صراع نفوذ في مصر: البدو ورجال الأعمال... من يحكم المشهد؟
استمع إلى الملخص
- يتمتع إبراهيم العرجاني بدعم قوي من النظام المصري، مما جعله شريكاً استراتيجياً في تنمية سيناء، بينما يمتلك حامد الشيتي إمبراطورية سياحية ضخمة، حيث تتقاطع مصالحهما في مشروعات التنمية القومية.
- أثارت الأزمة مخاوف بشأن مناخ الاستثمار في مصر، حيث أثرت الخلافات الشخصية والنفوذ غير الرسمي على سير الأعمال، مما أظهر تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.
شهدت مصر مؤخراً أزمة تفجرت إثر تصريحات لرجل الأعمال حامد الشيتي، عضو لجنة تطوير السياحة، اعتبر فيها أن "بدو محافظة مطروح"، شمال غربي مصر، يعيقون مشروعات التنمية السياحية في الساحل الشمالي. ورداً على ذلك، أطلق رجل الأعمال و"رئيس اتحاد القبائل والعائلات في مصر" إبراهيم العرجاني تصريحات حادة، اعتبر فيها أن "بدو مصر وصعيد مصر خط أحمر"، مطالباً الشيتي بالاعتذار فوراً.
تصاعد الجدل سريعاً، عبر الإعلام ومواقع التواصل، كاشفاً عن أبعاد سياسية واقتصادية أعمق تتعلق بصراع نفوذ بين جناحين من رجال الأعمال المقربين من السلطة في مصر، وتأثير كل جناح ومصالحهما المتشابكة، وما يحظيان به من دعم سياسي وأمني، إضافة إلى تداعيات الأزمة على بيئة الاستثمار والمشهد الإعلامي، وكيف جرى توظيفها لاستعراض النفوذ أمام الرأي العام، مع أحدث المستجدات المتعلقة بالقضية.
إبراهيم العرجاني
صعد نجم العرجاني بشكل لافت في السنوات الأخيرة ليصبح أحد أبرز رجال الأعمال النافذين في سيناء (شمال شرقي مصر)، مستفيداً من دعم غير محدود من النظام المصري أهّله ليتحول إلى شريك استراتيجي للدولة في كل ما يخص تنمية سيناء أمنياً واقتصادياً. يترأس العرجاني ما يسمى بـ"اتحاد القبائل والعائلات"، وهو كيان يجمع زعماء القبائل وموال للسلطة، ما يمنحه ثقلاً سياسياً في تمثيل القبائل على مستوى وطني. كذلك، توسعت إمبراطوريته التجارية عبر مجموعة شركات "أبناء سيناء" في مجالات الإنشاءات والصناعة والاستثمار، وذلك إلى جانب نشاطه في قطاع السيارات رئيساً لمجلس إدارة شركة "غلوبال أوتو". وقد برز اسمه أيضاً خلال حرب غزة 2023، إذ شاركت إحدى شركاته "هلا" للنقل في عمليات نقل المدنيين من قطاع غزة، رغم اتهامها بفرض رسوم باهظة على الفلسطينيين نظير نقلهم عبر معبر رفح.
مؤخراً، توسع النفوذ السياسي للعرجاني بتأسيسه حزباً جديداً "الجبهة الوطنية" يضم نخبة من الشخصيات النافذة، ويتوقع أن يلعب دوراً كبيراً في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى وصفه البعض بأنه "حزب الدولة" الجديد إلى جانب حزب مستقبل وطن، هذا الدور السياسي الصاعد يجعل العرجاني إحدى أذرع النظام المؤثرة، حيث يُستخدم لترسيخ معادلات قوة جديدة داخل الدولة.
حامد الشيتي
في المقابل، يمثل حامد الشيتي جيلاً أقدم من رجال الأعمال ذوي النفوذ الاقتصادي التقليدي. فهو ملياردير بارز في قطاع السياحة، بدأ نشاطه منذ عام 1979 وأسّس واحدة من أكبر شركات السياحة في الشرق الأوسط.
يمتلك الشيتي إمبراطورية سياحية ضخمة تشمل 17 فندقاً في شرم الشيخ (جنوب سيناء)، ومرسى علم، والغردقة (على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد)، بالإضافة إلى 21 فندقاً عائماً حول العالم، كما يدير مشروعات سياحية ضخمة مثل منتجع خليج مكادي على البحر الأحمر وخليج ألماظة في الساحل الشمالي (موضوع الخلاف الأخير).
