شبهات فساد تلاحق صفقة "فودافون" للجيل الخامس في العراق
استمع إلى الملخص
- وزيرة الاتصالات هيام الياسري تسعى لتأسيس شركة وطنية بأيدٍ عراقية، لكن توقيع العقد أُوقف قضائيًا بسبب إشكالات قانونية تتعلق بالصلاحيات الممنوحة لفودافون وتأثيرها على الأمن السيبراني والسيادة التقنية.
- لجنة النقل والاتصالات في البرلمان تؤكد وجود خروقات قانونية في العقد، مما يمنح فودافون صلاحيات واسعة وحرية الانسحاب، مع نفقات كبيرة تتحملها الوزارة، مما يستدعي تدخّل القضاء العراقي.
تحول مشروع عقد الشراكة بين وزارة الاتصالات العراقية، وشركة فودافون البريطانية القاضي بتأسيس المُشغّل الرابع للهاتف النقال، بتقنية الجيل الخامس 5G إلى ملف شائك، بعدما أثارت تقارير محلية ونواب برلمان شبهات فساد وتجاوزات قانونية، وسط حديث عن وجود بنود مالية مثيرة للجدل، من بينها كلفة سنوية تبلغ 73.3 مليون يورو تُدفع قبل بدء التشغيل الفعلي للشبكة، إضافة إلى نسب مالية غير محددة قد تشكّل عبئاً على الخزانة العامة. بعدما كان المشروع قد قُدّم في بدايته بوصفه خطوة وطنية طموحة لتطوير البنية التحتية للاتصالات وتعزيز فرص العمل للشباب. وتعمل في العراق حالياً ثلاث شركات للهاتف النقال وهي أثير، وآسيا سيل، وكورك، وتتنافس على تقديم الخدمات في 18 محافظة عراقية وضمن أسعار وخدمات متشابهة إلى حد كبير.
عمق الأزمة
وقال المتخصص في قطاع الاتصالات، رضا دلف لـ"العربي الجديد" إنّ ما يجري في ملف عقد شركة فودافون يعكس عمق الأزمة التي يعيشها قطاع الاتصالات في العراق، الذي يعاني منذ سنوات ضعف الخدمات وغياب المعايير الفنية الحقيقية. وأوضح دلف، أن وزارة الاتصالات تتحمّل المسؤولية المباشرة عن ما هو موجود في عقد فودافون، بوصفه عقداً مبهماً من حيث طبيعته القانونية والفنية، إذ لم يُحسم حتى الآن ما إذا كانت فودافون، شركة مشغّلة أم استشارية كما تدّعي الوزارة، وهو ما يثير تساؤلات جدّية حول المبالغ الضخمة المدرجة في بنود العقد والتي تظهر فيها، بحسب قوله، مؤشرات واضحة على وجود عمليات فساد مالي وإداري.
وأضاف، أن تصريحات وزيرة الاتصالات الأخيرة زادت من حالة الغموض بدلاً من توضيحها، إذ حملت تناقضاً بيّناً بين النفي القاطع لأي عقد، وبين وجود توصيات رسمية وقعتها الوزارة تتضمن التزامات مالية واستحقاقات واضحة للشركة، ما يجعل الخطاب الرسمي غير متماسك ويفتقر إلى الشفافية الفنية التي يتطلبها ملف بهذا الحجم والحساسية.
وأشار إلى أن الضبابية التي تحيط بالعقد تُضعف ثقة السوق والمستثمرين في بيئة الاتصالات العراقية، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للبنية القانونية والتنظيمية للقطاع، لضمان التنافسية ومنع الاحتكار.
وشدد دلف، على أن ملف المشغّل الرابع يجب أن يخضع لرقابة صارمة من مجلس الوزراء والبرلمان وهيئة الإعلام والاتصالات، لأن أي غموض في بنوده قد يفتح الباب أمام هدر مالي كبير وتكرار تجارب الفشل السابقة التي أنهكت قطاع الاتصالات في العراق.
وزارة النقل تبرر
وكانت وزيرة الاتصالات هيام الياسري قد بررت الأمر بعدم توقيع العقد مع شركة فودافون لغاية الآن، مؤكدة في الوقت ذاته أن مشروع تأسيس شركة وطنية للهاتف النقال يُعدّ خطوة مهمة من الناحية الاقتصادية وسيسهم في توفير فرص عمل للشباب. وقالت الياسري، في إيضاح صحافي يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، إن الوزارة أطلقت مشروع تأسيس شركة وطنية للهاتف النقال، وتم التوقيع عليه بحضور رئيس الوزراء في الـ31 أغسطس/آب الماضي، حيث تم تأسيس الشركة بأيدٍ عراقية خالصة وبأموال عراقية، وهي الجهة المعنية بالمشروع.
