صناعات الأسلحة الألمانية تزدهر ... استحواذ على مواقع إنتاج وتحويلها لمرافق صناعات عسكرية

02 مارس 2025
مصانع الأسلحة الألمانية/ 12فبراير2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد شركات الأسلحة الألمانية، مثل "راينميتال" و"كاي إن دي إس"، توسعًا سريعًا في الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد على المعدات العسكرية، مدفوعة بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي لدعم أوكرانيا ومواجهة الضغوط الأمريكية.
- تسعى هذه الشركات لتحويل مرافق الإنتاج المدنية إلى صناعات عسكرية، مستقطبة موظفين من قطاعات أخرى مثل صناعة السيارات، مما يعزز فرص العمل في قطاع الصناعات العسكرية.
- من المتوقع أن يعزز الإنفاق الدفاعي الاقتصاد الألماني بخلق حوالي 100 ألف فرصة عمل جديدة، مع زيادة الإنفاق العسكري إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس التغيرات الأمنية في أوروبا.

تعيش شركات صناعة الأسلحة الألمانية حالة من الازدهار مع تزايد الطلبات الإضافية على التسلح، الأمر الذي اضطرها إلى توسيع قدراتها الإنتاجية بشكل أسرع من المخطط له. ويأتي ذلك بعدما باتت هناك قناعة أوروبية بأن أمن أوروبا يتطلب إنفاقًا عسكريًا أكبر، سواء لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا أولًا، أو تحضيرًا لمواجهة التحديات والضغوط الهائلة التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص المساندة العسكرية لحلفائه، وهو ما عززه الشهر الماضي نائبه جاي دي فانس في مؤتمر ميونخ للأمن 2025 بدقّه جرس الإنذار للأوروبيين لإنفاق المزيد من الأموال على الدفاع.

وبينما يُبدي المرشح لمنصب مستشار وزعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز أهمية للاستقلالية في أسرع وقت ممكن وزيادة القدرات الدفاعية لألمانيا وأوروبا، وبعدما أدرك الجميع في ألمانيا أن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا موثوقًا به في ما يخص توفير الدفاع عن القارة العجوز، تسعى شركات الأسلحة، مع زيادة الطلبات، إلى عمليات استحواذ على مرافق إنتاج صناعية ألمانية تمر بظروف صعبة بسبب المنافسة الصينية غير العادلة في الأسواق الأوروبية وتراجع الأسواق الخارجية.

وفي هذا الصدد، بينت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف"، السبت، أن راينميتال، أكبر شركات الأسلحة الألمانية، تريد إعادة استخدام مصانعها في برلين ونويس، حيث تُنتج حاليًا أجزاء من قطع السيارات، للصناعات العسكرية، وذلك مع تزايد اللوائح والعقود على الأسلحة والذخيرة. وتوقع الرئيس التنفيذي للشركة أرمين بابرغر، في حديث مع الشبكة الإخبارية نفسها، أنه ومع نمو الطلبات بشكل كبير، ستكون هناك طلبات متأخرة بحوالي 80 مليار يورو بحلول نهاية العام.

علاوة على ذلك، بينت صحيفة هاندلسبلات في وقت سابق من هذا الأسبوع أن شركات الأسلحة، مثل "راينميتال" و"كاي إن دي إس" و"رينك" و"هنسولدت"، تعكف بالفعل على التفاوض مع شركات أخرى للاستحواذ على مرافق إنتاجها المدنية وتحويلها إلى الصناعات العسكرية، في ظل الطلب المتزايد على المعدات العسكرية. وتعيش جميع الشركات المعنية مرحلة إعادة هيكلة لعملياتها مع الطفرة في عقود التصنيع والنمو الذي لم تشهده من قبل.

وعدا راينميتال التي عرضت بالفعل على 100 موظف من مصنع الفرامل التابع لشركة كونتيننتال الانتقال إلى مصنعها المخصص لصناعة الذخيرة في مدينة غيفهورن، استحوذت شركة "كاي إن دي إس" الألمانية الفرنسية لتصنيع الدبابات على مصنع مجموعة ألستوم لتكنولوجيا السكك الحديدية في غورليتز الذي كان على وشك الإغلاق. وهناك رغبة أيضًا لدى شركة هنسولدت المصنعة للإلكترونيات الدفاعية للاستفادة من موظفين من شركتي كونتيننتال وبوش ممن تأثروا بإغلاق عدد من المصانع بعد خسارة الكثير من العقود من شركات صناعة السيارات.

ووفق معلومات توفرت لـ"العربي الجديد"، فإن حالة من الاستنفار تعيشها مصانع الأسلحة في ألمانيا، وهناك ضغوط على الكوادر والموظفين مع كثافة اجتماعات العمل توازيًا مع الضغوط التي تعيشها مرافق الإنتاج. وفي هذا الإطار، أفادت تقارير اقتصادية بأن دفاتر الطلبات ممتلئة لدى كل الشركات، سواء لدى هنسولدت، المعروفة بتصنيعها أنظمة الرادار وتقنيات الرؤية الليلية، أو "كاي إن دي إس" المشهورة بصناعة الدبابات، و"ديهل ديفنس"، التي تنتج أنظمة الدفاع الصاروخي، أو شركة "رينك" المختصة، من بين أمور أخرى، بأنظمة قيادة المركبات العسكرية، ومعها شركات الصلب، مثل تيسنكروب مارين سيستم المعروفة في عالم بناء الغواصات والسفن الحربية، والتي تظهر دفاترها طلبات بنحو 16 مليار يورو.

