صفقة يابانية للاستحواذ على مصنع صلب أميركي تتحول إلى عاصفة سياسية

04 ديسمبر 2024
ترامب خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، 4 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جدد دونالد ترامب معارضته لبيع "يو إس ستيل" لـ"نيبون ستيل" اليابانية، مؤكدًا منع الصفقة البالغة 14.9 مليار دولار، في ظل تصاعد الحمائية والانعزالية بالولايات المتحدة.
- تواجه الصفقة معارضة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث تعهد جو بايدن بالحفاظ على ملكية "يو إس ستيل" داخل البلاد، مما يجعلها محط جدل سياسي وانتخابي في ولاية بنسلفانيا.
- أثارت المعارضة قلق المستثمرين الأجانب، خاصة اليابان، مع فرض رسوم إغراق على "نيبون ستيل"، مما يهدد الاستثمار الأجنبي والعلاقات الاقتصادية مع الحلفاء.

جدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب معارضته لبيع شركة الصلب الأميركية "يو إس ستيل" إلى شركة "نيبون ستيل" اليابانية، مشدداً على أنه سيمنع إتمام الصفقة التي جرى الإعلان عنها قبل عام بقيمة تصل إلى 14.9 مليار دولار، ليتحول الجدل حولها إلى عاصفة سياسية تتجاوز الحدود الأميركية، لتحمل رسائل إلى اليابان وحلفاء آخرين لواشنطن، في ظل تصاعد خطاب الحمائية والانعزالية وامتداد الخطاب الشعبوي من عالم السياسة ليطاول عالم المال في الدولة التي تتمتع بأقوى اقتصاد في العالم.

وكتب ترامب على منصة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" المملوكة له: "أنا أعارض بالكامل أن يتمّ شراء يو إس ستيل التي كانت يوماً ما عظيمة وقوية من قبل شركة أجنبية، في هذه الحالة نيبون ستيل اليابانية". وأضاف "من خلال سلسلة حوافز ضريبية وتعرفات جمركية، سنجعل شركة يو إس ستيل قوية وعظيمة مرة أخرى، وسيحدث هذا بسرعة! بصفتي رئيساً، سأعرقل إتمام هذه الصفقة".

وكانت شركة الصلب الأميركية المتعثرة قد أعلنت أنّها بحاجة لإبرام هذه الصفقة مع منافستها اليابانية لضمان ما يكفي من الاستثمارات في مصانعها في مون فالي بولاية بنسلفانيا، محذّرة من أنها قد تضطر لإغلاق هذه المصانع إذا ما عرقلت الحكومة عملية استحواذ "نيبون ستيل" عليها.

وبعد بضعة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قالت الشركة اليابانية إنها تتوقع إتمام عملية الاستحواذ على "يو إس ستيل" بحلول نهاية عام 2024، أي قبل أن يتسلّم ترامب مهامه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.

وتخضع الصفقة لمراجعة من قبل "لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة"، وهي برئاسة وزيرة الخزانة جانيت يلين ومهمتها التدقيق في عمليات الاستحواذ الأجنبية على الشركات الأميركية. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي مدّدت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن المهلة الممنوحة لهذه الهيئة لإنجاز مراجعتها، وطلبت منها ألا تصدر ما وصلت إليه بهذا الشأن إلا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التي جرت في الخامس من الشهر الماضي، وذلك بسبب ما تنطوي عليه هذه الصفقة من حساسيات سياسية.

وسبق أن تعهد بايدن في يونيو/ حزيران الماضي باحتفاظ أميركا بملكية شركة "يو إس ستيل"، وذلك في إطار سعيه حينها لاستمالة عمال النقابات قبل الانتخابات التي انسحب منها قبل نحو أربعة أشهر من إجرائها ودفع بنائبته كامالا هاريس في مواجهة ترامب. وقال بايدن، أمام حشد من الأعضاء بمقر "نقابة عمال الصلب المتحدين" في بيتسبرغ: "لطالما حظيت يو إس ستيل بمكانة مميزة بصفة شركة أميركية لأكثر من قرن من الزمان. يجب أن تظل الشركة أميركية بالكامل، مملوكة لأميركا، وتديرها نقابات عمال الصلب الأميركية، وهي الأفضل في العالم".

لكن على الرّغم من كل هذه العراقيل، بدت "نيبون ستيل" اليابانية واثقة من أنّها ستنجز الصفقة بحلول نهاية العام، وهو ما يثير جدلاً واسعاً حول ما ستؤول إليه الأمور بعد تشدد ترامب في قطع الطريق أمام تنفيذها بعدما كانت مادة خصبة لجذب أصوات العمال في السباق الانتخابي. ورغم عدم مسؤولية ترامب المباشرة عن اتخاذ قرار مثل هذا، فإن معارضته الشديدة تشكل عقبة أخرى أمام عملية الاستحواذ التي أصبحت بمثابة قضية مثيرة للجدل السياسي داخلياً وخارجياً أيضاً.

وتعد المخاطر السياسية المحيطة بهذه الصفقة مرتفعة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن شركة "يو إس ستيل" يقع مقرها في ولاية بنسلفانيا، وهي ساحة انتخابية حاسمة، حيث فاز بها بايدن في عام 2020 وفاز بها ترامب في انتخابات الشهر الماضي. كما تنافس كل من ترامب وبايدن على نيل دعم العمال النقابيين، حيث تعارض "نقابة عمال الصلب المتحدين" الصفقة.

