صندوق النقد يخفض توقعات النمو بالجملة حول العالم بتأثير من الرسوم الجمركية والاضطرابات الجيوسياسية
استمع إلى الملخص
- توقعات النمو في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى انخفضت إلى 3% لعام 2025 بسبب تحديات مثل انخفاض أسعار النفط وضعف الطلب العالمي، مع تأثر السعودية بانخفاض الإيرادات النفطية، بينما تظل دول الخليج معزولة نسبياً بفضل احتياطياتها وجهود التنويع.
- توقعات النمو لأمريكا الشمالية والصين ومنطقة اليورو شهدت انخفاضاً، حيث توقع الصندوق نمواً بنسبة 1.8% للاقتصاد الأمريكي و1.4% للكندي، و4% للصين، و0.8% لمنطقة اليورو، متأثرة بالرسوم الجمركية والتوترات التجارية.
خفض صندوق النقد توقعات النمو بالجملة بتأثير من تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد والاضطرابات الجيوسياسية، وذلك مع انطلاق اجتماعات الربيع التي يعقدها الصندوق والبنك الدولي سنوياً في مثل هذا الوقت من السنة. فماذا في التفاصيل؟
لقد توقع الصندوق اليوم الثلاثاء، أن يكون للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإجراءات المضادة التي اتخذتها دول أخرى، تأثير شديد على النشاط الاقتصادي العالمي هذا العام. واعتمدت المؤسسة التي تتخذ مقرا لها في واشنطن مقاربة حذرة، إذ تحدثت في تقرير لها عن "توقعات مرجعية" بدلا من توقعاتها "الأساسية" المعتادة، وذلك بسبب "تعقيد المرحلة الراهنة وسرعة تبدّلها".
وفي إشارة إلى صعوبة الوضع الراهن، أوضح صندوق النقد الدولي أنه أخذ في الاعتبار التغييرات في الرسوم الجمركية حتى الرابع من إبريل/نيسان، من دون أن يشمل ذلك بالضرورة التدابير المتبادلة بين بكين وواشنطن. وفي هذا الإطار، توقع الصندوق أن يصل النمو العالمي إلى 2.8% هذا العام، ما يمثل تخفيضاً قدره 0.5 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة المعلنة في يناير/كانون الثاني الفائت.
وفي مؤتمر صحافي بواشنطن، قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيار أوليفييه غورينشا: "ندخل مرحلة يُعاد فيها ضبط النظام الاقتصادي العالمي كما نعرفه منذ 80 عاماً. لكن إلى جانب الزيادة الهائلة في الرسوم الجمركية، يُلقي عدم اليقين بثقله على الاقتصاد، وإذا استمر الوضع على حاله، فسيؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو العالمي".
وفي إشارة إلى التأثير الكبير للرسوم الإضافية على التجارة العالمية، بات صندوق النقد الدولي يتوقع نموا بنسبة 1.7% فقط في معدل التجارة في السلع والخدمات هذا العام، في حين كان النمو المتوقع 3.2% قبل ثلاثة أشهر فقط. وبينما من المتوقع أن "يتجنب الاقتصاد العالمي الركود" في المستقبل القريب، فإن تأثير الرسوم الجمركية سيكون "سلبيا في كل المناطق هذا العام والعام المقبل"، وفق غورينشاس.
ومع ذلك، فقد ازداد خطر الركود بشكل حاد، سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي أو للولايات المتحدة خصوصا. ورغم ذلك، يستبعد صندوق النقد حالياً حدوث هذا الأمر بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم، "لأنه كان (حتى الآن) في وضع قوي: فالاقتصاد يواصل نموه، وسوق العمل لا تزال قوية. كنا نشهد في الأصل تباطؤا قبل فرض الرسوم الجمركية، لكن هذا التباطؤ لا يمثّل سوى 0.4 نقطة مئوية"، بحسب غورينشاس.
الشرق الأوسط في تقرير صندوق النقد
وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2025 للشرق الأوسط ووسط آسيا إلى 3% نزولاً من 3.6% في توقعات يناير/كانون الثاني.
كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية لعام 2025 وحذر من مصاعب تلوح في الأفق بالنسبة للشرق الأوسط وآسيا الوسطى تشمل زيادة تدريجية أبطأ من المتوقع في إنتاج النفط.