خلال عهد مبارك، كان الشيتي من أبرز المستثمرين السياحيين، واستمر نفوذه في العقد الأخير ضمن الدائرة الاقتصادية المقربة من النظام، وقد عُين مؤخراً عضواً في لجنة تطوير السياحة (استشارية حكومية)، ما يدل على حضوره في المشهد السياسي الرسمي ممثلاً عن قطاع المستثمرين.
نفوذ الشيتي الاقتصادي يتركز في قدرته على استقطاب السياح والاستثمار الفندقي، فضلاً عن شراكاته الدولية والخليجية في تطوير المنتجعات. لكنه سياسياً، يبدو نفوذه أقل صخباً من العرجاني، ويعتمد أكثر على علاقاته ضمن البيروقراطية الاقتصادية (وزارتا السياحة والإسكان وغيرهما) بدلاً من الشعبية القبلية أو الأذرع الأمنية.
المصالح الاقتصادية المتشابكة
رغم اختلاف مجالات نشاطهما، تتقاطع مصالح العرجاني والشيتي في مشروعات التنمية القومية التي ترعاها أجهزة الدولة وتدعمها رؤوس أموال محلية وخارجية، ومثال ذلك تنمية الساحل الشمالي. فالدولة تسعى لجذب استثمارات كبرى لتطوير هذه المنطقة سياحياً، بما في ذلك صفقة ضخمة مع الإمارات لتطوير منطقة رأس الحكمة بعشرات مليارات الدولارات. وفي هذا السياق، يشارك الشيتي عبر مشروع خليج ألماظة السياحي في مطروح، بينما يلعب العرجاني دوراً غير مباشر عبر تأمين البيئة المحلية لهذه الاستثمارات، فشركات العرجاني تتمتع بعلاقات قوية مع الأجهزة الأمنية ويمكن أن تُسند إليها مهام لوجستية أو مقاولات في مشروعات البنية التحتية المرتبطة بالتنمية السياحية، كذلك، فإن القبائل المحلية، التي يدعي العرجاني أنه يمثلها، طرف أساسي في أي معادلة تنمية في سيناء أو مطروح، حيث يلزم كسب تعاونهم لضمان استقرار المشاريع، من جهة أخرى، والعرجاني نفسه مستفيد من تدفقات الاستثمارات الخليجية، إذ تشير تقارير إلى قيامه بدور "حارس مصالح الاستثمارات الإماراتية" على الأرض.
فتصاعد النفوذ الإماراتي في سيناء (وصولاً إلى الساحل الشمالي) ترافق مع ازدياد دور شركات العرجاني شريكاً ينفذ المشاريع ويضمن عدم تعرضها لمشكلات أمنية أو مجتمعية، بالتالي، كلا الجناحين له مصلحة في إنجاح مشروعات الدولة الاستثمارية (كالساحل الشمالي)، لكن توتر العلاقة بينهما ظهر في كيفية توزيع المكاسب وإدارة العوائق؛ فالشيتي اشتكى علناً من عرقلة "البدو" مشروعَه، فيما يرى العرجاني أن تلك القضايا يجب حلها برعاية الدولة واحترام توازنات القبائل بدلاً من لومها علناً. كما قد تكون وراء الصراع منافسة ضمنية على من يملك النفوذ المحلي: هل هو المستثمر الرأسمالي (الشيتي) أم حليف الدولة القبلي (العرجاني)، خاصة مع ما يمثله ذلك من تأثير على مستقبل تقاسم الأراضي وفرص الاستثمار في المنطقة.
الدعم السياسي والأمني
يحظى إبراهيم العرجاني بدعم سياسي وأمني صريح وقوي من قلب السلطة، فقد ألمحت مصادر إعلامية إلى علاقة تنسيق مباشر مع مسؤول كبير في جهاز أمني سيادي في مشاريع السيطرة على سيناء. وطرح محللون تساؤلات حول ما إذا كان النظام يؤسس مليشيا محلية بقيادة العرجاني خارج إطار المؤسسات الرسمية، نظراً إلى اعتماد الدولة المتزايد عليه قوةً شبه عسكرية موازية في سيناء.