وأضافت أن هذه الشركة، وبحسب قرار مجلس النواب، يجب أن تختار مشغّلاً عالمياً (فودافون) لتشغيل خدمة الجيل الخامس، بهدف نقل الخبرات وتدريب الكوادر العراقية، لافتة إلى أن جميع الإجراءات التي قامت بها الوزارة والشركة الوطنية جرت وفق قرارات مجلس الوزراء، وبما يتماشى مع الدستور والقانون. وتابعت أن المرحلة وصلت إلى توقيع عقد الرخصة مع هيئة الإعلام والاتصالات، وكان من المقرر أن يتم ذلك في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإذا ما حصلت الشركة الوطنية على عقد الرخصة، فسيكون بإمكانها توقيع عقد شراكة مع شركة فودافون أو غيرها، إلا أن ما حدث هو صدور أمر قضائي بإيقاف توقيع عقد الشركة العراقية مع هيئة الإعلام والاتصالات.
من جانبه، قال المستشار القانوني، أثير الدليمي، إنّ هذا العقد يثير إشكالات قانونية جوهرية تتعلق بطبيعة العلاقة بين الطرفين، ومدى توافقها مع قوانين الدولة العراقية والدستور، خصوصاً في ما يتعلق بمنح الشركة الأجنبية صلاحيات تمسّ الأمن السيبراني والسيادة التقنية. وأوضح الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن بنود العقد المتداولة تتعارض مع قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم (14) لسنة 2010، لكونها تمنح فودافون وضعاً احتكارياً، وهو ما يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص بين الشركات المحلية والعالمية. وأضاف، أن العقد يفتقر إلى الشفافية من حيث آليات التعاقد والموافقة الحكومية، لأن الوزارة ملزمة قانوناً بالإفصاح عن تفاصيل الاتفاق وتمكين مجلس النواب وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة من مراجعته، لأن أي التزام مالي أو إداري من دون موافقة هذه الجهات قد يُعدّ مخالفة قانونية. وأكد الدليمي، أن منح أي شركة أجنبية في الأمن السيبراني يُعدّ تجاوزاً لمبدأ السيادة، ويستوجب تدخّل القضاء لإيقاف أي إجراءات تنفيذية إلى حين التأكد من سلامة العقد، مبيناً أن ما حدث يشكّل نموذجاً آخر من العقود الحكومية المثيرة للجدل التي تستوجب وقفة حازمة لمنع تكرار أخطاء الماضي.
وأكدت لجنة النقل والاتصالات في البرلمان العراقي في سبتمبر/أيلول الماضي، وجود خروقات قانونية في عقد وزارة الاتصالات مع شركة فودافون، مشيرة إلى أن بنود العقد تمنح الشركة صلاحيات واسعة وغير مسبوقة في مجالات الأمن السيبراني ورسم السياسات التقنية، بما يمسّ السيادة الوطنية ويستوجب تدخّل القضاء العراقي. وقالت رئيسة اللجنة، زهرة البجاري، إن اللجنة تفاجأت بوجود خرق واضح خلال التعاقد مع شركة فودافون، مبينة أنّ الشركة البريطانية حصلت على جميع الامتيازات في العقد المبرم، وهو أمر يثير الاستغراب ويشكّل تدخّلاً غير مقبول. وأضافت في تصريحات للصحافيين قبل أيام، أنّ العقد منح فودافون حرية الانسحاب من العمل في أي وقت، ما يضع مستقبل المشروع في دائرة الغموض، كما يتضمن صلاحيات مطلقة للشركة في مجال الأمن السيبراني والتنصّت من دون وجود ضوابط واضحة من الجانب العراقي.
وأشارت البجاري، إلى أنّ وزارة الاتصالات منحت فودافون صلاحية رسم السياسات الإلزامية للعمل داخل العراق، ما يثير القلق بشأن السيادة التقنية والرقابية. وبيّنت، أنّ اللجنة خاطبت الادّعاء العام لرفع قضية التعاقد إلى المحاكم المختصّة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ولا سيّما أن وزارة الاتصالات ستدفع مبلغ 1.7 مليار دولار للبنى التحتية لشركة الاتصالات الوطنية، تتضمّن نسبة 3.5% لصالح فودافون، فضلاً عن تخصيص 5 ملايين يورو سنوياً لسفر الخبراء الأجانب وحمايتهم، وهي نفقات تتحمّلها الوزارة بالكامل، إضافةً إلى دفع 12 مليون يورو مقابل استخدام اسم فودافون فقط.