ورداً على سؤال "العربي الجديد"، قال غورينشا إن التوقعات بانخفاض أسعار النفط ناتجة في الغالب من ضعف الطلب العالمي، وأن الدولة المصدرة للنفط في الشرق الأوسط ستواجه انخفاضاً في إيرادات التصدير بسبب انخفاض السعر بما سيؤثر سلباً على توقعاتهم المالية ومعدل النمو. وبالنسبة للدول المستوردة للنفط، أوضح أن انخفاض أسعار النفط سيخفف الضغوط عليها.
وتتعرض الحكومات المعتمدة على النفط لضغوط بسبب تراجع أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها منذ جائحة كوفيد-19، ويستعد المسؤولون هناك لمواجهة انخفاض الإيرادات بسياسات منها إصدار المزيد من الديون وخفض الإنفاق.
وفي ما يخص الدول المستوردة للنفط، توقع الصندوق أن يسجل الاقتصاد المصري نمواً نسبته 3.8 خلال العام المالي الحالي، و4.3% العام المقبل، والاقتصاد الأردني 2.6% هذا العام و2.9% العام المقبل، والسودان 0.4% مقابل سالب 23.4% العام الماضي و8.8% العام المقبل، والمغرب 3.9% العام الحالي و3.7% في 2026 وتونس 1.4% للعامين الحالي والمقبل.
أما الدول المصدرة للنفط، فتوقع الصندوق أن يسجل معدل نمو الاقتصاد في قطر 2.4% هذا العام و5.6% في 2026، والسعودية 3% هذا العام و3.7% العام المقبل، والإمارات 4% هذا العام و5 في 2026، والكويت 1.9% هذا العام و3.1% العام المقبل، وعُمان 2.3% هذا العام و3.6% العام المقبل والبحرين 2.8% هذا العام و3% العام المقبل.
أسعار السلع الأساسية
وتوقع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن تنخفض أسعار سلع الوقود 7.9% عام 2025، مع انخفاض أسعار النفط 15.5%، وانخفاض أسعار الفحم 15.8%، يقابله ارتفاع بنسبة 22.8% في أسعار الغاز الطبيعي، مرجعاً سبب الارتفاع لبرودة الطقس وتوقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا منذ الأول من يناير الفائت. كما من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع الأساسية غير الوقود بنسبة 4.4% عام 2025.
وفي تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي، خفّض الصندوق توقعاته للنمو في السعودية هذا العام إلى 3% مقارنة مع 3.3% في يناير/ كانون الثاني. كما خفض الصندوق توقعاته للنمو في 2026 بمقدار 0.4 نقطة مئوية إلى 3.7%. وخفض الصندوق توقعات النمو في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى 3% هذا العام من 3.6% سابقا.
وذكر التقرير أنه "مقارنة بتوقعات يناير، خفض (الصندوق) توقعاته ليعكس استئناف زيادة إنتاج النفط تدريجيا واستمرار تداعيات الصراعات والتقدم بوتيرة أبطأ من المتوقع في ما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية". والسعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم وإحدى دول مجموعة العشرين، كان من المتوقع أن تشهد تعافيا ناجما عن نمو حاد في عام 2025 بسبب زيادة إنتاج النفط الخام.
وتوقع استطلاع أجرته رويترز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نموا 4.4%. لكن تقلبات السوق وانخفاض أسعار النفط وتزايد المخاطر العالمية تُنذر الآن بتأثير سلبي على التعافي، حتى مع سعي المملكة لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط.
ويقول خبراء اقتصاد إن دول الخليج المصدرة للنفط لا يزال يُنظر إليها على أنها معزولة نسبيا عن تقلبات سوق النفط بفضل ارتفاع الاحتياطيات وانخفاض الديون وجهود التنويع الجارية. ورفعت وكالة ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل للسعودية إلى "إيه+" (A+) في مارس/آذار، مشيرة إلى قوة المؤسسات والنمو القوي في القطاع غير النفطي في ظل رؤية 2030، لكنها حذرت من أن تراجع الإيرادات النفطية من شأنه أن يزيد العجز المالي ويؤخر مشروعات بنية تحتية كبرى أو يقلصها.