وبالفعل، يتجاوز دور العرجاني الاقتصادي إلى مهام أمنية، فشركاته تفرض قيوداً على حركة الفلسطينيين عبر معبر رفح وتتحكم بعمليات سفرهم مقابل رسوم، ما يعني أنها تؤدي أدواراً أمنية ـ سيادية بغطاء تجاري. كذلك، تؤكد التقارير أن الأجهزة الأمنية (المخابرات العامة والحربية) على دراية تامة وتحالف مع بدو سيناء ومطروح عبر تواصلها مع العرجاني، وقد أشار هو نفسه بفخر إلى أن "بدو مصر معروفون للمخابرات العامة والحربية والخدمة السرية" في معرض تهديده للشيتي، يضاف إلى ذلك الحضور السياسي الجديد له من خلال الحزب الذي أسسه بدعم من الدولة، ما يعني أنه مدعوم رسمياً أيضاً في المشهد الحزبي.
هذا المزيج من الحماية الأمنية والدعم السياسي يجعل العرجاني في وضع أقوى بكثير من رجال أعمال عاديين، ويفسر الجرأة في توجيه تهديد علني من دون خوف من المساءلة.
أما حامد الشيتي، فدعمُه يأتي بطريقة تقليدية أكثر عبر علاقاته بمؤسسات الدولة الاقتصادية والسياحية بصفته مستثمراً كبيراً، يتمتع بقنوات تواصل مع الحكومة (مثلاً من خلال لجنة تطوير السياحة التي يشارك فيها)، وربما بحماية نابعة من كونه مساهماً مهماً في الاقتصاد الوطني، خاصة في قطاع حيوي كالسياحة.
ومن المتواتر أن الدولة المصرية تحرص على إشراك كبار رجال الأعمال في المشروعات القومية (مثال: منتدى "حياة كريمة" للمسؤولية الاجتماعية، ومبادرات دعم السياحة)، ومن المرجح أن الشيتي ضمن هذه الدائرة بصفته خبيراً ومستثمراً، كما أن امتلاكه واستثماره في منشآت بمناطق استراتيجية (سيناء، والساحل الشمالي، والبحر الأحمر) يحصل بالتنسيق مع جهات حكومية عليا، أي أنه ليس خارج المظلة الرسمية. لكن الدعم المقدم للشيتي يبدو أدنى مرتبة مما يتمتع به العرجاني، وفق محللين، فعندما تفاقمت الأزمة، كان أول رد رسمي من محافظ مطروح ضد تصريحات الشيتي، ولم يدافع عنه أي مسؤول بارز، بل اضطر هو نفسه سريعاً لتقديم الاعتذار، ما يوحي بأنه لا يتمتع بحماية سياسية خاصة عند الخطأ. وربما يعود ذلك إلى أن ولاء الشيتي الأساسي هو للمنظومة الاقتصادية لا الأمنية، أي أن الأجهزة الأمنية لا تعتبره جزءاً منها كما هو حال العرجاني. مع ذلك، يظل الشيتي ذا حيثية باعتباره شريكاً في مشروعات الدولة السياحية (كمشروع مراسي العلمين أو تطوير خليج ألماظة بالتعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية). ويمكن القول إن الشيتي يعتمد على الدعم التقني والإداري (تسهيلات حكومية، تخصيص أراضٍ، قروض ميسرة) أكثر من اعتماده على نفوذ سياسي مباشر. وفي المحصلة، كشف هذا الخلاف أن الكلمة العليا كانت للشبكة الأمنية التي آزرت العرجاني، مقابل انكفاء الشبكة البيروقراطية الاقتصادية التي ينتمي إليها الشيتي.
تداعيات الأزمة
أثارت هذه الأزمة مخاوف بشأن مناخ الاستثمار في مصر، حيث بدت الخلافات الشخصية والنفوذ غير الرسمي عوامل مؤثرة في سير الأعمال، فمن جهة، سلطت تصريحات الشيتي الضوء على معوقات الاستثمار المحلي، مثل مشكلات حيازة الأراضي والتعديات القبلية في المناطق النائية، إذ أشار في حديثه إلى وجود 580 مبنى مخالفاً أقامها أفراد من البدو من دون ترخيص على أرض مشروعه بخليج ألماظة، صدرت بحقها قرارات إزالة لم تنفَّذ بعد. وهذا يعكس تحدياً حقيقياً يواجه المستثمرين في بعض المناطق، عندما تتعارض خطط التنمية مع مطالب أو أساليب عيش المجتمعات المحلية. وعادةً ما تتطلب معالجة هذه المعوقات دعم الدولة وأجهزتها لإنفاذ القانون أو التفاوض على تعويضات للمجتمعات، وهو ما لمّح إليه الشيتي بقوله إن الأمر يحتاج حلاً جذرياً من الدولة، لكن الطريقة التي أُسكت بها الشيتي بسرعة قد توصل رسالة سلبية إلى المستثمرين: إن مناقشة المشاكل علناً قد لا تكون مقبولة إذا مست أطرافاً ذوي نفوذ. وبالتالي، ربما يتردد آخرون في التعبير عن تحدياتهم خشية التعرض للتوبيخ الإعلامي أو الأمني، ما قد يحجب المشكلات بدل حلها ويخلق بيئة استثمار غير شفافة.