وفي منتصف شهر فبراير/شباط الماضي، تلقت راينميتال عقودًا كبيرة جدًا من القوات المسلحة الألمانية، وصلت إلى نحو 3.1 مليارات يورو، تمتد حتى عام 2030، وتشمل الرقمنة وربط جنود المشاة بالشبكات وتبادل المعلومات مع المركبات، إضافة إلى استخدام أجهزة استشعار في الملابس لمراقبة الوظائف الجسدية للجنود. وفي هذا الإطار، أفاد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الأوروبية تيمو دو فيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنه في الوقت الذي تمر فيه العديد من الصناعات الألمانية، التي تشكل جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الألماني، بمرحلة صعبة ويتراجع أداؤها مع الصعوبات التي واجهتها خلال الأعوام الماضية بفعل الزيادات في تكاليف الإنتاج وخسارتها أسواقاً خارجية وعدم القدرة على خلق التنافسية المطلوبة، تشهد صناعة الأسلحة الألمانية مرحلة ازدهار بعد أن كرّست نفسها دوليًا بفعل تطوير الإنتاج والتكنولوجيا والمعدات الدفاعية والذخيرة ومركبات المشاة القتالية، مثل بوما.

وأضاف أن كل ذلك سيحفز الاقتصاد في ظل تزايد التهديدات العالمية وسعي دول الاتحاد الأوروبي لبناء قدراتها العسكرية بسرعة عالية في العديد من مجالات الدفاع، واستثمار المزيد من الأموال في الجيوش، والاعتماد بشكل أساسي على مصنعي الأسلحة المحليين عند الشراء، بهدف تقليل الاعتماد على شركات الأسلحة الأميركية. ولا مناص من القول إن التباعد المتزايد للإدارة الأميركية الجديدة عن الشركاء الأوروبيين ومطالبتها الدول الأعضاء في الناتو بزيادة ميزانيتها الدفاعية، من شأنهما أن يثيرا المزيد من التوقعات لخطط التسلح، بحيث تكون أوروبا قادرة على حماية نفسها، مع الإرادة الواضحة لدى ترامب بتقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا.

ورغم أنه في الوقت الحالي تمثل صناعة الأسلحة الألمانية حوالي 0.3% فقط من الناتج الاقتصادي الإجمالي، فإن التوقعات تشير إلى أن ينمو القطاع بسرعة مضاعفة، ليحقق صافي أرباح مضاعفًا حتى عام 2027. ولكن، وفقًا لكبير الاقتصاديين في بنك "آي إن جي" كارستن برزيسكي في حديثه مع شبكة "زد دي إف"، فإن قطاع الصناعات العسكرية لا يزال بعيدًا كل البعد عن القدرة على تعويض ما فقده قطاع صناعة السيارات حاليًا. لكنه يرى أنه يمكن لهذه الصناعة أن تصبح مستقبلًا قطاعًا أساسيًا داعمًا للاقتصاد الألماني.

وعن مدى تأثير ذلك، أفاد الرئيس التنفيذي لـراينميتال، أكبر شركة أسلحة ألمانية، بأن تراكم الطلبات يعد من ناحية تعبيرًا عن الوضع الأمني المتغير بشكل كبير في أوروبا، ومن شأنه أن يمنح الاقتصاد الألماني دفعة من النمو. ووفق تقارير اقتصادية، انعكس ذلك إيجابًا على أسهم شركات الأسلحة التي شهدت حالة انتعاش في البورصة، بعدما باتت الأموال المخصصة للإنفاق العسكري كافية لرفع قيمة سوق الأوراق المالية.

وبينت تحليلات اقتصادية أن زيادة الإنفاق الدفاعي ستخلق المزيد من فرص العمل الجديدة، ما سيؤدي إلى تعزيز سوق العمل، بعد أن اضطرت شركات، مثل تلك العاملة في الصناعات الكيميائية والسيارات، إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين نتيجة سياسة خفض الوظائف مع تراجع الطلبات لديها. وذكر معهد سوق العمل وأبحاث التوظيف (آي إيه بي) أنه من الممكن لألمانيا خلق 200 ألف فرصة عمل جديدة إذا ما زادت إنفاقها الدفاعي من 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتماشيا مع ما ذُكر، أفادت بيانات راينميتال بأن الشركة تقوم باستقطاب الآلاف من الموظفين الجدد، حيث جرى توظيف ما بين ستة آلاف وثمانية آلاف موظف جديد سنويا خلال السنوات الثلاث الماضية، والأمر سيستمرعلى هذا النحو في السنوات القادمة، مع توقعات لدى الشركة بأن تمنح في العام 2025 شركات صغيرة ومتوسطة عقودا بقيمة تتراوح بين خمسة مليارات وستة مليارات يورو. وبخلاف ذلك، فان راينميتال تفترض أن لديها الإمكانية لأن يكون هناك 80 ألف موظف في ألمانيا يستطيعون كسب معيشتهم منها. وتلقت الشركة، العام الماضي، 200 ألف طلب توظيف، كان أغلبها من عاملين في قطاع صناعة السيارات. وتعتزم "كاي إن دي إس" زيادة عدد موظفيها في ألمانيا إلى حدود 600 موظف هذا العام.

وعن تأثيرات ذلك على النمو وبعدما باتت تعتبر صناعات الأسلحة ضرورية لأمن البلاد، أفاد الخبير الاقتصادي أولريش كاتر بأن زيادة الإنفاق العسكري الألماني إلى نحو 3% من الناتج المحلي الاجمالي تعني زيادة نمو بنسبة 0.5%، وهذا من شأنه أن يوفر حوالي 100 ألف فرصة عمل في المجال الصناعي وحده، وذلك وفقا لدراسة أجرتها شركة أرنست أند يونغ للاستشارات، بعد أن فقدت الصناعات الألمانية العام الماضي حوالي 100 ألف وظيفة. 

المساهمون