أميركا الشمالية في توقعات صندوق النقد
بالنسبة لأميركا الشمالية، أجرى صندوق النقد الدولي مراجعة للتوقعات الخاصة باقتصاد الدول الثلاث مقارنة بتوقعات يناير. وتوقعت المؤسسة الاقتصادية أن ينمو النشاط في الولايات المتحدة بنسبة 1.8% هذا العام، ما يمثل انخفاضاً بمقدار 0.9 نقطة مقارنة بتقديراتها السابقة، في حين توقعت أن ينمو الاقتصاد الكندي بنسبة 1.4% (بتراجع 0.6 نقطة مئوية).
وقد تسجل المكسيك لتي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الصادرات إلى جارتها الأميركية، ركودا مع نقلص بنسبة 0.3% (بتراجع 1.7 نقطة).
ومع استهدافها على نحو خاص بالرسوم الجمركية الأميركية، ولا سيما منذ زيادتها إلى 145%، بالإضافة إلى الضرائب القائمة في الأساس قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد تشهد الصين أضعف نمو لها منذ عام 1990، عند حدود 4% فقط. ويشكل ذلك تخفيضا كبيراً في التوقعات.
اليابان ومنطقة اليورو
وشهدت اليابان، وهي شريك تجاري رئيسي آخر للولايات المتحدة، تخفيضاً في توقعات نموها بنحو 0.5 نقطة مئوية، لتصل بالكاد إلى 0.6% هذا العام، في حين كان الأرخبيل الآسيوي يأمل في تسجيل انتعاش اقتصادي أكبر في بداية العام.
لكن التغيرات في توقعات الصندوق كانت أقل حدة لمنطقة اليورو، مع تخفيض لم يتخط 0.3 نقطة مئوية، وسط توقعات بأن تشهد ألمانيا عاما آخر بلا نمو قبل التعافي المؤجل إلى عام 2026 على أقرب تقدير. أما بالنسبة لفرنسا، فمن المتوقع حاليا أن يبلغ النمو هذا العام 0.6%، وهو مستوى أقل من توقعات بنك فرنسا المركزي أو الحكومة (0.7%).
وقال غورينشا إن "الرسوم الجمركية من شأنها أن تضعف التعافي الاقتصادي المتواضع في منطقة اليورو، على الرغم من زيادة الإنفاق العام في بعض البلدان مثل ألمانيا"، مضيفا: "المزيد من الإنفاق على البنية التحتية من شأنه أن يساعد في تسريع النمو".
والاستثناء الوحيد هو إسبانيا التي شهدت أفضل نمو في المنطقة على مدى العامين الماضيين، وجرى تعديل توقعاتها برفعها إلى 2.5%، وهو المستوى الأعلى بين اقتصادات البلدان المتقدمة.
اقتصاد الصين
خفض صندوق النقد الدولي الثلاثاء توقعاته لنمو اقتصاد الصين هذا العام إلى 4%، في نسبة أدنى بكثير من الهدف الرسمي الذي حددته بكين وسط تصاعد الصراع التجاري مع واشنطن. وتخوض القوتان الرئيسيتان في العالم مواجهة تجارية غير مؤكدة النتائج، بدأت عندما تولى الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة.
وفرضت واشنطن رسوما جمركية بنسبة 145% على معظم المنتجات الصينية، وتصل إلى 245% في بعض الحالات، كالسيارات الكهربائية على سبيل المثال. وردت بكين بفرض رسوم جمركية بنسبة 125% على المنتجات الأميركية، وقالت إنها ستستمر في المواجهة "حتى النهاية".
وإزاء هذا السياق "الضبابي" بصورة متزايدة، بات صندوق النقد الدولي يتوقع نموا في إجمالي الناتج المحلي للصين بنسبة 4% في عام 2025. ويعكس هذا التوقع الجديد الذي نُشر ضمن أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي، انخفاضا حادا بالمقارنة مع التوقعات التي أعلن عنها الصندوق في يناير/كانون الثاني وبلغت 4.6%.
وقد تأثرت الصين "بشكل غير متناسب" بالتعرفات الجمركية الجديدة، فيما لم تسلك ثقة المستهلك الصيني طريق "التعافي" منذ انخفاضها في أوائل عام 2022، وفق تقرير صندوق النقد الدولي. ويؤدي هذا التعديل إلى توسيع الفجوة مع هدف النمو الطموح البالغ نحو 5% والذي حددته الحكومة الصينية لعام 2025 وأكده أخيرا القادة السياسيون.