من جهة أخرى، حمل تعامل السلطات مع الأزمة تطمينات حذرة، فقد سارع محافظ مطروح إلى نفي مزاعم تعطل المشاريع، مؤكداً أن أهل مطروح متعاونون دائماً ولم يتوقف أي مشروع قومي في المحافظة يوماً بسببهم، وأن المحافظة ومجلس شيوخ القبائل يستمعون لأي شكاوى من المستثمرين وتُحل في إطار مؤسسي.
هذا التصريح الرسمي يهدف إلى طمأنة مجتمع الأعمال بأن الدولة لن تسمح بفوضى تعطل الاستثمارات، وأن القنوات الرسمية مفتوحة لحل أي نزاع. كذلك يُقرأ باعتباره محاولةً لاحتواء الغضب القبلي عبر الإشادة بدور بدو مطروح، وفي نفس الوقت، الحفاظ على ثقة المستثمرين بالتأكيد على استمرار المشاريع الكبرى (العلمين الجديدة، ومحطة الضبعة النووية، والقطار السريع، وتطوير رأس الحكمة وغيرها) .
ورغم ذلك، يظل في خلفية المشهد إدراك عام بأن التوازنات القبلية والأمنية باتت جزءاً من حسابات الاستثمار. فالشركات ربما تحتاج إلى كسب ود زعماء محليين (على غرار العرجاني) لضمان سلاسة تنفيذ المشاريع، ما قد يزيد من تكلفة الاستثمار (رسمياً أو غير رسمي) ويؤثر على تنافسيته.
أما المشهد الإعلامي، فقد شهد تفاعلاً غير معتاد مع هذه الأزمة. فعلى الصعيد الشعبي، اجتاح وسم #بدو_مصر مواقع التواصل، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبر تهديدات العرجاني لهجة خطيرة دخيلة على الخطاب العام المصري، ومن تضامن مع موقفه دفاعاً عن كرامة البدو. الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تعامل بحذر، فقد نقلت مواقع الأخبار نبأ اعتذار الشيتي بشكل بارز وبلغة تصالحية، مثل عنوان "شركاء في النجاح والتنمية.. رجل الأعمال حامد الشيتي يتقدم بالاعتذار…". الذي ركز على إبداء الاحترام للبدو وشراكتهم في مشاريع التنمية.
ويهدف هذا الأسلوب الإعلامي إلى تهدئة الموقف وتأكيد الوحدة الوطنية بين المستثمرين والقبائل. بالمقابل، الإعلام المعارض أو المستقل استثمر الحدث لإثارة أسئلة حول نفوذ العرجاني المقلق. حيث وصفت تقارير تحليلية العرجاني بأنه "سمسار معبر رفح" المقرب من النظام، وتحدثت عن تاريخه من متهم جنائي في سيناء إلى شخصية فوق المساءلة حالياً.
وكذلك ظهرت تعليقات لاذعة في قنوات معارضة تصف المشهد بأنه "دولة المليشيات"، حين يُجبر رجل أعمال على الاعتذار "بأمر" زعيم قبلي مدعوم من الجيش، بينما الدولة تتفرج. هذا النقد الإعلامي وإن كان خارج المنصات المحلية، إلا أنه وصل إلى جمهور واسع عبر الإنترنت، ما يزيد الضغط على النظام لتبرير تنامي نفوذ العرجاني. في المحصلة، يمكن القول إن الإعلام المصري الرسمي سعى إلى احتواء الأزمة سريعاً وحجب أية تحليلات تمس السلطة، في حين أن المنابر غير الرسمية أثارت نقاشاً أوسع حول دلالات الحدث على تركيبة السلطة والثروة في البلاد.
