في الوقت الذي ما يزال فيه السواد الأعظم من المدنيين يعيشون تحت خط الفقر.
وفي هذا السياق، قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أمس، إن الحكومة السورية المؤقتة قد تعيد النظر بنشرة الرسوم الجمركية التي أصدرتها السبت، بعد الاعتراضات الشعبية وارتفاع الأسعار بمدن شمال غربي سورية. وأضافت المصادر أن التعديل قد يطاول تخفيض بعض الرسوم أو إلغاء البعض الآخر، خاصة المتعلقة بالمحروقات والسلع الاستهلاكية ومواد البناء التي ارتفعت الرسوم عليها وفق النشرة الجديدة، بين 100 و500%.
وأكد عدد من التجار السوريين المستوردين لـ"العربي الجديد"، أن التعرفة الجمركية الجديدة التي فرضتها الحكومة المؤقتة، أول من أمس السبت، تضمنت زيادة بنسبة 300 إلى 500% في الرسوم على بعض البضائع المستوردة من خلال معابر الشمال السوري والمتمثلة بمعبر باب الهوى شمالي إدلب، ومعبر باب السلامة ومعبر الراعي شمالي حلب. وفي المقابل، خُفضَت الرسوم الجمركية على جزء قليل من السلع غير الرئيسية من خلال المعابر التي كان يُسيطر عليها النظام السوري سابقاً، وأشارت المصادر إلى أن عدداً كبيراً من التجار قرروا حالياً وقف عمليات الاستيراد، واصفين هذه الزيادة بـ"الجنونية والمفاجئة".
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش، أن نشرة الرسوم الجمركية الموحدة تم إصدارها لتسري على جميع الأمانات الجمركية في المنافذ البرية والبحرية والمطارات، لأهداف تتعلق بحماية المنتج المحلي وتشجيع الزراعة والصناعة المحلية، يرى آخرون أنه قرار غير مدروس وغير مسؤول وخاصة في وقت ما يزال فيه الشعب السوري غارقاً بالفقر وقلة مصادر الدخل.
غضب في إدلب
قال أحمد الراعي وهو نازح مقيم في مخيمات الكمونة شمال إدلب وعامل مياومة وأب لخمسة أطفال إن هذا القرار "يسهم في زيادة خنقنا، إذ لم نعد قادرين على شراء الأساسيات، أسعار المواد الغذائية حلقت خلال لحظات، حتى المحروقات ومواد التدفئة بات الحصول عليها تعجيزياً. كيف يمكننا تحمل هذه التكاليف وقد أصبحت الحياة كابوساً حقيقياً؟".
وأضاف أنه يعمل منذ ساعات الصباح حتى الليل ليتمكن من تأمين بعض الطعام لعياله وهو الذي بالكاد كان يستطيع تأمينها، ولكن بعد القرارات الجمركية، ارتفعت أسعار كل شيء، بينما لم يطرأ أي تحسن على أُجرته التي لا تتجاوز 150 ليرة تركية في اليوم ما جعله في حيرة من أمره بكيفية تدبير سبل المعيشة إذا بقي الوضع على ما هو عليه.
أما سلوى العلي، أرملة تعتمد على مساعدات أقاربها، فتقول إنها ذهبت إلى السوق لإحضار الطعام لأبنائها، لكنها عادت خالية الوفاض بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار، السكر والزيت والبيض ومنتجات الألبان كلها تضاعفت أسعارها، بينما لا تملك من المال ما يكفي لشراء أي شيء بعد اليوم. وتتساءل هل المسؤولون عن هذه القرارات يعلمون حقاً أوضاع الناس المادية المتدهورة، وأنهم ما زالوا يواجهون ظروفاً معيشية قاسية في بلد مزقته الحرب ولا يعيشون في أوروبا؟ وتتابع: "هل يريدون أن نموت جوعاً، فحتى الغذاء أصبح حلماً".
تأثيرات زيادة الجمارك على التجار
لم تؤثر القرارات الجمركية الجديدة على المدنيين فحسب، وإنما على التجار أيضاً وقال محمد الكنجو (صاحب محل تجاري) إن الإقبال على شراء المواد الغذائية كان بالأصل ضعيفاً بسبب ضعف القدرة الشرائية للكثير من الناس، فكيف هو الحال بعد الغلاء الحالي؟ لا شك أننا سنواجه ركوداً جديداً في الأسواق.
وأشار إلى أن القرارات الجمركية الجديدة "تطالبنا بدفع ضريبة كبيرة على كل الشحنة، والنتيجة هي أننا سنرفع الأسعار، والمتضرر الأكبر هو الفئات الفقيرة التي لا تجد قوت يومها، ومن هنا قررت التوقف عن عمليات البيع والشراء إلى حين إعادة النظر في تلك القرارات المجحفة".
من جانبه، انتقد المحلل الاقتصادي، منير حمدان، القرارات الجمركية الجديدة، وقال إنها جاءت في توقيت غير مناسب مطلقاً، خاصة أن المنطقة تعاني أصلاً أزمة اقتصادية خانقة، بينما تفرض هذه القرارات رسوماً إضافية من شأنها زيادة الأعباء على جميع المدنيين دون استثناء، وبدلاً من ذلك كان يجب أن تكون هناك خطط لزيادة الدخل، مثل تشجيع الإنتاج المحلي عبر دعم الزراعة، وتشغيل المصانع وإمدادها بالمواد الأولية والأيدي العاملة والخبراء لاستبدال الاعتماد على الاستيراد.
ولفت إلى وجود أعداد كبيرة من الناس ما يزالون في مخيمات النزوح يواجهون ظروفاً معيشية قاسية، ومنهم الأرامل والمعوقون وفاقدو المعيل، دون مساعدات إنسانية أو فرص عمل، وطالب الحكومة الجديدة بأن تأخذ أوضاع هؤلاء بعين الاعتبار قبل اتخاذ قرارات كهذه التي من شأنها زيادة الأوضاع سوءاً وإجبار الكثيرين على الاتجاه نحو السلب والنهب والسرقات.
وبين تبريرات السلطات ومعاناة المدنيين، حذر حمدان من الاحتقان الشعبي إذا لم تتخذ خطوات واسعة نحو تنمية اقتصادية اجتماعية، إذ ينتظر الأهالي من الحكومة الجديدة حلولاً حقيقية تنهي هذه المأساة وتعيد الحياة للأسواق، وتعوض الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواطنين على مدى سنوات حرب عجاف.