ومنذ سنوات، تواجه الصين انخفاض الاستهلاك المحلي ومديونية مفرطة لسلطاتها المحلية الذي يرتبط خصوصا بالأزمة المزمنة في قطاع العقارات. وقد أدت هذه الصعوبات الداخلية إلى إبعاد العملاق الآسيوي بشكل نهائي عن معدلات النمو القوية التي سجلتها البلاد حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
لكن حتى الآن، كان يتم تعويض هذه الزيادة من خلال حيوية الصادرات الصينية التي وصلت إلى حجم قياسي في العام الماضي. غير أن هذه الركيزة الأساسية تتعرض للتهديد حاليا بسبب تصاعد التوترات التجارية مع واشنطن التي تعتزم معالجة عجزها التجاري مع الصين.
ونتيجة لهذه "الضبابية المطولة"، راجع صندوق النقد الدولي أيضا توقعاته للنمو الصيني في عام 2026 الثلاثاء، إذ خفضها إلى 4% مقارنة بـ4.5% في التوقعات السابقة. وقد تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين توقعات المحللين في الربع الأول من العام، إذ ارتفع بنسبة 5.4% على أساس سنوي.
إلا أن خبراء الاقتصاد عزوا هذا الأداء إلى تسارع عمليات التسليم قبل دخول الرسوم الجمركية الأميركية حيز التنفيذ، محذرين من تبدلات كبيرة في الأشهر المقبلة.
منطقة اليورو
كذلك خفض صندوق النقد توقعاته للنمو في منطقة اليورو إلى 0.8% هذا العام، بتراجع من 0.2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته الأخيرة في يناير، نتيجة الزيادات على الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وخفض الصندوق توقعاته للاقتصادات الكبرى في منطقة اليورو، إذ بات يتوقع نموا معدوما في ألمانيا، و0.6% في فرنسا، و0.4% في إيطاليا، بانخفاض يتراوح بين 0.2 و0.3 نقطة مقارنة بتقديرات صندوق النقد الدولي في يناير.
صندوق النقد وتوقعات التضخم.. الرسوم عبء على العالم
ومن بين العواقب الأخرى للرسوم الجمركية، من المتوقع أن يصل التضخم في الاقتصادات المتطورة إلى 2.5% هذا العام، مع رفع التوقعات أيضا. ويعود ذلك أساسا إلى الولايات المتحدة، حيث قد يظل التضخم عند نسبة تناهز 3%.
وفي مقابلة مع فرانس برس، رأى بيار أوليفييه غورينشا أن الغموض الناجم عن السياسة التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمثل "عبئا كبيرا على الاقتصاد العالمي" ويجب تبديده "في أسرع وقت من أجل مصلحة الجميع".
وأكد خلال المقابلة على هامش اجتماعات الربيع للمؤسسة المالية التي تنظم في العاصمة الأميركية أن "الرسوم الجمركية تؤثر" على النمو العالمي لكن "الغموض حول ما يمكن أن تكون السياسة التجارية مستقبلاً، بعد أسبوع أو شهر أو ستة أشهر، يؤثر بشكل كبير أيضاً".
وحدّث صندوق النقد الدولي الثلاثاء توقعاته للاقتصاد الدولي مع مراجعات كبيرة للنمو العالمي وغالبية الاقتصادات، تحت تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي وردود الشركاء التجاريين. وإلى جانب الحد الأدنى من الرسوم البالغة نسبتها 10% على معظم المنتجات التي تدخل الولايات المتحدة، فرض ترامب رسوما بنسبة 145% على المنتجات الآتية من الصين، بما يتجاوز الرسوم المعمول بها قبل توليه ولايته و25% على قطاعات مختلفة من النشاطات التي تعتبر ضرورية للأمن القومي.
وأضاف غورينشا: "إذا كنتم شركة متعددة الجنسيات اليوم تجهلون من أين تحصلون على المواد اللازمة وفي أي أسواق ستتطورون، كل الأمور مبهمة. تحقيق الاستقرار والوضوح والتوقع في النظام التجاري له أهمية قصوى" خصوصا أن التباطؤ الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى توترات داخلية "لا سيما في البلدان التي لديها هامش مناورة محدود في الموازنة".