وعلى الصعيد الخارجي، تحمل عرقلة ترامب المتوقعة لعملية الاستحواذ رسائل سلبية للمستثمرين الأجانب، لا سيما في الدول الحليفة التي كانت رؤوس الأموال القادمة منها تحظى بتشجيع أميركي على مدار عقود طويلة، كما تتزامن مع توجس الحلفاء من سياسة الحمائية التي يتبناها ترامب وقراراته الشعبوية التي قد تضر بمصالحهم.

ولدى الإعلان عن الصفقة في نهاية العام الماضي، كان يُنظر إليها باعتبارها انتصاراً للشركات، حيث جمعت بين شركتين أساسيتين لاقتصادات الحلفاء المقربين: الولايات المتحدة واليابان. وأشاد رام إيمانويل، السفير الأميركي في اليابان ورئيس الأركان السابق في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، بالصفقة في تغريدة على منصة "إكس" قائلاً: "هاتان الشركتان الأيقونيتان تحددان مستقبل صناعة الصلب الرئيسية وتشكلان رابطة قوية، حيث تواجهان بيئة أكثر تنافسية".

لكن، وبالسرعة نفسها، تحول المزاج. وفي بداية هذا العام الجاري، قال ترامب في خضم سباقه الانتخابي إنه سيمنع الصفقة. وبعد فترة وجيزة، قال بايدن أيضاً إن شركة "يو إس ستيل" يجب أن تظل "مملوكة ومدارة محلياً". ووافقت نائبته كامالا هاريس على ذلك. ولقد كان رد الفعل السريع هذا بمثابة ردود انتخابية بحتة، وفق تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز البريطانية"، أمس الثلاثاء، فقد كان مقر الشركة الرئيسي في أكثر الولايات المتأرجحة المرغوبة في الانتخابات، وانتهى الأمر بالسفير الأميركي في اليابان إلى حذف تغريدته على "إكس".

وكانت المعارضة رفيعة المستوى من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حينها أقوى إشارة إلى تبدل اعتلاء الحمائية منصة السباق الانتخابي، في اتجاه معاكس لدعم واشنطن الذي لم يكن موضع شك تقريباً للعولمة والتجارة الحرة. كما أرسلت هذه الردود إشارة إلى المستثمرين الأجانب الآخرين مفادها: إذا كنت تريد شراء شركة أميركية، فكن مستعداً للقتال.

وقالت ميريا سوليس، مديرة مركز دراسات السياسة الآسيوية في مؤسسة بروكينغز البحثية في واشنطن: "منذ البداية، كان السؤال هو: هل هذه حالة لمرة واحدة، أم أنها حقاً نمط أوسع نطاقاً ينبغي لنا أن نشعر بالقلق إزاءه؟ الجميع يفهمون السياسة وراء هذا، ولكن مستوى المعارضة فاجأ بعض الشركات وغيرها في اليابان". وفي طوكيو، فوجئ المسؤولون اليابانيون والمديرون التنفيذيون للشركات بالمعارضة السياسية الأميركية للصفقة. فقد أعربوا عن فزعهم من أن واشنطن ستعتبر استحواذهم تهديداً أمنياً بغض النظر عن العلاقات الوثيقة بين الحليفين.

وقد يكون لعرقلة الصفقة تأثير مخيف ليس فقط على الاستثمار من اليابان، التي تحتل المرتبة الأولى باستمرار للاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة، ولكن أيضاً على الاهتمام من حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، وخاصة مع الرئيس المنتخب الجديد الذي يدعو إلى سياسة اقتصادية حمائية تتضمن تعرفات جمركية باهظة. وقال جون مورفي، الذي يقود سياسة غرفة التجارة الأميركية بشأن التجارة والاستثمار الدوليين: "لطالما كانت الولايات المتحدة لديها سياسة استثمار مفتوحة.. سيكون من الضار بالاقتصاد الأميركي إرسال إشارة مفادها أن هذه الاستثمارات الداعمة للوظائف من الدول الحليفة الوثيقة تمثل تهديداً".

وقبل نحو أسبوعين فرضت وزارة التجارة الأميركية بالأساس رسوم إغراق قدرها 29% على "نيبون ستيل" بسبب بيعها الصلب المدرفل على الساخن في الولايات المتحدة بأسعار أقل من القيمة الطبيعية في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2022 حتى سبتمبر/ أيلول 2023، وفقاً لحكم أولي نُشر في السجلات الفيدرالية.

وكان القرار الصادر في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي جزءاً من المراجعة الإدارية السنوية التي تجريها الوزارة في قضية الإغراق التي بدأت منذ عام 2016، عندما قدمت الشركات الأربع الكبرى لصناعة الصلب في الولايات المتحدة الشكوى. وهذه الرسوم كبيرة، نظراً لأنها سترتفع من 1.39%. وجاءت هذه الرسوم في وقت يقترب فيه ترامب من وضع قدمه مجدداً في البيت الأبيض، حيث وعد بفرض رسوم على السلع الواردة من مختلف أنحاء العالم تراوح بين 10% و20% وتصل إلى 60% بالنسبة للبضائع الواردة من الصين.

المساهمون