استعراض النفوذ
شكلت هذه المواجهة فرصة لكلا الطرفين، ولمن يدعمهم، لاستعراض مدى قوتهم ونفوذهم، وإن كانت الكفة رجحت لصالح العرجاني. فقد ظهر الأخير بموقف المدافع الشرس عن كرامة شريحته (القبائل)، ملوحاً ضمنياً بأنه قادر على التصدي حتى لكبار المستثمرين إذا تطاولوا. فاستخدامه عبارة "خط أحمر" يحمل استعراضاً متعمداً للقوة، إذ توحي بأنه يضع حدوداً لا يمكن تجاوزهامن دون عواقب، وهذا أسلوب خطاب غالباً ما يصدر عن مسؤولين أمنيين أو عسكريين، بل أكد العرجاني صراحةً أن أجهزة الدولة الأمنية تقف في صفه وفي صف البدو، ما عزز صورته أمام الرأي العام كمن لديه غطاء من "الدولة العميقة". وبالفعل، أقل من 12 ساعة كانت كافية لإرغام رجل أعمال بحجم الشيتي على التراجع وتقديم اعتذار علني، وهو ما اعتُبر انتصاراً سريعاً للعرجاني ورسالة إلى الآخرين، هذه الرسالة مفادها أن العرجاني يملك سلطة معنوية وربما مادية تخوله فرض كلمته مدعوماً بتحالف القبائل وأجهزة الأمن. وقد يتردد صدى هذا الانتصار في ربوع سيناء ومطروح، حيث سيزداد ولاء أبناء القبائل له بعد أن رأوا كيف انتصر لكرامتهم على ملياردير. كذلك أمام القيادة السياسية، أثبت العرجاني فعاليته كـ"مُنفِّذ" يستطيع تهدئة خواطر القبائل بسرعة (بالحصول على الاعتذار)، ما يعزّز ثقة النظام به ويدفعه لمزيد من الاعتماد عليه في مهام حساسة.
في المقابل، ظهر حامد الشيتي بصورة الضعيف أمام الضغط، ما قد يُفهم أنه رسالة سلبية لرجال الأعمال التقليديين. رضوخ الشيتي السريع أظهر أن ثقل ثروته وعلاقاته لم يشفع له عندما تعارضت مع إرادة جناح أقوى أمنياً. وربما استُخدم هذا الموقف لإيصال تذكير ضمني لرجال المال بأنه مهما بلغ حجمهم، فعليهم الالتزام بخطاب محسوب لا يتجاوز "الخطوط الحمراء" التي ترسمها السلطة وشركاؤها. ومن زاوية أخرى، حرص الشيتي في بيان اعتذاره على إبراز احترامه وتقديره للبدو والتأكيد أنهم شركاء شرفاء في النجاح، وهو أيضاً استعراض -لكن للنيات الحسنة- أمام الجمهور لتفادي خسارة سمعته. فقد أراد إظهار أنه ليس متعصباً ضد فئة مجتمعية وأن كلامه أسيء فهمه، حفاظاً على صورته رجلاً وطنياً داعماً التنميةَ التشاركية، ومع ذلك، يبقى الأثر الأبرز في وعي الرأي العام هو تجسيد هرمية القوة: حيث تبوأ العرجاني موقعاً أعلى عملياً من مستثمر مخضرم كالشيتي.
وقد فسر البعض ذلك بأننا نشهد تحولاً في موازين النفوذ في عصر السيسي، حيث صعود نفوذ تحالف رجال الأعمال الأمنيين مقابل خفوت نسبي لنفوذ رجال الأعمال التقليديين الذين سادوا في عصر مبارك.
أبانت أزمة العرجاني ـ الشيتي مشهداً معقداً يمتزج فيه المال بالسياسة بالأمن. فهي من جهة صراع نفوذ داخل معسكر الموالين للسلطة، بين رجل أعمال تقليدي ومستثمر قبلي مدعوم أمنياً، ومن جهة أخرى ناقوس خطر بشأن مناخ الاستثمار حين تتغلب اعتبارات الولاء والنفوذ على الحلول المؤسسية. وبينما نجحت السلطات في تطويق الخلاف سريعاً عبر الاعتذار والتأكيدات الرسمية، فإن ما كُشف من حقائق القوة يجعل المستثمرين والإعلام والجمهور أكثر وعياً بأن وراء المشروعات التنموية قوى خفية تتصارع على المكاسب وتستعرض هيبتها عند اللزوم. هذه الحادثة مرآة لصورة أكبر في مصر اليوم، حيث يتقاطع نفوذ رجال الأعمال مع صلاتهم بالسلطة، فترسم تحالفاتهم وصراعاتهم شكل بيئة الاستثمار والسياسة على حد سواء.